لا يمكن لمنصف أن ينكر دوركم فى نجاح الثورة منذ قيامها وحتى الآن، وتحملكم العبء الأكبر فى كل الفعاليات والاستحقاقات التى حدثت فى مصر منذ أكثر من سنتين، ولا يمكن إغفال حجم الضغوط الرهيبة التى تتعرضون لها آناء الليل وأطراف النهار ولا السخافات والاستفزازات التى تعترضكم كل حين. كل هذه الحقائق وغيرها لا ينكرها إلا جاحد أو مزايد ذو هوى ومرض، ويقر بها كل منصف لا يبغى إلا وجه الله ثم مصلحة بلده ووطنه، ومع تتابع الأحداث وسخونتها يحاول البعض شحنكم إما لتيئيسكم أو لتأليبكم ضد قيادتكم تحت دعاوى زائفة كثيرة، وعلى الرغم من ثقتى الكاملة بفهمكم ونضجكم ووعيكم بكل ما يحاك إلا أننى آثرت أن أذكركم ببعض الثوابت التى تربينا عليها فى ظلال دعوتنا المباركة "دعوة الإخوان المسلمين". إن لكم مكانة كبيرة ودورا عظيما فى دعوة الإخوان منذ نشأتها وحتى الآن، ويكفى أن خصكم الإمام الشهيد حسن البنا برسالة لكم وباسمكم "إلى الشباب" جاء فيها: "ومن هنا كان الشباب قديما وحديثا فى كل أمة عماد نهضتها، وفى كل نهضة سر قوتها، وفى كل فكرة حامل رايتها". فهذه هى مكانتكم، وهذا هو دوركم، وتلك هى النتائج المطلوبة منكم، فكونوا لها، وكونوا دائما على أهبة الاستعداد لتحقيق الأهداف الكبرى المطلوبة منكم غير عابئين بما يعترضكم من سفاسف الأمور وجهال الأشخاص وتمثلوا قول الشاعر: قد رَشَّحُوك لأمر لو فَطِنْتَ له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل ولقد قدم لنا الإمام الشهيد المؤسس -يرحمه الله- نصيحة غالية أحسب أننا أحوج ما نكون إليها الآن لتطبيقها والتحلى بها "ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق فى أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هى منكم ببعيد". فأنتم أصحاب رسالة ربانية وأنتم دعاة إلى الله قبل أن تكونوا ثوارا أو ناشطين أو سياسيين، فالشرع وأحكامه ضابط مهم فى كل حركاتنا وسكناتنا، وتقوى الله والخوف منه أساس تعاملنا مع الناس، فالغاية لا تبرر الوسيلة تحت أى مسمى أو فى أى ظرف. وكونوا على ثقة بنصر الله لدينه ودعوته والعاملين المخلصين له، فما دمنا قد نصرنا الله فى ذوات نفوسنا وواقع حياتنا فسينصرنا بإذنه تعالى: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِى عَزِيزٌ". وكونوا على ثقة بقيادتكم وما يصدر عنها من قرارات، فهى تصدر بالشورى وبعيدة عن أى هوى أو مصلحة خاصة، مبتغية رضا الله ثم مصلحة الوطن والمواطن حتى وإن كانت على حساب مصلحة الجماعة فى وقت من الأوقات. وتواصلوا مع قيادتكم فى كل الأوقات وأمدوها بالرؤى والأفكار فى مختلف المجالات ولا تتحرجوا فى أن تقولوا رأيكم بكل وضوح وصراحة وبلا أى تردد أو وجل، متحلين بآداب إبداء الرأى والخلاف وإعمالًا بمبدأ "فقه التواصى" الذى ذكرته سورة العصر {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} فلا يوجد أحد أقل من أن يوصِى ولا أحد أكبر من أن يوصَى. واحذروا من يريد أن يوقع بينكم وبين إخوانكم من الشباب من مختلف التيارات والاتجاهات أو من دوائركم المختلفة، فالحاقدون يريدون أن تشيع روح الشقاق والخلاف فى المجتمع وتتفتت وتتمزق أوصاله، وإحداث حالة من الانقسام والاستقطاب الحاد بين مختلف الفصائل، فالمستهدف هو الوطن كله وليس شباب فصيل دون آخر. لذلك نجد أن الإمام الشهيد حسن البنا قد أوضح حقيقة وطبيعة علاقتنا بقومنا على اختلاف اتجاهاتهم واعتقاداتهم فى رسالة دعوتنا حين قال تحت عنوان (عاطفة): "ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التى استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس فى سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم فى يوم من الأيام. واحذروا من يريد استدراجكم لمعارك جانبية تشتت جهودكم وتهز ثقتكم بأنفسكم وتشوه صورتكم وتفرق شمل الأمة، فكونوا يدا واحدة متكاتفين متماسكين متوحدين خلف قيادتكم ومناهجكم وأهدافكم العليا. وأعطوا القدوة الصالحة من أنفسكم فى العلم والعمل والإنتاج وترك الجدل والمراء الذى لا يأتى بخير، وأحسنوا صلتكم بربكم تفتح لكم مغاليق القلوب وتذلل لكم العقبات وتنالوا خيرى الدنيا والآخرة. وأحسنوا التعبير عن رأيكم بالحكمة والموعظة الحسنة وبحسن الخلق، ولا تنسوا للحظة من اللحظات أنكم دعاة إلى الله فى كل أفعالكم وأقوالكم وسركم وعلانيتكم، وأشعروا إخوانكم من مختلف التيارات بحبكم لهم وحرصكم عليهم، وبأن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، وليكن الاختلاف بينكم هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وليكن رائدكم قول الشاعر قديما: إذا القوم قالوا: من فتى؟ خِلْتُ أنَّنى *** عُنيتُ فلم أَجْبُن ولم أتبلَّدِ فأنتم وإخوانكم من الشباب من مختلف التيارات مستقبل مصر وأملها فكونوا على قدر المسئولية واحملوها بأمانة وابنوا مصر ومجدها وتسابقوا فى حبها ونهضتها، بعلمكم وعملكم وجهدكم وعرقكم، وأفرغوا وسعكم فى البناء والعمل والإنتاج أكثر من التنظير والتأطير والسعى وراء الخلافات الفكرية العقيمة التى لا تبنى أمة ولا تقيم دعائم نهضة حقيقية"، حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها وشبابها من كل مكروه وسوء.