الإخوان المسلمون يتعاملون مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، من منطلقات فكرية وثقافية أخلاقية منضبطة على قيم الإسلام وتعاليمه. يقدمون المصلحة العامة على الخاصة، ينكرون ذاتهم، يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، لا يتلونون، لا يتجملون ولا يجاملون على حساب مبادئهم، التى هى فى الأساس مبادئ الدين الحنيف. هذه نقاط ضعفهم من وجهة نظر البعض ممن تابعوا خلال الأيام الماضية ما أثير حول لقاء بين المهندس خيرت الشاطر والدكتور سعد الكتاتنى من جهة، والسيد عمرو موسى من جهة أخرى، بمنزل الدكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة. لم يتحدث المهندس الشاطر والدكتور الكتاتنى حتى هذه اللحظة عن فحوى ما دار فى الاجتماع بحكم أن "المجالس أمانات"، ولأن هدفهم من اللقاء كان هو لمّ الشمل وتقريب وجهات النظر مع المعارضة، وفتح باب للحوار يقرب المسافات ويفتح بابا واسعا لاستقرار الوطن، حتى يتفرغ الجميع للعمل وتتحقق النهضة المنشودة. فى المقابل يتناول الآخرون مثل هذه اللقاءات الحساسة من منطلقات مغايرة تماما لما يتبناه الإخوان، فكل ما يهمهم هو المجد الشخصى الزائف، أو ممارسة الانتهازية السياسية من أجل مصالح ومنافع ذاتية ضيقة. تحدث السيد أيمن نور -وهو صاحب الدعوة- فنفى فى البداية، ثم اعترف بأن اللقاء تم، وكان كمن ينفى تهمة جسيمة عن نفسه، ثم تحدث السيد عمرو موسى فادعى أنه قال كلاما أراد به إحراج الشاطر والكتاتنى، ونسج تابعوه رواية مؤداها أنه عاتب أيمن نور بشدة، وأنه ما كان ليقبل هذه الدعوة لو علم من سيحضرها، وهذا كلام ينطلى على السذج فقط، لأن واحدا بوزن السيد عمرو موسى لا يمكن أن يخدعه أيمن نور ويستدرجه لشىء لا يقبله ولدعوة لا يعلم من هم حضورها مسبقا، وتحت ضغط شركاء "الجبهة" اضطر عمرو موسى إلى إصدار بيانات تلو البيانات ليبرئ ساحته مما تصور أنها تهمة كبيرة ستهز مصداقيته وتفقده وزنه وسط رفقاء "الخراب". هكذا يتعاطى السياسة من يبحث فيها فقط عن مغنم ومكسب دنيوى قريب، وليس هكذا يتعامل معها الإخوان، الذين يتعبدون بالعمل السياسى لرب العالمين، ويعدونها وسيلة لغايات عظمى تحقق خير البلاد والعباد، لكن اللافت أن البعض اعتبر مثل هذا اللقاء إفراط فى حسن النية والبراءة من قبل قيادات إخوانية بوزن الشاطر والكتاتنى، واللذين تخيلا أن لقاء كهذا سيحاط بالسرية والكتمان، فى حين أن أجهزة بعينها كانت على الخط وأرادت إحراج الجميع، فسربت الخبر للمواقع والصحف الموالية للنظام القديم والتى تمثل رأس حربة على النظام الحالى ورموزه والمنتمين لتياره الفكرى، فتربص الصحفيون والإعلاميون وتحفزوا للصيد الثمين أسفل بيت أيمن نور، وهذا بحد ذاته عمل غير أخلاقى. المضحك بعد ذلك أن تبدأ مزايدات من نوع ما ذكره، وسيذكره، أشخاص لا يمكن لأى أحد من الإخوان، فضلا عن قياداتهم، أن يقبل لقاءهم خشية أن تتلوث يداه من رجسهم، أمثال رفعت السعيد الذى قال، خلال مداخلة هاتفية لإحدى الفضائيات: "لو دعيت للاجتماع مع خير الشاطر يستحيل.. لا هو هيقبل ولا أنا". والحقيقة أن هذا "التعيس" لا يدرك أنه لا يشرف أحدا من الإخوان ولا غيرهم أن يلتقيه، لأن اللقاء به تهمة والبعد عنه "غنيمة" كما يقولون، فالرجل لا يدرك أنه لا قيمة له ولا وزن فى عالم السياسة، بدليل أن أعضاء حزبه الذى كان هو رئيسه يوما ما يعدون بالعشرات لا بالمئات، ولا وجود حقيقى لهذا الحزب فى الشارع المصرى، فكيف يمكن لمثل هذه الظواهر الصوتية أن تعتبر نفسها قيمة وقامة وهم بالأساس أصفار على الشمال. اعتبروا حسن النية لدى قيادات الإخوان ورغبتهم المفرطة فى الإصلاح وحقن الدماء ورفعة المجتمع نقطة ضعف، وتندروا على لقائهم بعمرو موسى فى بيت أيمن نور، فى حين أن أيا منهم لا يمكنه أن يكسر حواجز هواه النفسى وتورطه المخزى مع "جبهة الخراب" ويبادر بحوار مماثل يعلى المصلحة العليا للبلاد على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة. كم طالبوا بأن يتحمل الكبير (الإخوان وحزب الحرية والعدالة) مسئولياتهم تجاه لمّ الشمل، ولما حاول الكبار لم الشمل، أو بالأحرى قبلوا دعوة كريمة لذلك، لم يسلموا من مزايدات الصغار وشتائمهم، وبالتالى سيظل الخاسر الأكبر هو الوطن، طالما بقى هؤلاء الصغار يمارسون ألعابهم العبثية والصبيانية.