فى طريق عودتى من ألمانيا بعد حضور المؤتمر الثانى لدول البحر المتوسط كنت أفكر ماذا يمكن أن أقول لشعب مصر؛ فالعلماء يجب أن يشحذوا أذهانهم وخيالهم للبحث عن الفرص ورصد التحديات وتقديم مشروعات طموحة لبناء المستقبل. وربما يكون الأهم هو الذى لم يقله الأوربيون فى المؤتمر، وإن كان يمكن اكتشافه من بين سطور الخطاب والواقع. إن شعب مصر يجب أن يدرك أنه أمام فرصة تاريخية شكلتها ثورته، وأن شعوب العالم الآن تحترمه وتعرف جيدا أنه لا بد من التعامل مع دولة مصر باحترام، وأن المستقبل يتشكل على قاعدة البحث عن المصالح المشتركة وتبادل المنافع. وبالتأكيد فإن أوروبا لم تستطع أن تتخلص بعد من عقدها وأهمها الخوف من الإسلام، والاستعلاء والاستكبار على الشعوب العربية التى احتلت أرضها زمنا طويلا. وما زالت دول أوروبية تحلم وتعمل على إسقاط التيار الإسلامى وإفشاله وإعادة إنتاج نظم تابعة ترضى بأن تقدم بعملية تسهيل النهب والاستغلال الأوروبى للثروات العربية. لكن مع ذلك فإن أوروبا كما قالت السيدة موريل أسبروج -الباحثة بمعهد برلين للعلاقات الدولية- يجب أن تتواضع، وأن تبحث عن طريق جديد للتعامل مع دول الربيع العربى، وحتى الآن فإنها لم تنجح فى الوصول إلى هذا الطريق، وفى صياغة سياسات جديدة. ما لم يقله أحد فى المؤتمر لكن كان يمكن اكتشافه أن الطريق الجديد الذى تبحث عنه أوروبا يختلف عن الطريق الأمريكى بل ربما يتناقض ويتقاطع معه، وأنه من الضرورى أن تبحث أوروبا عن مصالحها دون عواطف ويمكن التخلى عن الأيديولوجيا إذا كانت تتعارض مع المصلحة. أوروبا تشعر أن أمريكا ورطتها فى حروب عدوانية ضد دول عربية وإسلامية، وأن أمريكا تظل بعيدة ويمكن أن تحتمى وراء معطياتها الجغرافية والمادية، وإن كان لا يستطيع أحد فى هذا العالم أن يستغنى بشكل كامل عن الآخرين. ألمانيا بالتحديد تحاول على استحياء أن تفك ارتباطها بأمريكا، وفى نفوس الألمان ما زال يترسخ شعور بالكراهية لأمريكا التى أذلتهم حتى وإن كان لا يجرؤ أحد على التعبير علنا عن ذلك الشعور لا فى البرلمان ولا فى وسائل الإعلام. وبالرغم من قوة ألمانيا الاقتصادية فإن أمريكا لا تريد أن يلعب الألمانيون الدور السياسى الذى يليق بهم ويتناسب مع مكانة ألمانيا الاقتصادية فى أوروبا. وألمانيا تشعر بقوتها الاقتصادية لكنها تخاف من أن تضعف تلك القوة إذا لم تبحث لنفسها عن إمكانيات لبناء علاقات جديدة مع دول يمكن أن توفر لها أسواقا لمنتجاتها خاصة تلك الأكثر تقدما فى المجالات التقنية، وفى مجال صناعة السيارات. كما أن ارتباطها بأوروبا يشكل عبئا عليها فهى مضطرة إلى أن توفر لدول توشك أن تنهار أموالا تساعدها على البقاء رغم أنها تدرك أن إجراءات التقشف فى دول أوروبا مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال ليست مجدية، وأن هذه الدول سوف تظل معتمدة على الدعم الألمانى. التقطت عبارة ترددت داخل المؤتمر قد تشكل مفتاحا لفهم التفكير الألمانى هى أن تركيا دولة منافسة. ماذا يعنى ذلك؟!. وألمانيا لا تريد أن تفتح المجال للأتراك للعمل فى ألمانيا لأن تركيا تشق طريقها بقوة نحو التقدم، وأنها أصبحت منافساً قويا. كانت تركيا تكافح لدخول الاتحاد الأوروبى الذى كان يرفضها لفقرها، ولخوفه من تغيير التركيب الديموجرافى لأوروبا فيزداد عدد المسلمين. لكن تركيا استطاعت خلال عشر سنوات فقط فى ظل حكم حزب إسلامى أن تصل إلى مرحلة التقدم وتصبح منافسا قويا لأقوى دول الاتحاد الأوروبى وهى ألمانيا. وتركيا تتمتع بامتداد حضارى ثقافى يتيح لها إمكانيات فتح مجالات التعاون مع الدول العربية، ويتيح لمنتجاتها القبول فى الأسواق العربية، ويتيح لمنتجاتها القبول فى الأسواق العربية، وألمانيا تدرك ذلك وتبحث لنفسها عن وسائل تتيح لها إمكانيات لبناء علاقات جديدة خاصة مع دول الشمال الإفريقى. وألمانيا تفهم جيدا مكانة مصر الاقتصادية والجيو سياسية، وتعرف أن مصر يمكن أن تواجه التحديات وتحسن إدارة مواردها واستثمار ثرواتها البشرية والمادية، وأنها يمكن أن تحقق معجزة لا تقل عن المعجزة التركية خلال سنوات قليلة، ولذلك فإنها لا بد أن تعمل على مد جسور التعاون والثقة والتبادل التجارى القائم على المنافع المتبادلة. وألمانيا تشير إلى استعدادها لفتح مجالات للتعاون خاصة فى مجال استغلال الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء فمصر تتمتع بمميزات كبرى، ولذلك فإن أول ما يمكن أن نبحث عنه هو التعاون فى هذا المجال. لدى معلومات تشير إلى تقدم ألمانيا فى مجال استغلال الطاقة الشمسية طبقا لتقنيات جديدة، ولذلك لا بد أن نبحث إمكانيات بناء الكثير من مصانع توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، وأعتقد أن ألمانيا ستكون حريصة على أن تمد جسور التعاون فى مصر. إننا يجب أن ندرك ونحن نقوم بصياغة علاقتنا الدولية أن أوروبا أصبحت تحتاج إلينا بشكل أكبر من حاجتنا إليها، وأن هناك دولا أوروبية مثل ألمانيا يمكن أن تتجاوز الأيديولوجيا بحثا عن مصالحها، وما يقال اليوم بشكل خافت، أو لا يتم التعبير عنه يمكن أن يصبح أساسا لإقامة علاقات متكافئة تقوم على المصالح المتبادلة. مشروع قناة السويس يمكن أن يفتح شهية أوروبا لبناء علاقات قوية مع مصر حيث يمكن أن تصبح مصر البوابة للوصول إلى الأسواق الإفريقية والعربية. ما أريد أن أقوله لشعب مصر إن المستقبل يحمل الكثير من الإمكانيات لتصبح مصر دولة قوية وغنية تبحث دول العالم عن فرص لإقامة علاقات معها.