سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 18-6-2025 مع بداية التعاملات    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 18 يونيو بسوق العبور للجملة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 18 يونيو 2025    الإيجار القديم.. خالد أبو بكر: طرد المستأجرين بعد 7 سنوات ظلم كبير    مصادر إيرانية: 585 قتيلا سقطوا منذ بدء الضربات الإسرائيلية على طهران    ملخص وأهداف مباراة مونتيرى ضد الإنتر فى كأس العالم للأندية    الإمارات تحذر من مخاطر خطوات متهورة قد تتعدى حدود إيران وإسرائيل    تلجراف: الصين أرسلت سرا طائرات نقل إلى إيران    زوجة أشرف داري تنشر صورًا رومانسية لهما احتفالا بهذه المناسبة (صور)    تياجو سيلفا: فلومينينسي استحق أكثر من التعادل ضد دورتموند.. وفخور بما قدمناه    وكيل لاعبين يفجر مفاجآت حول أسباب فشل انتقال زيزو لنادي نيوم السعودي    انهيار منزل الفنان نور الشريف بالسيدة زينب    الآن.. موعد نتيجة الشهادة الإعدادية بالسويس 2025 وخطوات الاستعلام برقم الجلوس    هل يعتزم ترامب تمديد الموعد النهائي لبيع "تيك توك" للمرة الثالثة؟    "أدوبي" تطلق تطبيقًا للهواتف لأدوات إنشاء الصور بالذكاء الاصطناعي    من الكواليس.. هشام ماجد يشوّق الجمهور لفيلم «برشامة»    تركي آل الشيخ تعليقًا على أغنية إبراهيم فايق ومحمد بركات: الفن في خطر    أخيرا على "آيفون": "أبل" تحقق حلم المستخدمين بميزة طال انتظارها    مؤتمر إنزاجي: حاولنا التأقلم مع الطقس قبل مواجهة ريال مدريد.. ولاعبو الهلال فاقوا توقعاتي    «رغم إني مبحبش شوبير الكبير».. عصام الحضري: مصطفى عنده شخصية وقريب لقلبي    نائب محافظ شمال سيناء يتفقد قرية الطويل بمركز العريش    7 مصابين جراء حريق هائل بشقة سكنية في الإسماعيلية    إمام عاشور يوجه رسالة لجمهور الأهلي بالفيديو    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    «طلع يصلي ويذاكر البيت وقع عليه».. أب ينهار باكيًا بعد فقدان نجله طالب الثانوية تحت أنقاض عقار السيدة زينب    سعر الجمبري والكابوريا والأسماك في الأسواق اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025    التفاصيل الكاملة لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية، الأعلى للجامعات يستحدث إجراءات جديدة، 6 كليات تشترط اجتياز الاختبارات، خطوات التسجيل وموعد التقديم    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    نجوم الزمالك يشعلون حفل زفاف ناصر منسي بالشرقية ورقص الأسطورة يخطف الأنظار (فيديو)    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى منطقة البحر الميت    معدن أساسي للوظائف الحيوية.. 7 أطعمة غنية بالماغنسيوم    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    التضامن الاجتماعي: إجراء 2491 عملية قلب مجانية للأولى بالرعاية بالغربية    طريقة عمل الآيس كوفي، بمكونات اقتصادية واحلى من الجاهز    كأس العالم للأندية 2025| باتشوكا يواجه سالزبورج بصافرة عربية    إيران تطلق 20 صاروخًا باتجاه إسرائيل وصفارات الإنذار تدوي في تل أبيب وحيفا    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    أعمال الموسيقار بليغ حمدي بأوبرا الإسكندرية.. الخميس    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    أسعار الزيت