لا أدري إن كان توارد خواطر, أم أن المستشار محمود الخضيري تبني اقتراحي الذي طرحته في مقال سابق(9 فبراير), وذلك عندما طالب منذ أيام, خلال ندوة بالإسكندرية, بأن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة بمثابة استفتاء علي الرئيس, وأنه في حالة حصول الإخوان وحزبهم علي أغلبية فهو استفتاء علي بقاء الرئيس حتي نهاية مدته, وفي حالة حدوث العكس فلابد من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة, حتي لا تدخل البلاد في نفق صراع جديد بين برلمان غير متوافق مع الرئاسة والإخوان وكنت قد طالبت الرئيس في المقال المذكور بأن يناشد جميع القوي السياسية والشبابية التوقف عن التظاهر والاعتصام إلي حين إعلان نتائج الانتخابات, وذلك مقابل تعهد الرئيس بأنه إذا حصد خصوم الإسلاميين أغلبية مقاعد المجلس(50%+1), فإنه سيعتبر ذلك استفتاء علي رفض استمراره في المنصب, وسيدعو حينئذ إلي انتخابات رئاسية مبكرة. أما إذا حصل الإسلاميون علي الأغلبية, فسيعتبر الرئيس والمعارضة هذا التصويت بمثابة تفويض شعبي للرئيس لكي يحكم مصر كما يري مناسبا. وكنت قد تقدمت بهذا الاقتراح للرد علي من يطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة, متأثرين بالعنف والبلطجة في الشوارع ووسائط الإعلام, حيث إننا لا يجوز أن نسن سابقة تجعل أي رئيس في المستقبل تحت رحمة جماعة من الغوغاء والدهماء تهاجم قصر الرئاسة وتقطع الطرق والميادين وتحرق وتنهب مقار الأحزاب, وتشاغب وتحرض إعلاميا, وتشترط توقفها عن هذه الجرائم بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لو فعلناها مع الرئيس مرسي, فإننا بذلك نفتح بابا للشر لن يغلق أبدا. أما أن تأتي الانتخابات المبكرة بناء علي ما يتمخض عنه صندوق الانتخابات, فهذا أمر مختلف تماما. قلت أيضا ان هذا الاقتراح له عدة مزايا: أنه ليس تخليا من الرئيس عن المسئولية, حيث إنه جعل استمراره أو رحيله مرهونا بصندوق الانتخابات أنه ينزع الذرائع من كل من يزعم أن الرئيس فشل في الحكم, وأن هذا الفشل المزعوم يبرر توفير غطاء بشري وسياسي وإعلامي للبلطجة والتخريب أنه يفتح نافذة أمل لجميع المشتاقين إلي منصب الرئاسة, كما يدفع العلمانيين إلي تعليق هوسهم بكراهية الإسلاميين, والتركيز علي حب مصر والتواصل مع شعبها أنه رسالة للشعب بأن الرئيس والإخوان مستعدان من أجله, لتقديم كل تنازل ممكن دون التفريط في الثوابت أن قبول هذا العرض من جانب جميع القوي السياسية يعني تخلص الرئيس من الضغوط والابتزازات التي شلت إرادته وقيدت حركته ورهنت قراره.. كما يعني وقفا غير مشروط للقصف الدعائي الغوغائي عليه من وسائط الإعلام. نحن انتخبنا الرئيس لكي يحكم ويقبض علي زمام الأمور. غير أن مانراه بالفعل منذ الصيف الماضي هو نقيض ذلك.. وهذا حال المعارض وليس الحاكم. وبالتالي, فإن الرئيس أمامه خياران: إما أن يواجه أعداءه وينتزع منهم, بشرعيته وبقوة القانون, زمام الأمور.. وإما فلا مفر من الاقتراح المذكور. لابد من العودة إلي الشعب بأسرع ما يمكن, حتي يتخذ القرار الذي يراه.. إما أن يجدد تفويضه للرئيس, وهو ما يمنح مرسي قوة هائلة تمكنه من القضاء علي مراكز القوي التي تحول بينه وبين الحكم.. وإما أن ينزع منه ومن( الإخوان) التفويض, وينتقل الإسلاميون إلي صفوف المعارضة..... هل هذا حل عادل للرئيس الذي لم يأخذ فرصته في الحكم؟ قطعا لا. ولكنه حل يمثل أخف الأضرار, ويحد من الخسائر التي تتراكم يوميا علي اقتصاد مصر وشعبية الجماعة وهيبة الرئيس. هل هو تنازل لمن شاغبوا عليه ولم يتركوه يحكم في هدوء؟ قطعا لا. وإنما هو تنازل للشعب, وإنقاذ لديمقراطيته الوليدة. هل هو استسلام للثورة المضادة ومخططها الشيطاني الذي يستهدف تكفير الشعب في الديمقراطية, حتي يتنازل عنها طواعية؟ قطعا لا. وإنما هو التفاف ومناورة حول هذا المخطط حتي لا يحقق أهدافه. هل يتحمل( الإخوان) قسطا من المسئولية عما وصلنا إليه؟ لا شك في ذلك. صحيح أن انقلاب العلمانيين علي الديمقراطية ونتائجها كان هو الخطيئة الأصلية, وأن حل برلمان الثورة كان هو الجريمة الأكبر, إلا أنه كان يجب علي( الجماعة) أن تتعامل بأعصاب باردة مع الخطيئة والجريمة, وألا تستفز إلي الاندفاع إلي صدارة المشهد دون إعداد لمواجهة مؤكدة. لقد كنت معارضا بقوة لتقدم( الإخوان) بمرشح للرئاسة, وكتبت مقالين, منعا من النشر في صحيفة( الحرية والعدالة), أفصل فيهما أسبابي لرفض ترشح كل من عبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد مرسي للرئاسة. كان قرار الجماعة بتقديم مرشح رئاسي, خاطئا للأسباب التالية: أولا.. فرض هذا الترشح عليهم خوض مواجهة شرسة مع تيار يملك ويتحكم في أخطر الأسلحة السياسية في هذا العصر( وسائط الإعلام), بينما هم تقريبا عزل لا يملكون سوي صحيفة وفضائية في طور الإنشاء, ثانيا.. إنهم لم يستشيروا أهل الخبرة والكفاءة من المؤيدين لهم( وهم كثر), وحصروا الشوري بشأن قرار يخص الوطن بأكمله داخل دائرتهم الضيقة. ثالثا.. إنهم لم يراعوا السنة الإلهية بضرورة التدرج في تغيير أوضاع راسخة منذ عقود. رابعا.. إنهم أساءوا تقدير حجم التقدير السياسي والأخلاقي للخصم, عندما ظنوا أنه سيحترم إرادة الشعب التي جاءت بمرسي. بهذا الرد علي الخطيئة والجريمة, وضع( الإخوان) ديمقراطيتنا في مأزق كبير لأنه مكن أعداءها من رقبتها. وفاقم الرئيس هذا المأزق مرتين.. مرة عندما ضعف أمام الابتزازات, وحاول أن يسترضي أعداء الديمقراطية بإطلاق وعود وتعهدات غير مدروسة وغير قابلة للتحقق علي أرض الواقع, فوفر لهم ذخيرة حية يقصفونه بها.. وأخري عندما أقدم علي استجداء الحوار معهم مرة تلو المرة, مما أساء إلي هيبته. إن الحرب ضد الرئيس والجماعة ممنهجة( إعلاميا وميدانيا وقضائيا), لها مايسترو وبنك أهداف وتمويل لا ينقطع, وقصف صحفي وفضائي لا يتوقف. فإما أن يتحرك الرئيس لوقفها والوصول إلي المايسترو الذي يديرها, وإما أن يعيد القرار للشعب الآن, وليس بعد ثلاث سنوات, لأن الهجوم لن يتوقف من المحاور الثلاثة, بل علي الأرجح سيزداد شراسة مع مرور الوقت. لمزيد من مقالات صلاح عز