أطفالنا ليسوا صغارا كما نظنهم، فلم تعد الألعاب كل همهم، ولم تعد أحلامهم تنحصر فى شراء الحلوى اللذيذة والملابس الجميلة فقط، فقد تفتحت أعينهم على عالم الكبار قبل الأوان، ونضج تفكيرهم فسيطرت على عقولهم البريئة أفكار أخرى لا تمت للطفولة بصلة، وجنحت مشاعرهم تجاه الجنس الآخر بالانشغال والحب والتفكير المستمر، وأصبح من الشائع أن تجد بين طيات الكتب والكراسات خطابات غرامية يتداولها تلاميذ الابتدائى وتحمل عبارات الغزل والتصريح بمشاعر فياضة أو حتى عرض بالزواج!.. فكيف تتعامل الأمهات مع أطفالهن الصغار فى هذه الحالة؟.. رسائل غرامية تقول أم دارين: "صدمت عندما وجدت جوابا غراميا فى حقيبة ابنتى ذات الأعوام الثمانية أعطاه لها زميلها فى الفصل، وبالطبع لم أسكت على هذه المهزلة، وتوجهت إلى المدرسة، واشتكيت هذا الطفل، وحضرت أمه التى قامت بتعنيفه وضربه بشدة أمام زملائه". وفعلت أم حسان الشىء نفسه عندما أخبرها زملاء ابنها -12 سنة- بتبادله لرسائل الحب بينه وبين زميلاته البنات؛ مما جعلها تنقله من المدرسة كلها إلى أخرى غير مشتركة. ولكن أم نور امتصت تلك الصدمات؛ لأنها تدرك طبيعة المرحلة العمرية لأطفالها، مشيرة إلى أنه حتى ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات أخبرتها أنها تحب زميلها فى الفصل! فضلاً عن أختها الكبرى التى أتمت 11 سنة ومرت بنفس المواقف، ولكنها بالحوار الممزوج بالحب والرفق والمصارحة والاحتواء تتكلم مع ابنتيها، وتوضح لهما حدود التعامل والمعنى الحقيقى والسن المناسبة للحب بين الطرفين. انجذاب فطرى وتوضح لمياء شومان -المستشارة التربوية- أن تلك المشاعر المبكرة تتميز بها مرحلة المراهقة، ولكنها بدأت قبل أوانها لدى الصغار منذ مرحلة الطفولة المبكرة التى تمتد من 3 إلى 6 سنوات، والمتوسطة من سن 6 إلى 9 ثم المتأخرة وهى من 9 إلى 12 ومن بعدها تبدأ فترة المراهقة. وتضيف شومان: "لأن مرحلة الطفولة تتميز بالتقليد وحب الاستطلاع والفضول والرغبة فى اكتشاف كل طرف للآخر، فإن وجود الصغار المستمر أمام التليفزيون والإنترنت جعلهم عرضة لمشاهد الحب بين الجنسين، سواء بشكل عاطفى أو مادى، حتى فى أفلام الكرتون وألعاب الإنترنت؛ مما أدى إلى تشربهم لتلك الأفكار وسيطرتها على عقولهم ومشاعرهم مبكرا". وتتابع: "لذا يجب أن تدرك الأم هذا الأمر وتنتبه له مبكرا، فهذه المشاعر وهذا الانجذاب أمر طبيعى وفطرى بين الأطفال، ولكن ليس بشكله المادى الذى يظهر بينهم الآن، فعليها أن تتابع أطفالها باستمرار، ولا تجعلهم فريسة للمشاهد الغرامية واللاأخلاقية التى تكتظ بها قنوات الأفلام، التى انعكست على تصرفاتهم بالسلب مثل معاكساتهم للبنات زميلاتهم وكذلك المدرسات وتعليقاتهم عليهن". وتشير شومان إلى أن الأم التى تترك أطفالها أمام تلك المشاهد ليلا ونهارا دون توجيه أو توعية، ولا تحاول أن تجد البديل النافع لهم، لا يحق لها أن تصدم إذا وجدت ابنها أو بنتها يحاولون أن يقلدوها ويعيشون تلك المشاعر مع زملائهم الموجودون معهم وقتا طويلا فى أثناء العام الدراسى. النمو الطبيعي وتوضح شومان أن الأطفال بانغماسهم فى تلك المشاعر يكونون قد تخطوا مراحل النمو الوجدانى والعاطفى والتطور الطبيعى لمشاعرهم التى تناسب مرحلتهم