والسلع الأساسية اليوم في أسواق دمياط    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    سي بي إس: لا يوجد توافق بين مستشاري ترامب بشأن إيران    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. حرب النفظ والرقمنة: إيران تتعرض لهجوم سيبرانى واضطرابات محتملة لإمداد الوقود الإسرائيلى.. الخليج يتحسب لضرب أمريكا لطهران ويجلى ناقلات النفط ويؤمن الحدود وغزة تئن    الجبنة والبطيخ.. استشاري يكشف أسوأ العادات الغذائية للمصريين في الصيف    رسميًا.. فتح باب التقديم الإلكتروني للصف الأول الابتدائي الأزهري (رابط التقديم وQR Code)    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    الغرفة التجارية تعرض فرص الاستثمار ببورسعيد على الاتحاد الأوروبى و11 دولة    «الربيع يُخالف جميع التوقعات» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء    النفط يقفز 4% عند إغلاق تعاملات الثلاثاء بدعم من مخاوف ضربة أمريكية لإيران    العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    علي الحجار يؤجل طرح ألبومه الجديد.. اعرف السبب    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك في إيطاليا
الاقتصاد والسياسة في زيارة الرئيس
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 05 - 2010

هبطت طائرة الرئيس حسني مبارك علي أرض العاصمة الإيطالية روما في أول جولة له خارج البلاد بعد أن من الله عليه بالشفاء من العارض الصحي الذي ألم به‏. الإيطاليون يقدرون جيدا اختيار الرئيس روما مقصدا لأولي رحلاته‏,‏ فهي المحطة التي اختارها بداية لعودة نشاطه السياسي الدولي‏,‏ حيث التقي سيلفيو بيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي علي خلفية علاقات وثيقة‏,‏ ربطت بين زعيمين يدركان جيدا حجم الأخطار والمشكلات التي تواجه المنطقة‏.‏ والحقيقة أن الرئيس مبارك استطاع خلال السنوات الماضية أن يضع منطقة الشرق الأوسط ضمن أولويات سياسات القوي الأوروبية الرئيسية أكثر من أي وقت مضي‏.‏ فالزيارات المستمرة والمحادثات التي لم تتوقف مع قادة الدول الأوروبية كشفت عن أهمية هذه المنطقة للأمن الأوروبي‏,‏ في ضوء المتغيرات التي طرأت علي المجتمع الدولي‏,‏ وثورة الاتصال التي قلصت المسافات الجغرافية الفاصلة بين أوروبا والمنطقة‏.‏ فلم تكن القوي الأوروبية الرئيسية معنية بشئون الشرق الأوسط مثلما هي معنية بها الآن‏.‏ فقد تولي مبارك الحكم في مصر وقضايا المنطقة مستقطبة بين القوتين العظميين في ذلك الوقت‏.‏ أما الآن فإن أوروبا تري الأمر الآن بطريقة مختلفة تماما‏.‏ وهذا الاهتمام الأوروبي بالمنطقة كان له تأثيره‏,‏ ليس فقط في حل القضايا السياسية والصراعات الإقليمية أو مساعي حلها‏,‏ وإنما أيضا أصبح له تأثيره في العلاقات الاقتصادية والثقافية التي تربط بين منطقة جنوب المتوسط وشماله‏.‏
تبدو اليوم إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا أكثر اهتماما بالمنطقة عما كان سائدا من قبل‏,‏ خاصة في الفترة التي تلت انتهاء عصور الاستعمار‏.‏ وهو إنجاز يحسب للرئيس مبارك الذي نجح في وضع المنطقة ضمن أولويات غير مسبوقة لأجندة العمل السياسي الأوروبي من خلال زيارات لم تتوقف للعواصم الأوروبية الكبري‏,‏ وتوثيق العلاقات السياسية مع القادة والمؤسسات الحاكمة في هذه الدول‏.‏
