«العدالة حق لكل امرأة» تحت هذا الشعار، أطلقت ثلاث منظمات نسوية؛ «المحاميات المصريات لحقوق المرأة»، «القاهرة للتنمية والقانون» ومؤسسة «قضايا المرأة المصرية»، حملتها للتحذير من مخاطر تأثير زيادة الرسوم القضائية على حق النساء فى التقاضى، خاصة من يعانين من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة. وأكدت حملة «العدالة حق لكل امرأة» أن قرار زيادة الرسوم ينطبق على جميع المتقاضين، إلا أنه يترك تأثيرًا مباشرًا على النساء، تحديدًا فى قضايا الأحوال الشخصية كالنفقات والحضانة والطلاق.
وقد تجد كثيرات أنفسهن عاجزات عن تحمل هذه التكاليف، مما يُهدد حقوقهن الأساسية ويكرّس واقعًا من التمييز غير المباشر فى الوصول إلى العدالة. وبدأت أزمة الرسوم مطلع مارس الماضى، بقرار من رئيس محكمة استئناف القاهرة بزيادة الرسوم القضائية بنسبة 10 %، على إثرها اجتمع أعضاء مجلس النقابة العامة للمحامين ونقباء الفرعيات لمواجهة القرار الصادر من مجلس رؤساء محاكم الاستئناف بفرض رسوم تحت مسمى مقابل خدمات مميكنة. وأعلنت نقابة المحامين، فى 8 مارس الماضى، رفضها لكل هذه القرارات لتعارضها مع المشروعية الدستورية، وأكدت النقابة فى بيانها آنذاك أن فرض تلك الرسوم خلق مشكلات عديدة تمس حق التقاضى المكفول دستوريًا للجميع وتنال من حقوق المواطنين والمحامين. كما انتقدت النقابة عدم إشراكها فى حوار مجتمعى قبل إصدار هذه القرارات باعتبار أن المحامى هو جزء من المجتمع وشريك للسلطة القضائية بنص الدستور والقانون ويؤدى رسالة سامية. تستمر أزمة نقابة المحامين مع زيادة الرسوم حتى الآن، وبدأ شهر مايو الجارى، بإضراب جزئى عن العمل، امتنع المحامون فيه عن الوقوف أمام محاكم الاستئناف، ويستمر رفض النقابة لفرض محاكم الاستئناف رسومًا مقابل خدمات استخراج الوثائق والشهادات تحت مسمى «مقابل خدمات المميكنة. وشددت المنظمات النسوية فى حملتها «العدالة حق لكل امرأة» على تأثير هذه الزيادة على النساء فى المجتمعات الريفية والنائية، حيث تقل المعرفة القانونية وتضعف الخدمات القضائية، حيث تصبح هذه الزيادة عبئًا إضافيًا يحول دون لجوء النساء إلى المحاكم، ويضاعف من معاناتهن فى مواجهة قضايا العنف أو النزاعات الأسرية. عبء اقتصادى من جانبها تقول آية حمدى، محامٍ حر ومديرة مكاتب المساندة القانونية بمؤسسة المرأة الجديدة، إن النساء يحجمن عن اللجوء لمفرق العدالة لأسباب عديدة كإجراءات التقاضى الطويلة أو آليات التقاضى أو الجهل القانونى وعدم قدرتهن على السير فى إجراءات التقاضى بمفردهن. متسائلة: «ماذا يفعلن هؤلاء السيدات مع زيادة رسوم التقاضى الآن؟!». أضافت حمدى فى حديثها ل«روزاليوسف»: « زيادة هذه الرسوم ضاعفت عبئًا اقتصاديًا آخر على النساء بجانب أعباء اقتصادية موجودة من قبل، وأدت الرقمنة لارتفاع رسوم الدعاوى، ورسوم ما يحيط بالدعاوى من إجراءات، أى رسوم تدفعها السيدة خلال سيرها فى الدعوى واجراءات التقاضى، بجانب الرسوم المباشرة المقدرة على عريضة الدعوى». وأوضحت: «لو القضية كان يُدفع لها فى خزنة المحكمة رسم دعوى مباشرة 200 جنيه، فما يحيط