العمرية فى فترة الطفولة، وهى الانجذاب الفطرى بين الجنسين، ولكن التصريح بها بهذا الشكل المادى والانغماس فيها لا يظهر إلا فى مرحلة المراهقة التى تتسم ببداية تحريك الغرائز الجنسية الذى يتزامن مع النمو الجسدى والتغيرات الفسيولوجية الطبيعية، ومن ثَم فقد تدخلت البيئة المحيطة بالصغار فى تغيير فطرتهم وتعجل نمو مشاعرهم ورغباتهم الجسدية قبل الأوان. وتقول: "تبين بالفعل أن الصغار الذين عاشوا حياتهم الفطرية الطبيعية بعيدا عن تلك المؤثرات الخارجية السلبية كالتليفزيون والإنترنت، ظلت مشاعرهم على براءتها ولم تتحرك مشاعرهم مبكرا كأقرانهم ممن تأثروا بتلك المؤثرات"، مؤكدة أن تخطى الصغار لمراحل نموهم يؤثر بشكل كبير على أهداف أخرى أكثر أولوية وأهمية فى سنوات عمرهم الأولى، وعلى رأسها منظومة القيم والأخلاق، والتكوين التربوى السليم للشخصية، والتحصيل الدراسى، مثل الفواكه والخضراوات التى تزرع فى غير أوانها، فلا يكون لها طعم ولا رائحة مثل الطبيعية. المراهق الصغير وتقدم "شومان" 8 نصائح للأم التى تعيش هذه المشكلة مع أطفالها فتقول: - قبل أن تقولى لأطفالك هذا حرام، عليك أن تجتهدى فى توفير بديل نافع ومفيد، وألا ترضخى لمطالب الصغار المستمرة بمشاهدة التليفزيون أو الإنترنت، ولا تعتبريه وسيلة سحرية تخلصك من مشاغباتهم، فتتركيهم أمامه بالساعات دون أن تدركى خطورة ما يتعرضون له. - أشغلى وقت فراغ الصغار بما يستنفد طاقاتهم فى هذه السن، ويحرك عقلهم وذهنهم وأجسامهم، كالرياضة والقراءة والأعمال التطوعية والكشافة والجوالة، وقبل ذلك كله حفظ القرآن الكريم والصلاة بالمسجد. - مرحلة الطفولة هى فترة تشرب القيم والأخلاق وتعاليم الدين، فلا تهملى تربية الصغار على المثل والمبادئ الراقية، وحاولى قدر الإمكان الابتعاد عن كل ما من شأنه إفساد أخلاقهم. - غض البصر خلق قويم أمر به الله الرجال والنساء تجنبا للوقوع فى الحرام، فلا تظنى أن الطفل الصغير لا يدرك معنى ما يبصره، فعليك أن تعودى البنت والولد على غض البصر وحفظ العورات والعفة والحياء. - إعادة تقوية الوازع الدينى وتربية الضمير والمراقبة وحب الله قبل الخوف منه، ومن يحب الله عليه أن يطيعه ولا يعصاه؛ لأنه يريد جنته وثوابه، ويتجنب سخطه وعقابه. - تحدثى مع أطفالك على أنهم كبار ولا تعتمدى طيلة الوقت على الأوامر المباشرة، ولكن نوعى أسلوبك بين النصح والتوجيه، ولفت الانتباه وضرب الأمثلة، وحكى القصص، وسرد المواقف والنماذج الواقعية، فإن أسس التربية الصحيحة هى التطبيق العملى السليم للمعلومات النظرية النى نعرفها. - افتحى مع أبنائك مجالاً للحوار الصريح والواضح، واقبلى منهم كل كلامهم عن الطرف الآخر، واسمعى منهم كل ما يجول فى عقولهم، وما يختلج فى صدورهم، حتى تكونى أقرب صديق لهم، وبعد ذلك توضحى لهم برفق ولين المعنى الحقيقى للحب، وحدود العلاقة التى يرضاها الله عز وجل بين الولد والبنت، والتى لا تكون إلا فى إطارها الشرعى والمجتمعى السليم بعدما يصلا إلى سن الزواج. - ويجب أن تهتم الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام بالتوعية والتوجيه المستمر، ويجب تعديل المناهج التربوية لتتناول طبيعة كل مرحلة عمرية، ومناقشة ومعالجة ما يظهر بها من مشكلات.