لقد أدرك مبارك منذ وقت مبكر أهمية تفعيل العلاقات المصرية والعربية مع القوي الأوروبية القابعة عند الشاطئ الآخر للمتوسط دون التضحية بالعلاقات القائمة مع الولايات المتحدة‏,‏ باعتبارها القوة الكبري في عالم اليوم‏.‏ فلقد أصبحت القضايا الإقليمية أكثر تعقيدا‏,‏ وتحتاج أطرافا كثيرة تساعد في مواجهتها والتقليل من آثارها السلبية‏.‏ ولم تعد القضية الفلسطينية وحدها المطروحة علي الساحة الإقليمية برغم أهميتها الكبري واحتلالها قمة قضايا المنطقة‏.‏ ولكن بؤرا كثيرة للتوتر ظهرت‏,‏ وجاءت معها بتهديدات كثيرة تستلزم في مساعي الحل الاستعانة بأطراف لها القدرة علي المساعدة وتقديم العون‏.‏
علي هذه الخلفية جاءت زيارة الرئيس مبارك لإيطاليا‏,‏ حيث تكمن موارد وقدرات كثيرة يمكن أن تقدم العون والمساعدة في مواجهة المشكلات والتحديات السياسية والاقتصادية لمصر وللمنطقة أيضا‏.‏ وعلي الجانب الإيطالي هناك فهم ناضج لما يمكن أن تقدمه مصر لتأمين منطقة الجنوب من الأخطار التي تهدد الأمن الأوروبي‏,‏ فضلا عن كونها دولة تمتلك قدرات اقتصادية قادرة علي النمو بما يخدم العلاقات الاقتصادية بين البلدين‏.‏
وبرغم أهمية ما تمخضت عنه زيارة الرئيس مبارك لإيطاليا من نتائج اقتصادية سوف تكشف الأيام المقبلة عن تأثيراتها الإيجابية‏,‏ فإن الأزمة الناشئة في منطقة حوض النيل والدور المحتمل أن تقوم به إيطاليا جعل الكثيرين من المراقبين يهتمون بهذا الجانب من محادثات الرئيس مبارك مع القادة الإيطاليين‏,‏ حيث ترتبط إيطاليا بعلاقات خاصة مع إثيوبيا التي هي في الوقت نفسه المصدر الرئيسي لمياه النيل التي تصل إلي مصر‏.‏ وقد كشفت الزيارة عن تفهم الأوروبيين لدور مصر في إفريقيا‏,‏ خاصة في منطقة حوض النيل‏,‏ حيث طلب الإيطاليون التعاون مع مصر في جنوب السودان ومع إثيوبيا في إطار ثلاثي لتنمية احتياجات مصر المائية‏.‏
‏..................................................................‏
وقال بيرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا في أحد الاجتماعات إنه أوضح للإثيوبيين أهمية أن يتعاونوا مع مصر في مبادرة حوض النيل‏,‏ وظهر الالتزام الأوروبي بهذه المسألة الحيوية لمصر‏,‏ حيث تنظر السياسة المصرية باهتمام إلي تنمية وتطوير وحشد الإمكانات العالمية والدول المانحة لمساعدة دول الحوض وتوفير احتياجاتها وتنمية اقتصاداتها وقد سعت مصر إلي اتفاقية مبادرة حوض النيل لهذا الغرض الحيوي‏.‏ أما الخلافات التي ظهرت أخيرا بين دول الحوض خاصة بين دول المنبع والمصب‏,‏ فليست لها مبررات موضوعية ولا تحقق مصالح الجميع ولا يعني أن مصر‏,‏ وهي تضمن حقوقها سواء من الناحية القانونية أو العملية‏,‏ ألا تفتح يديها وصدرها لمساعدة أشقائها الأفارقة وشركائها في حوض النيل‏.‏
لقد أظهرت المباحثات المصرية‏-‏ الإيطالية تقدير الجانب الأوروبي للموقف المصري شديد الموضوعية والرؤية الصائبة لمستقبل هذا الإقليم‏,‏ وأهمية التعاون لتطويره وزيادة إمكاناته المائية والاقتصادية‏.‏
كان موقف إيطاليا واضحا بأنها سوف تعمل مع مصر علي تحقيق هذا الهدف‏,‏ وأنها أبلغت الإثيوبيين ضرورة التعاون مع التوجهات المصرية التي تحفظ مصالحها ومصالح مصر‏,‏ وتساعد علي تنمية حوض النيل كله‏,‏ وأن أهم شيء في مثل هذه الخلافات هو ضرورة احترام القانون الدولي والحقوق التاريخية والبناء عليها لإقامة علاقات مستقبلية صحيحة وقادرة علي تحقيق مصالح الجميع‏.‏ ويشيرالموقف الإيطالي من أزمة مياه النيل إلي اتجاه دولي سائد‏,‏ يهدف إلي تجنب التصعيد‏,‏ والعودة إلي المفاوضات‏,‏ وحل الخلافات بما لايضر بمصالح الأطراف جميعا‏,‏ وهو اتجاه يدعم الموقف المصري‏,‏ ويمهد الطريق نحو انفراج الأزمة‏.‏
