إن شر ما يُبتلي به الإنسان , أن يجمع بين الجهالة والعماية , الجهالة بسنن الله الغالبة , والعماية عن التاريخ وما حفل به من نهايات سعيدة مشرقة لأصحاب الحق والمصلحين , ومن عواقب شقيّة مُظلمة لأصحاب الباطل والمفسدين .! • فمن سنن الله ( عز وجل ) : أن سنن الحق تحصد الباطل مهما علا زبده وانتفش .. " أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ " ]الرعد, الآية:17[ . • ومن سنن الله ( عز وجل ) : أن الله لا يصلح عمل المفسدين .. " فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) ] يونس, الآية:81-82[ . • وإن المتأمل في التاريخ ( قديمه وحديثه ) يري كم حفل بتخليد ذكري الصالحين المصلحين , وجعلهم أئمة الهدي لأولي الألباب والمبصرين , وكم حفل بمصارع الطغاة الظالمين , وجعلهم عبرة , لكل طواغيت الأرض والمفسدين . !! فأين إبليس من آدم ( عليه السلام ) ؟, وأين فرعون من موسي ( عليه السلام ) ؟, وأين أبو جهل من النبي محمد ( صلي الله عليه وسلم ) وأين وأين المفسدون من المصلحين في حصاد الأمم القائمة والذاهبة ..؟!! • فالعاقل من أبصر سنن الحق واقتدي بسير المصلحين , وأخضع هواه لأوامر الدين , ووقف مواقف الصدق ,ونصر الحق وأهله, فيشهد له التاريخ ويكون من بعد ذلك ذكري طيبة خالدة في الآخرين . والأحمق من جهل سنن الحق وسار في ركب المفسدين , واتخذ إلهه هواه , وساند الباطل وحزبه , فيشهد عليه التاريخ وتكون نهايته كنهاية الطغاة الظالمين , ويصبح عبرة الزمان إلي يوم الدين .! ويؤسفني أن من تسموا بالنخبة وبعض قادة الأحزاب عندنا في جهالة بسنن الحق , وفي عماية عن دور التاريخ وما يسجله للرجال من مواقف .. فلا هم فطنوا لسنن الحق - التي يقذف الله بها علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق - فجردوا عقولهم من الهوي , وحرروا نفوسهم من الباطل .. ولا هم أبصروا أن مواقفهم اليوم تُسجل وتصبح تاريخا يشهد لهم أوعليهم . إن ما يحدث اليوم من إثارة الفوضى , وتحريض علي العنف , ونشر القلاقل والهمجية في ربوع البلاد , ليس اعتراضا علي الإعلان الدستوري , ولا الدستور , ولكنّه – في حقيقته – انقلاب علي كل مكتسبات الثورة والشرعية , تحركه المآرب والمصالح الشخصية , ليسطوا علي الحكم بطريقة غبية , مستعينين بكل أعداء الثورة ومن يتآمر عليها من جهات خارجية , ولو كانوا صادقي النية وعندهم شيء من الوطنية – المقصود هنا المعترضون المثيرون للشغب دون المعترضين المحترمين بطريقة سلمية - لأحسوا بنبض الأمة ووعيها , وساندوا الرئيس المنتخب , وأعطوه الفرصة , وما زحفوا علي الاتحادية , وتركوه - بعد النصح - يتحمل بقراراته المسؤولية , وحاسبوه في نهاية مدته الشرعية , إما أقاموه بإرادة الشعب لفترة ثانية , أو أسقطوه بإرادة الشعب بالاقتراع في الصناديق الانتخابية . والله إن المرء ليعجب , من أناس وقفت مع الحق يوما لتُقيمه وتنصره , فكيف تقف اليوم ضده لتهدمه وتهزمه.! إنني أهيب بنفسي وبمن وقف مع الحق يوما لينصره , ألّا ينجرف به الهوى ويقف مع الباطل يوما ليقيمه .! وما أعظم التاريخ حين لا ينسي للرجال مواقفهم , ولا للشرفاء منازلهم , ويجعل ذكراهم – دائما وأبدا – ملء الأرض وملء السماء .! انظر , كيف احتفي التاريخ ببلال وخلّد ذكراه , وهو حبشيّ , ورمي بأبي جهل في سلة المهملات وهو قرشيّ , بل رمي بأبي لهب وهو عمّ النبيّ ( صلي الله عليه وسلم ).! أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]