لم أتعود أن أبث حزنى أو أحكى مشكلاتى لأحد، ولكنى فى الآونة الأخيرة لم أعد أحتمل ما أنا فيه من ضغوط نفسية رهيبة، والسبب فيها زوجى وأمه، ولذا فكرت فى عرض مشكلتى على صفحتكم لما قرأت فيها من ردود طيبة على كثير من المشكلات المرسلة إليكم. فأنا زوجة فى الثلاثين من عمرى، ويشهد لى الجميع بفضل الله بالخلق الحسن والهدوء والطيبة والاستقامة، ولقد تقدم لى زوجى منذ ثمانى سنوات، وتوسمت فيه حينها سجايا الخير والاحترام والأخلاق الطيبة. وبعد أن تم الزواج عشت معه بالفعل سنوات من السعادة كدت أحسد نفسى عليها، ورزقنا الله عز وجل خلالها بطفلين جميلين، ولكن تغير كل شىء إلى النقيض، خاصة بعدما جاءت والدته لتسكن معنا فى مدينتنا الساحلية بعد وفاة أبيه. منذ هذا التوقيت -أى من قرابة ثلاث سنوات- وأنا أعيش فى جحيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد دأبت حماتى العزيزة على تكدير صفو بيتنا الهادئ بتصرفات وتدخلات غريبة لم أكن أفهم ما تهدف إليه من ورائها، ولكنى أدركت بعد ذلك أنها تؤلب زوجى علىَّ؛ لكرهها لى من البداية ولأنها تعتقد أنى سرقت منها ابنها وخطفته كذلك من ابنة خالته التى خطبها عدة أشهر قبل أن نتعرف ولم تفلح الخِطبة. حاولت كثيرًا تجاهل تصرفات حماتى حتى لا ينهدم البيت وظللت أعاملها بالحسنى كما تربيت، ولكن هذا لم يفلح فرغم هدوء زوجى وحبه لى وتقديره لكل ما أفعله من أجل دوام السعادة والاستقرار فى بيتنا، إلا أنه بدأ يتغير فى معاملته معى وبات سريع الغضب دائم التوتر، ويكثر من إلقاء عبارات اللوم والتهديد بالطلاق والمنّ بإنفاقه علىَّ أنا وطفليه بشكل شبه يومى، مما جعلنى أتأكد أنه أصبح يتكلم بصوت أمه وليس من عقله الذى اختارنى ولا قلبه الذى أحبنى. دلونى ماذا أفعل؟ فأنا مهددة وخائفة من ضياع سعادة بيتى الجميل. يرد على الاستشارة: هدى سيد، المستشارة الأسرية، فتقول: أختى الكريمة أهلا بك دوما معنا وأسأل الله عز وجل أن يفرج كربكم، ويديم عليكم أفضاله ونعمه. أشعر بمدى معاناتك كما تبدو واضحة من سطور رسالتك التى جمعت بين السعادة والحزن والضيق والفرح والحب والبغض والمكيدة والشحناء، أختى هذه التناقضات كلها هى طبيعة البشر فى الدنيا، فحياتنا لا تسير على وتيرة واحدة، والابتلاء جعله الله فى الأرض منذ بدء الخليقة، حتى يختبر به سبحانه وتعالى إيمان عباده وصبرهم، بل شكرهم له عز وجل فى السراء والضراء، وبذلك يميز الخبيث من الطيب. ومشكلتك واحدة من ملايين المشكلات الأسرية التى تعانى منها معظم البيوت، ولأنك لم تذكرى فى كلامك سبب مجىء حماتك لتسكن معكم أنتم بالذات بعد وفاة حماكِ، فقد يبدو أن زوجك هو الابن الوحيد لأمه، أو أنه هو فقط الموجود فى البلد وباقى إخوته فى دول أخرى، أو أن باقى إخوته بنات ومتزوجات، ولكن أيا كانت الاحتمالات لذلك، فيبدو أن حماتك قد نجحت فى التأثير على زوجك، وظلت تذكره بالماضى المؤلم من وجهة نظرها وكنتِ أنتِ وقتها بطلته، حتى بدأ يطغى على الحاضر السعيد الذى كنتم تنعمون به كأسرة هادئة تغمرها السعادة. أختى الفاضلة أعرف مدى حزنك ولكنك الوحيدة التى تفهمين زوجك، وطريقة تفكيره ومفاتيح قلبه ومشاعره وعقله أيضًا، ولذا فعليكِ أن تجاهدى لتصلحى الخلل الذى تسببت فيه حماتك بسوء تصرفها وبعدم تقبلها لكِ بعد كل هذه السنوات. حاولى أن تمسكى العصا من المنتصف، واجتهدى فى تكثيف المعاملة الحسنة لزوجك وأمه فى نفس الوقت، وتقربى لحماتك وتكلمى معها بهدوء وناقشيها فى أسباب رفضها لكِ، وحاولى أن تزيلى هذه الأفكار السلبية العالقة برأسها تجاهك، ولا تيأسى من تكرار المحاولات مهما واجهتك بالصد والعدوان، وذكريها أن كل شىء بقدر، وأن ارتباطك أنتِ بابنها وليست ابنة أختها هى إرادة الله عز وجل وأرزاقه التى يوزعها بحكمته على خلقه. وكذلك تقربى لزوجك بقدر المستطاع، وكونى معه كما كنتِ طيلة سنوات الزواج، وحاولى أن تمتصى غضبه ولا تأخذى كلامه وتهديداته فى ساعة الغضب على محمل الجد -رغم قسوتها- ولكن عليكِ فعل كل ما تستطيعين حتى يعود إليك زوجك كما كان، ويعود الحب والدفء إلى البيت. أختى الكريمة الصبر ضياء، فاخرجى من ظلمات ما تشعرين به من حزن وخوف وتهديد وحيرة وقلق، حتى تنعمى بنور السكينة والطمأنينة والسعادة واليقين بأن كل مشكلة فى الدنيا لها حل إذا ما استعنا بالله عز وجل وأحسنا التوكل عليه سبحانه، ثم نأخذ بالأسباب التى تعيننا على حلها. فاستعينى بالله ولا تعجزى ولسوف يكرمك الله بفضله وتعودين إلى بيتك الطيب فرحة قريبًا إن شاء الله. ولقد لمست من رسالتك مدى طيبة قلبك وحسن خلقك كما يشهد لك بها الجميع، فلا تجعلى تلك المشكلة العابرة تنسيك تلك النعم الربانية العظيمة، بل حافظى عليها بالذكر والشكر والدعاء والاستغفار والتوبة وتجديد النية فى القول والفعل، واجعلى عملك خالصًا لله عز وجل وابتغى به رضاه، وسوف يرضيكِ الله عز وجل ويرضى عنكِ زوجك وأمه بقدرته وفضله وتنالى ثواب الصبر والشكر إن شاء الله تعالى.