وبعيدا عن أزمة مياه النيل والدور المتوقع من إيطاليا فيما يتعلق بالموقف الإثيوبي‏,‏ فإن زيارة الرئيس حسني مبارك للعاصمة الإيطالية حملت تطورات سياسية واقتصادية متميزة‏,‏ ستكون لها تأثيراتها المستقبلية في جوانب إيجابية عديدة لمصر‏.‏ فإيطاليا اليوم تختلف عما كانت عليه في الماضي‏,‏ فهي إحدي قاطرات القارة الأوروبية‏,‏ وأصبحت من الدول الرئيسية المحركة للنظام الأوروبي مع فرنسا وألمانيا وإسبانيا‏,‏ وكلها دول مؤثرة ومحركة سياسيا في القضايا الملحة التي تهم مصر ومنطقة الشرق الاوسط وشريكة لنا اقتصاديا وتجاريا‏,‏ ولا شك أن تقوية علاقاتنا واتفاقياتنا بها تساعدنا علي استمرار النمو الاقتصادي‏,‏ وجذب الاستثمارات‏,‏ وبناء علاقات تجارية تنعكس علي حياة المصريين اليومية في كل المجالات الحيوية‏.‏
في روما شهدنا وزن مصر ومكانة مبارك عقب وفي أثناء يومي الزيارة‏,‏ إيطاليا احتشدت سياسيا وإعلاميا للترحيب بالرئيس المصري‏,‏ وترجم ذلك رئيس الوزراء بيرلسكوني في المؤتمر الصحفي مع الرئيس مبارك بعد يوم حافل وطويل وشاق شمل مباحثات اقتصادية وسياسية متتابعة وطويلة‏,‏ أسفرت عن توقيع حزمة من الاتفاقيات لم تحدث من قبل في علاقة إيطاليا بدولة أخري‏,24‏ اتفاقية تدخل إيطاليا مع مصر في شراكة إستراتيجية في مجالات عديدة ومتغيرة لم نعهدها أو نعرفها في علاقات التعاون الدولية‏.‏ فلقد عرفنا الاستثمارات المشتركة وزيادة أعداد السائحين الإيطاليين الذين وصلوا إلي مليوني سائح سنويا‏..‏ عرفنا التجارة حتي أصبحت إيطاليا شريكنا الأول في أوروبا‏,‏ حيث تخطي حجم التبادل التجاري‏5‏ مليارات يورو في عام‏2008‏ وإذا كانت الإحصاءات تشير إلي انخفاضه بنسبة محدودة في عام‏2009‏ بسبب الأزمة العالمية فإنها تعود إلي معدلاتها الطبيعية في عام‏2010,‏ خاصة مع تدشين‏(‏ الممر الأخضر‏)‏ الذي يربط بين الإسكندرية والبندقية وفينيسيا وميناءي دمياط وبورسعيد لتصدير الحاصلات الزراعية المصرية‏,‏ ليس إلي ايطاليا فقط‏,‏ وإنما أيضا إلي أوروبا في شمالها ووسطها وبسرعة فائقة تحفظ جودة السلع وانتقالها طازجة من مزارعنا إلي الأسواق مباشرة‏.‏
وبهذا الأسلوب يكون قد تم تدشين البنية التحتية القادرة علي رفع معدل النمو التجاري إلي‏10‏ مليارات يورو في السنوات الثلاث المقبلة وبالرغم من أن الميزان التجاري مازال يميل لمصلحة الواردات من إيطاليا فإن مصر تعوضه بزياده مطردة في أعداد السائحين‏.‏ أما الاستثمارات الايطالية فمكانتها نستطيع أن نلمسها عندما ندرك أن أكثر من‏600‏ شركة إيطالية تعمل في مصر‏,‏ وفي مجالات متنوعة وما يعكسه ذلك من تكنولوجيا متطورة وفرص عمل باستثمارات قدرها‏8,5‏ مليار دولار‏.‏ وسوف تشهد علاقات مصر وإيطاليا تعاونا في مجالين متميزين‏,‏ حيث نعمل معا في مجال التعليم‏,‏ فالجامعة الايطالية تشيد الآن علي مساحة‏100‏ فدان في مدينة العبور‏,‏ ومن المخطط أن يتسارع العمل في إنشائها لتستقبل طلابها في عام‏2017,‏ وتدخل إيطاليا مع مصر في مجال جديد تماما هو البريد‏..‏