بالقضية من إجراءات وإداريات يتكلف رسومًا أضعاف ال200 جنيه التى تدفعها السيدة، وكان هناك العديد من إجراءات التقاضى مجانية أصبحت بمقابل مادى الآن مع زيادة الرسوم، مثل الاستعلام عن القضية بعد الميكنة، أصبح يُدفع له رسم 57 جنيهًا، بعد أن كان مجانيًا تمامًا، مجرد أن تفتحى ملفًا ورقيًا وتقومين بالاستعلام برقم القضية عما وصلت إليه». «السيدة المطلقة التى كانت ترفع قضية نفقة، كانت قبل زيادة الرسوم تأخذ تصريحًا من القاضى من خلال ملء استمارة تحرى قيمتها جنيه واحد، وتُختم من رئيس القلم ثم تذهب بها للقسم، لتتمكن السيدة من التحرى عن دخل الزوج من عمله لتقدير قيمة النفقة، لكن الآن مع زيادة الرسوم القضائية، أصبح يُدفع رسم محضر جلسة بقيمة 57 جنيهًا، لتحصل السيدة المطلقة على التصريح بالتحرى»، تسرد مديرة مكاتب المساندة القانونية بالمرأة الجديدة أشكالًا من معاناة النساء الاقتصادية مع زيادة الرسوم القضائية. أردفت: «وهكذا رسوم مدفوعة طيلة سيرنا فى إجراءات الدعوى القضائية، فلم تُعد هناك إجراءات مجانية، كل إجراء يُقابله تحصيل أموال ورسوم مقابل الميكنة أو الرقمنة». الزيادة تهدد أمن وسلامة النساء وحذرت آية حمدى من خطورة تأثير زيادة الرسوم القضائية على سلامة النساء وحياتهن، قائلة: «هذه الزيادة ستدفع للنساء تحسبها عشرات المرات الآن قبل اللجوء للقضاء، لأن عبء تحمل التكلفة الاقتصادية فى التقاضى سيكون مضاعفًا، وهيجبر النساء على المفاضلة بين السيئ والأسوأ!». تتابع: «النساء ستضطر البقاء مع زوج مُعنف، يشرب المخدرات، يضربها، وتعيش تحت وطأة هذا العنف الأسرى، لعدم قدرتها على توفير 3000 جنيه للسير فى إجراءات الخلع أو الطلاق، وتُفضل توفير هذا المبلغ لمصاريف مدرسة أولادها أو مأكلهم ومشربهم». وأكدت آية حمدى أن إحجام النساء عن اللجوء للقضاء يُشكل خطورة على سلامتهن، قائلة: «ستؤدى هذه العراقيل مُمثلة فى زيادة الرسوم القضائية بصورة مباشرة وغير مباشرة لزيادة نسب العنف والجرائم تجاه النساء، فالسيدة التى كانت سترفع دعوى قضائية للنجاة من زوجها المؤذى، فهى مضطرة الآن لتكمل حياتها معه التى قد تكون مهددة فى أى وقت بالقتل أو بالإصابات». «المفترض أن العدالة مِرفق يلجأ له الجميع، وفًقا لنص القانون والدستور، وأن الرقمنة وميكنة وزارة العدل طُبقت من أجل ظروف تقاضٍ أسهل وأسرع لتحقيق العدالة الناجزة، ولكن مع زيادة الرسوم القضائية المميكنة، سيؤدى لإحجام النساء على اللجوء لمفرق العدالة، ويصبح هذا المرفق للنساء القادرات فقط!، وهو يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين فى حقهم للتقاضى»، وأضافت: نناشد الرئيس السيسى بالتدخل وإلغاء زيادة الرسوم ورفع المعاناة عن كاهل النساء. ومن جانبها، تُوضح رئيسة مجلس أمناء مؤسسة «المحاميات المصريات لحقوق المرأة» هبة عادل، أسباب إطلاق حملة «العدالة حق لكل امرأة» قائلة: «لأن العدالة ليست رفاهية ولكنها مطلب رئيسي لكل المواطنين وخاصة النساء، أطلقنا الحملة للتوعية بخطورة زيادة الرسوم القضائية وتأثيرها على تهديد الأمن والسلم المجتمعى، بالإضافة إلى التركيز على