القرآن الكريم هو الكتاب الخالد لهذه الأمة، ودستورها الشامل، وحاديها الهادى، وقائدها الأمين، كما أنه الكتاب الخالد للدعوة الإسلامية، ودليلها فى الحركة فى كل حين، وله أهمية كبيرة فى حياة الفرد، وفى حياة الأسرة، وفى حياة المجتمع، وفى حياة الأمة؛ فهو يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، ويشرع من التشريعات ما يحفظ كيان الأسرة؛ تظللها السكينة وتحفها المودة وتغشاها الرحمة، كما يعالج بناء المجتمع الإنسانى الذى يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام الطاقات الكامنة فى المجتمع، وينشد الأمة القوية المتماسكة الشاهدة على العالمين. فى القرآن الكريم نجد المناهج الثابتة، والسنن الجارية، والقيم السامية، والمثل العالية، والموازين العادلة، والقواعد الراسخة، والأفكار السامقة، والتصورات الراشدة، وغير ذلك مما جعل القرآن الكريم كتابا خالدا شاملا محكما يخاطب الإنسان والزمان والمكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن أهم ما نقرؤه فى القرآن الكريم ما أسميه بالكليات القرآنية، وهى تلك التى تعتبر قواعد ومقررات حاكمة لحركة الحياة والكون والأحياء والأشياء والأحداث والأشخاص، والقرآن ملىء بهذه الكليات التى يجب أن تكون حاكمة للتفكير والتفاعل مع الأحداث وتصورها والحكم عليها، والنظر فى عواقبها وما ستتمخض عنه، فإن الكليات القرآنية حاكمة وضابطة لهذا كله. ومن هذه الكليات: {إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}، {إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ}، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}، {وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ}، {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}. هناك عشرات بل مئات من الكليات القرآنية -وكذلك الكليات النبوية- وهذا كله يحتاج لاستقصاء وتصنيف وتفصيل، وهو موضوع يستحق الدراسة لما له من فوائد جمة على أصعدة مختلفة. ومن فوائده فى واقعنا المعاصر أنه يفتح باب الأمل أمام الإنسان –بما أن القرآن كتاب الإنسانية– ويشحذ همته، ويصحح تصوره، ويجعله ينظر إلى الأشخاص والأحداث والأشياء بالمنظور الإيمانى، والمنطق القرآنى، فلا يصاب باليأس ولا الإحباط من تقلب الفاسدين والمفسدين، ومكر الماكرين، وظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، وسحر الساحرين؛ لأن الله قال: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ...}. وحينما يرى المسلم الباطل منتفشا، والإجرام منتشرا، فإنه لا يجزع، ولا يتململ، ولا ييأس؛ لأنه يعلم أن أساس الباطل فوق الأرض، فينتفش ويهيج لكنه سرعان ما ينفجر أو يكون هباء؛ لأنه لا يستند إلى ركن ركين وقرار مكين، أما الحق فهو ثابت لا يتغير، أصله فى أعماق الأرض، وفرعه فى سدرة المنتهى، لا يتحول ولا يتغير، ولا يزول ولا يحول؛ لأن الله قال: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}. هذه الكليات تجعل المسلم ثابتا راسخا يرى بنور القرآن والسنة، فلا يجزع حين يجزع الناس، ولا يمل حين يمل الناس، ولا يقلق حين يقلق الناس، وإنما هو الثبات والرسوخ والرؤية الثاقبة، والاستناد إلى الكليات الربانية والسنن الإلهية التى تحكم الكون والحياة، وتضبط حركة الإنسان، وعلى أساسها وفى ضوئها ينظر الإنسان للأشخاص والأحداث والأشياء.