والتعليم لا يقتصر علي الجامعة بل يمتد لإعادة تأهيل العمالة الفنية المتميزة التي تحتاجها السوق المصرية والأسواق الأوروبية والمتوسطية التي تستقبل عمالة من مصر لينتهي عصر الهجرة غير الشرعية وتصبح هجرة محببة وشرعية لعمالة مدربة تبحث عنها السوق الأوروبية‏,‏ بل هي متعطشة لها‏,‏ وكان تقصيرنا في تأهيلها نتيجة مشاكل عديدة‏..‏ أرواح عديدة ضاعت بحثا عن عمل شريف ووجود منظم في السوق الأوروبية‏,‏ ولكن مصر الآن تتغير‏,‏ وسوف تصبح قادرة في سنوات معدودة علي تأهيل عمالتها المدربة والماهرة لأسواق إيطاليا واليونان وألمانيا وفرنسا وغيرها‏..‏ مدارس‏(‏ دون بوسكو‏)‏ للتدريب المهني في مصر لا تعطي شهادات فقط‏,‏ بل توفر العامل الفني المهني الذي تتهافت عليه الأسواق في كل أنحاء العالم وفي مصر والخليج وأوروبا‏,‏ وطبقا لهذه الثقة المتزايدة بالعمالة‏..‏ المصرية خصصت إيطاليا لمصر‏8‏ آلاف تأشيرة منذ عام‏2007‏ سنويا‏,‏ وهو يفوق ما أتاحته إيطاليا لأي دولة أخري في جنوب المتوسط‏,‏ بالإضافة إلي العمالة الموسمية التي تتزايد سنويا‏.‏
وإذا كنا قد رصدنا أهم المجالات الجديدة التي يدخلها التعاون المشترك بين مصر وإيطاليا‏,‏ فإننا يجب ألا ننسي اتفاقية التعاون في إزالة الألغام لتأثيراتها علي زيادة الرقعة الزراعية القادرة علي الاستثمار والتنمية في مصر‏,‏ والتي تصل مساحتها إلي‏22%‏ من مساحة مصر ومازالت غير مؤهلة في الساحل الشمالي لأنها مزروعة بأكثر من‏17‏ مليون لغم منذ الحرب العالمية الثانية وضعتها الدول الأوروبية المتقاتلة في تلك الحرب‏..‏ وهذه المساحة غير المؤهلة الآن نسعي لتجهيزها لاستقبال ملايين المصريين وتوفير فرص عمل متزايدة لهم في الزراعة والري‏.‏
نعود إلي الأهم بعد أن استعرضنا المهم‏.‏ فالاقتصاد هو القوة المحركة لأي دولة وبه تكتسب الدول في عالم اليوم مكانتها وقدرتها واحترام العالم‏.‏ وعلينا الاستفادة مما يتضمنه تحرك الرئيس مبارك السياسي وزيادة القدرة التنفيذية لمؤسسات الدولة المختلفة علي العمل والاستفادة القصوي من الاتفاقيات مع شركائنا التي تزيد مكانتنا وقدرتنا في عالم اليوم وتصبح المهمة التنفيذية موكولة لهيئات عديدة عليها ان تقتنص الفرص المتاحة وتزيد قدرتها علي اكتساب أساليب جديدة في العمل والانتاج والتطور وكسب الأسواق وتنمية المهارات وأساليب العمل بالقدرة التي تتطلبها المتغيرات في عالم الاقتصاد والسياسة‏.‏
‏..................................................................‏
أما عن زيارة أثينا فقد كان للساعات القليلة التي قضاها الرئيس في اليونان فعل السحر علي اليونانيين‏..‏ رئيس الحكومة‏,‏ جورج باباندريو الذي لم يكن موجودا في اليونان‏,‏ حيث كان في زيارة للبنان وكان مقررا أن يتجه إلي لشبونة‏,‏ ألغي زيارته وعاد إلي أثينا ليلتقي مع الرئيس مبارك‏,‏ كما التقي الرئيس برئيس الجمهورية كارلوس بابوليس وقد اعتبر اليونانيون زيارة الرئيس رسالة مهمة بين مصر ودول الشرق الأوسط التي ستكون معهم في أزمتهم الاقتصادية والمالية العميقة‏,‏ باعتبار أن اليونان من أكثر الدول تضررا بالأزمة لأنها تحتاج لتعاون عالمي لاجتياز أزمتها‏.‏
زيارة مبارك اليوم جاءت تأكيدا علي عمق الروابط التاريخية التي تربط الحضارتين المصرية واليونانية والتي انتقلت معهما إلي العصر الحديث‏.‏