الأعباء التى سوف تتكبدها النساء من هذه الزيادة على مراحل التقاضى المختلفة». أكدت عادل لروزاليوسف: «إن زيادة الرسوم القضائية جاءت نتيجة لقرارات إدارية يصدرها رؤساء المحاكم، وليس مرجعها القانون وهى زيادة مخالفة للدستور فى المادة( 97 ) التى تنص على: «أن التقاضى حق مصون ومكفول للكافة». أضافت: «فى الوقت الذى نواجه فيه مشكلات وضغوطًا اقتصادية واجتماعية، تكون إحدى وسائل تحقيق الأمن والسلم المجتمعى، هو أن تظل أبواب العدالة مفتوحة، والمجتمعات كلما ارتقت يكون التقاضى فيها مجانيًا بالكامل، لأن الدولة تكون هى المحكم الرئيسى، وتكفل وتنفق على هذه المؤسسات لضمان التحكيم بين الناس وتحقيق الوصول للعدالة، والحصول على الحقوق بشكل آمن». استدركت: «لكن ما يحدث هو غلق أبواب العدالة بزيادة هذه الرسوم، ويسد هذه القنوات، مما يُهدد الأمن والسلم المجتمعى، بل يدفع أن يسعى المواطنون للحصول على حقوقهم بأيديهم، وهذا نرفضه تمامًا ونحذر من خطورته». أشارت عادل للآثار السلبية لزيادة الرسوم على حقوق النساء قائلة: «معظم قضايا النساء مرتبطة بالأحوال الشخصية والعنف ودعاوى النفقة والحضانة» متسائلة: «إذا كانت السيدة التى تعانى من عدم إنفاق الزوج وترفع دعوى للحصول على النفقة، كيف تسير فى إجراءات التقاضى مع هذه الزيادة فى الرسوم لتحصل على حقوقها؟!». تابعت: إن فرض رسوم إضافية دون مراعاة للفوارق الاقتصادية والاجتماعية يهدد بمزيد من التهميش للنساء ويُقيد حقهن فى التقاضى المكفول دستوريًا. تابعت: «حتى الجمعيات التى توفر الدعم القانونى المجانى للنساء، لن يستطيع تغطية تكلفة الرسوم، وستكون مساعدة النساء فى تقديم الخدمات القانونية المرتبطة بمصاريف المحامين والانتقالات، ولكن غيرها من مصاريف الرسوم لن تغطيها هذه الجمعيات، وبالتالى ستصبح النساء فى مأزق حقيقي!». أكدت رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات على دعم الحملة لموقف نقابة المحامين فى المطالبة بإلغاء زيادة الرسوم لمخالفتها للدستور، وحملتنا مستمرة ل21 مايو الجارى، «كما ندق ناقوس الخطر لصناع القرار، بأن هذه الزيادة تؤدى إلى تراجع المواطنين عن الإبلاغ واللجوء للمحاكم كوسيلة لاقتضاء الحقوق مما يهدد الأمن والسلم المجتمعى». اختتمت رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات حديثها: «لن يكون تنمية بدون عدالة، فالعدالة هى المحور والبوابة الرئيسية لاستقرار هذا المجتمع، ولتنمية الأسرة وتحقيق الأمن والسلم المجتمعى». أزمة فى قضايا الأحوال الشخصية أكد أحمد مختار المحامى بمؤسسة قضايا المرأة المصرية أن قضايا الأحوال الشخصية تتمتع بخصوصية عن غيرها من القضايا، وفقًا لنص قانونى صريح بالمادة 3 من القانون رقم 1 لسنة 2000: «تُعفى دعاوى النفقات وما فى حكمها من الأجور والمصروفات بجميع أنواعها من كافة الرسوم القضائية فى كل مراحل التقاضى». أوضح مختار فى حديثه لروزاليوسف أنه فى ضوء هذا النص: «ترفع السيدة القضية دون دفع مليم واحد، ولكن فوجئنا بفرض الكثير من الرسوم على كافة الأوراق أثناء مراحل التقاضى فى قضايا الأحوال الشخصية، وكلها