توقفت طويلا أمام الخبر الذى نشرته (الحرية والعدالة) منذ أيام، وجاء فيه أنه تم تكليف "مجموعة من المعنيين بالشأن الإعلامى فى جماعة (الإخوان) بالقيام بزيارة المؤسسات والشخصيات الإعلامية والصحفية، وبحث سبل دعم العمل الإعلامى، حرصا على التواصل مع وسائل الإعلام وتوضيح الصورة وبيان المواقف على حقيقتها، وإقامة جسور التواصل بين الجماعة ووسائل الاعلام". لو أنى طالعت هذا الخبر فى أى صحيفة أخرى، لقلت على الفور أنه كاذب، يستهدف الإساءة للجماعة وتصويرها وكأنها تستجدى تعاطف الإعلاميين ووسائطهم المسمومة، غير أن هذا الخبر العجيب نشر فى (الحرية والعدالة)، ومن ثم لا بد أن يكون صحيحا، وعليه، فإنى مع كامل احترامى للمجموعة المكلفة (الأساتذة محمد عبد القدوس ووليد شلبى ومراد على وغيرهم)، لا بد أن أسألهم: هل حقا ستذهبون إلى مجدى الجلاد وعادل حمودة وإبراهيم عيسى ووائل الأبراشى ومحمود سعد وأمثالهم من أجل "توضيح الصورة وبيان المواقف"؟ هل حقا ستذهبون إلى صحف (المصرى اليوم) و(الفجر) و(الوطن)، وفضائيات (أون تى فى) و(التحرير) و(القاهرة والناس) من أجل إقامة جسور التواصل معها؟ بعد عامين ونصف من حرب إعلامية شرسة على الجماعة وحزبها، وقصف فضائى لم يتوقف يوما واحدا بأقذر الأسلحة، ألم يتبين ل(الإخوان) بعد من هم هؤلاء القوم؟ يبدو لى وكأن (الإخوان) يتصورون أن ما بينهم وبين رؤساء التحرير ومقدمى البرامج الحوارية هو مجرد سوء تفاهم، أو خلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، إذا كان هذا فعلا هو تشخيص (الإخوان) لمشكلة الإعلام، فإننا بالفعل مقبلون على كارثة.. لأن الطبيب عندما يخطئ فى تشخيص المرض ويقدم للمريض الدواء الخطأ، لا بد أن تكون النتيجة كارثية. إنى أطالب قيادات الجماعة بالتراجع عن هذا التكليف الذى لن تكون له سوى نتيجة واحدة، وهى إهدار ماء وجه الجماعة وممثليها، تنفيذ هذا التكليف لا يعنى إلا شيئا واحدا.. هو عجز (الإخوان) عن مواجهة الحرب وعن مقاومة العدوان عليهم.. فلم يبق أمامهم إلا استرضاء العدو على أمل أن يخفف بعض الشىء من حدة القصف، ولذلك أقولها للمرة الألف (إن كان هناك من يقرأ).. القضية لم تكن أبدا سوء تفاهم أو خلاف فى الرأى.. إنها قضية عنصرية سياسية.. أحقاد وأهواء مريضة.. رغبة محمومة فى التغييب والإقصاء، إنها قضية نخبة علمانية متطرفة تعتقد -بعد أن هيمنت على مصر سبعة عقود- أن البلد بلدها، وأننا نحن الإسلاميين لا حق لنا فى الوجود فيها إلا كجماعة مضطهدة مستضعفة لا حول لها ولا قوة.. فقط عندما نلتزم هذه الوضعية، ننال رضاهم وفتات إعلامهم الذى يحتاج وجودنا كمضطهدين حتى يصطنع مناصرة حقوق الإنسان، أما إذا استدعانا الناس لكى نمثلهم ونحكم بالنيابة عنهم، فهذا هو الخط الأحمر الذى دونه خراب مصر نفسها، إن هؤلاء الذين يريد (الإخوان) التواصل معهم هم الذين حرضوا مرارا وتكرارا على العنف والإرهاب.. هم الذين وفروا غطاء سياسيا وإعلاميا لبلطجية الفلول وميليشيات جبهة الخراب حتى يعيثوا فى الأرض تخريبا وفسادا.. هم الذين يروجون الشائعات ويزرعون الفتن ويثيرون القلاقل والاضطرابات، خدمة لتحيزاتهم وعنصريتهم وأسيادهم فى الخارج، بالنسبة لهم، استنفذ (الإخوان) الغرض من وجودهم بعدما أسهموا فى خلع مبارك، وكان على (الإخوان) بعد ذلك أن يقبلوا بدور الديكور (نسبة برلمانية لا تتجاوز 20%)، وألا يفكروا فى الترشح للرئاسة، ولكن حيث إن (الإخوان) حصلوا على 40%، كان لا بد من إسقاط البرلمان، وحيث