نعمل معا ونتعاون من أجل بناء إقليم قوي من المتوسط بين شماله وجنوبه‏.‏ وأعادت الزيارة تأكيد روح الاتفاقيات والتعاون للعمل المشترك التي وقعتها مصر واليونان منذ عامين حيث إننا أقوياء بالتعاون معا في مواجهة الأزمة‏,‏ فالعلاقات القوية لا تبني فقط أوقات الرخاء والاستقرار‏,‏ ولكنها تتدعم خاصة في الأزمات وتقوي وتتدعم وتزيد مناعة البلدين في المواجهة وتحدي المتغيرات‏.‏
زيارة مبارك لليونان أعطت للدبلوماسية الرئاسية والعالمية بعدا جديدا يتسم بأن القيم العليا والمباديء قد تعلو كثيرا علي المصالح‏,‏ وأنها أداة لبناء علاقات ومصالح من نوع جديد وتعاون قوي ومستمر‏,‏ فالرؤية السياسية بعيدة المدي تتخطي ببعد نظرها الأزمات وتعلو عليها تلك الدبلوماسية فتعكس قمة النضج والحكمة التي يتمتع بها رئيسنا مبارك في عالم اليوم‏,‏ فقد راعت التوازنات والتشابكات بين علاقات مصر القوية لكل من اليونان وتركيا ودورنا في حل الأزمة القبرصية‏.‏
تلك الدبلوماسية والسياسة القائمة علي أسس راسخة وعمل مستمر ودائم من أجل نسج علاقات قوية مع كل الأطراف والدول صاحبة المصالح مع مصر ودول الجوار‏,‏ سواء كان جوارا في البر أو في البحر جعلت بيرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا يصفه في المؤتمر الصحفي قائلا‏:‏ إننا أمام أهم الشخصيات التاريخية المعاصرة‏,‏ وأراد الصحفيون الإيطاليون أن يعرفوا أكثر فقال لهم‏:‏ إنني سعيد أن أراه في بلادي في أول نشاط دولي‏,‏ كما أنني أراه ديناميكيا ونشيطا ويتميز بروح الدعابة التي يتصف بها‏,‏ ولقد قال لي مبارك في الاجتماعات إنهم كانوا يقولون إن كل الطرق دائما تؤدي إلي روما‏,‏ وأنا أقول له إن كل طرق الشرق الأوسط تبدأ وتنتهي عند مبارك ومصر‏,‏ فإسهاماته في قضايا الشرق الأوسط والمتوسط والعالم العربي لا غني عنها‏,‏ وتحظي بتقدير عالمي في أوروبا وأمريكا‏.‏
‏..................................................................‏
لقد كان بيرلسكوني‏,‏ وحتي الصحفيون الإيطاليون‏,‏ يريدون أن يعرفوا أكثر عن الأوضاع الداخلية في مصر‏,‏ وقضية فلسطين‏,‏ ودور مصر ورئيسها في المرحلة المقبلة وكان الرئيس كعادته دائما صادقا وأمينا في اجاباته‏,‏ لا يخطئه دائما حسه التاريخي ودوره الوطني لمصر وللمنطقة‏.‏
وحملت إجاباته الصدق والرؤية الدقيقة بالنسبة لفلسطين ومستقبل القضية‏,‏ وحذر من أن استمرار عدم الحل لأطول قضية معاصرة منذ‏60‏ عاما سوف يحسب في انتشار الإرهاب والتطرف في عالمنا‏..‏ إنها رؤية صادقة ودقيقة ليست للحاضر فقط ولكن للمستقبل أيضا‏.‏
وأجاب الرئيس ردا علي تساؤلات بيرلسكوني وصحفي إيطالي عمن سيكون خليفته في مصر ومن يفضل قائلا‏:‏ مصر دولة مؤسسات‏..‏ وصناديق الاقتراع ستكون الحكم والفيصل‏.‏ وعندما استفسر صحفي إيطالي آخر من الرئيس‏:‏ من يفضل لخلافته‏,‏ جاءت إجابته أن الله يعلم ومن يعلمه الله يفضله الرئيس‏..‏ رئيس وقائد يحترم شعبه ومؤسساته ويعرف الأقدار ويحترم حكمتها‏.‏
زيارة الرئيس عبر البحار إلي عاصمتين متوسطتين لم تتجاوز‏48‏ ساعة‏,‏ ولكنها حملت مؤشرات ورؤي للمستقبل والسياسة المصرية والاقتصادية نحو عالمها ومنطقتها‏,‏ كاشفة في الكثير من النقاط عن القدرة المصرية التي تعمل في كل الأوقات‏,‏ وبرغم كل الظروف لتحقيق مصالح مصر وضمان مستقبلها وقدرتها علي مجابهة الأخطار والأزمات وتحديها وتجاوزها‏,‏ وصولا لبناء عالم جديد ومكانة متميزة وقوية لمصر‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات أسامه سرايا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.