مستندة على قرارات ليس لها سند قانونى واضح». أضاف: «وبالرغم من عدم صدور قانون لتعديل الرسوم، إلا أننا نجد العديد من القرارات بزيادة الرسوم دون سند قانونى واضح حيث يتم النص فى القرار على نص: «ولصالح العمل»، وهنا السؤال أين نص ولصالح المواطنين وخاصة النساء التى نص القانون على إعفائهن من الرسوم فى التقاضى؟». تابع: «السيدة أصبحت تدفع فى خطوة فى إجراءات التقاضى مقابل رسوم ميكنة، بدلًا من حصولها على صوة من الحكم بدفع 45 قرشًا وفقًا للقانون، تدفع الآن 70 جنيهًا». كشف مختار عن إحجام النساء من الاستمرار فى إجراءت التقاضى خلال الفترة الماضية بعد زيادة الرسوم من واقع خبرته المباشرة من ساحات المحاكم والقضايا التى يرفعها للنساء، قائًلا: «معظم النساء تتوجه للمحاكم لقضايا النفقة والخلع والطلاق، ولكن شهدت الفترة الماضية موكلة لم تستكمل إجراءات قضيتها فى الخلع، وقالت لى «هجيب فلوس منين؟!»، وأوضح مختار: «أن آخر خطوات التقاضى فى دعوى الخلع، يُوجد حَكمين أزهر يجلسان مع السيدة لوضع الرأى الشرعى والدينى ليعطى القاضى سببًا لإصدار حكم الخلع، أصبح مع زيادة الرسوم يُدفع قيمة 1000 جنيه تتحملها السيدة تحت بند «أمانة حكمين» بالمحكمة. فلدىّ سيدة موكلة تركت القضية لأنها لا تمتلك دفع هذا المبلغ، واضطرت فى الاستمرار بدائرة العنف الأسرى على يد الزوج التى كانت تريد خلعه». اعتبر مختار أن بعض الأزواج أصبحوا يستغلون ارتفاع تكاليف التقاضى كوسيلة للضغط على الزوجة لقبول أوضاع معيشية قاسية، قائًلا: «أحيانًا عندما نتفاوض مع الزوج، نجده متعنتًا ولا يريد الوصول لحلول تضمن حقوق الطرفين، مستقويًا ومستندًا بهذا الضغط الاقتصادى على الزوجة فى المحاكم ساخرًا: «خليها تروح المحاكم وتشوف هتدفع كام؟». مخالفة دستورية حذر المحامى بمؤسسة قضايا المرأة من خطورة تأثير زيادة الرسوم على حقوق النساء قائلًا: «هذه الزيادة ستدفع النساء للتفكير مائة مرة قبل الذهاب للمحكمة، المطلقة لكى تحصل على نفقة من بنك ناصر قيمتها 500 جنيه، البنك يطلب منها 11 إجراءً، تتكلف دفع رسوم لهم، تتجاوز 1000 جنيه لتحصل على 500 جنيه فى النهاية ؟!. تساءل مختار: «كيف تذهب النساء للمحاكم فى قضايا أحوال شخصية متعلقة بالأكل والشرب ومعيشة الأولاد والحياة اليومية للمواطنين، وتستطيع تحمل كل هذه التكاليف بداية من رسوم التقاضى وتكاليف الطباعة والتصوير، ومصاريف المحامين، تكاليف المواصلات والانتقالات، هذه كلها قيود تساهم فى بقاء النساء فى دائرة عنف مستمرة لاتفلت منها». اختتم المحامى المتخصص فى قضايا الأحوال الشخصية بمؤسسة قضايا المرأة بضرورة إلغاء زيادة الرسوم القضائية وخاصة قضايا الأحوال الشخصية، وأن تكون مجانية تمامًا، فالنساء تحتاج للوصول للعدالة فى أسرع وقت وبأقل تكاليف. وقال: لو أن هناك نية لزيادة الرسوم فيجب تعديل قانون الرسوم القضائية الذى لم يعدل منذ عام 1944 عبر مجلس النواب، وأن يتم طرح التعديلات بالزيادة للنقاش والحوار الجاد حولها، ولا تفرض كما يحدث الآن بقرارات إدارية بحتة من رؤساء المحاكم، وهى زيادة مخالفة للدستور والقانون». 2 3