إن مرشحهم انتخب رئيسا، فلا بد من إفشاله وإحباط كل جهوده للخروج بمصر من أزمتها. لقد حذرت من قبل (22 سبتمبر الماضى) فى هذا المكان من إكرام اللئيم، فما بالنا باسترضائه والتودد إليه، بينما أنا أعلم بيقينا أنه يكرهنى ويسعى لاستئصالى من الوجود، إن استرضاء أمثال هؤلاء لن يخفف من القصف الإعلامى، بل سيفاقمه ويزيد حدته، لأنك عندما تكشف عجزك أمام عدو قذر، فإنه لن يرحمك ولن تأخذه بك شفقة، ولن يرقب فيك إلا ولا ذمة، ولن يرضى عنك حتى تتبع ملته، وقد بدءوا بالفعل فى تحوير الخبر، أو ما يوصف فى إعلام الغرب بكلمة (Spin)، فكل خبر عن (الإخوان) تقوم الوسائط بتحويره لتشويه حقيقته واصطناع زاوية رؤية شاذة يفرضونها على القراء والمشاهدين، تُظهر (الإخوان) فى أسوأ صورة ممكنة. فقد نشر موقع (العربية) تقريرا يفسر هذا التودد الإخوانى للإعلام بأنه نتيجة خوف من الأمريكيين، حيث جاء فى التقرير: "بعد أن أعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها بخصوص توجيه تهمتى السب والقذف إلى صحافيين ينتقدان الرئيس المصرى، ودعت الحكومة إلى التنديد بالإجراءات المقيدة لحرية التعبير (إحالة النائب العام كلا من مجدى الجلاد وعلاء الغطريفى إلى المحاكمة الجنائية العاجلة)، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها كلفت فريقا إعلاميا، ممثلا للجماعة بزيارة المؤسسات والشخصيات الإعلامية والصحافية، لإقامة جسور من التواصل بين الإخوان ووسائل الإعلام، وتأسيس جديد للعلاقة بينهم. وقال ياسر محرز المتحدث الإعلامى لجماعة الإخوان: إن الجماعة ستسعى من خلال هذه الزيارات لفتح صفحة جديدة من العلاقة مع وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها، وفى مقدمتها وسائل الإعلام التى تتحامل على الجماعة، حسب قوله". ولهذا أكرر تحذيرى بأن تشخيص (الإخوان) لأسباب الانحطاط المهنى والأخلاقى فى وسائط الإعلام، مفرط فى السذاجة. نحن فى حاجة إلى أن نقتنع بأن وسائط الإعلام العلمانية لن تتغير لا فى الشكل ولا فى المضمون مهما حاول البعض أن يتودد إليها ويسترضيها، لأن الانحطاط الإعلامى انعكاس للانحطاط الأخلاقى والدينى للقائمين على هذه الوسائط، والذين جاءوا للأسف من بيئات متدنية دينيا وأخلاقيا، ولم يحظوا بقسط وافر من التربية فى أثناء نشأتهم، وهو ما نراه واضحا من خلال بذاءة ألفاظهم وحركات أيديهم وأصابعهم، ومن ثم فإن من شبّ عليه شاب عليه، ولا حل إلا بالمواجهة.. والمواجهة تتطلب نوعين من السلاح: الأول مكافئ لما يمتلكه العدو، والثانى أقوى. أما السلاح الأول، فهو الصحف والفضائيات.. وعلى الرغم من أن الإسلاميين لديهم صحف وفضائيات إلا أن حداثتها فى الممارسة وفنون المهنة تجعلها أقل كفاءة وأضعف تأثيرا من وسائط العلمانيين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن انتقال بعض الوسائط الإسلامية إلى الجانب العلمانى، حتى رأيناها فى خصومتها مع (الإخوان) والتيار الوسطى، أكثر فجرا من الوسائط العلمانية (والمثال الأبرز على ذلك هى صحيفة "المصريون")، فإن ذلك يعنى أن الوسائط العلمانية تتفوق ليس فقط بالكم والنوع، وإنما أيضا بقدرتها على إحداث اختراق خطير فى الصف الإسلامى، هذا يعنى أنه لم يبق أمام التيار الإسلامى الوسطى إلا تحسين نوعية الوسائط القائمة مثل فضائيتى (مصر 25) و(الناس)، ثم اللجوء إلى السلاح الأقوى، وهو (العلاقات العامة).. وهذا سيكون غالبا حديث الأسبوع القادم إلا إذا طرأ جديد يفرض نفسه.