دخلت أزمة تشكيل الحكومة فى تونس مرحلة حاسمة، بعدما اعترف حمادى الجبالى، رئيس الحكومة، بأن مساعيه لتشكيل حكومة من خارج الأحزاب السياسية باءت بالفشل، لكنه أكد استئناف المحادثات من أجل التوصل إلى حكومة تنال دعم غالبية الأحزاب السياسية؛ وذلك خلال لقائه رئيس الدولة المنصف المرزوقى، لإطلاعه على آخر المستجدات. وشهد الشارع التونسى حالة من الانقسام جراء الطرح الذى قدمه الجبالى حول الحكومة، ففى حين يرى البعض أنها خطوة للخروج من الأزمة بعد اغتيال المعارض اليسارى شكرى بلعيد، يرى آخرون أنها انقلاب مدنى على الشرعية، خاصة أن الحكومة الحالية التى يقودها -حزب النهضة الإسلامى- جاءت بطريقة ديمقراطية وأنها اختيار شعب، وخرجت المسيرات لدعم هذه الشرعية ودعم حزب النهضة، متهمين من يطالب بإسقاط الحكومة بالمتاجرة بدم بلعيد الذى أكدت الحركة الإسلامية أنها لا صلة لها بالاغتيال، مؤكدة نبذها الدائم للعنف والتطرف. وبخصوص أزمة الحكومة الأخيرة، بدت المواقف بين "حزب النهضة" وأحزاب المعارضة أكثر مرونة من السابق، إذ أكد الجميع استعدادهم لتقديم بعض التنازلات فى سبيل التوصل إلى حل وسط يجمع بين حكومة التكنوقراط التى اقترحها الجبالى ودعمتها المعارضة وبين الحكومة الائتلافية التى تطالب بها "النهضة"، بينما تتمسك "الجبهة الشعبية" (تحالف اليسار والقوميين) بموقفها الداعى إلى استقالة الحكومة وعقد "مؤتمر إنقاذ وطنى" تنبثق منه حكومة تدير شؤون البلاد. اختلاف رؤى وحول موقف النهضة الأخير من اقتراح الجبالى، قال عضو مجلس شورى الحركة، سامى الطريقى، إن النهضة متمسكة بتشكيل حكومة ائتلافية بين مختلف الأحزاب السياسية، معتبرا أن الفترة التى تعيشها تونس تقتضى حكومة توافق وطنى لاتخاذ الإجراءات الضرورية للخروج بالبلاد من الأزمة، والوزراء التكنوقراط ليس بوسعهم اتخاذ الإجراءات التى تقتضيها المرحلة. وفى المقابل، تمسك الحزب "الجمهورى" وحزب "المسار الديمقراطى" بمبادرة الجبالى التى اعتبراها "الحل الأمثل للخروج من الأزمة"، لكن فى ظل رفض "النهضة" صاحبة الغالبية النيابية ستضطر المعارضة إلى القبول بحكومة سياسية مع تحييد وزارات السيادة ومنحها لمستقلين عن الأحزاب. ويبدو أن التوجه الذى اتخذته المفاوضات هو التشاور لتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون فيها وزارات السيادة محايدة، وهو ما لمح إليه الطريقى، الذى قال إن حركته "منفتحة" على كل الاحتمالات، وليست لديها خطوط حمراء تضعها أمام المفاوضات، وهو ما أكده رئيس الحركة راشد الغنوشى، عندما أكد أن حزبه مستعد للتفاوض بشأن جميع الحقائب الوزارية فى الحكومة الائتلافية، بما فيها وزارات السيادة، وهى الدفاع، والعدل، والخارجية، والداخلية. وأضاف الغنوشى بعد انتهاء الجولة الثانية من المشاورات "وصلنا إلى حل تعديلى فى 12 نقطة، أهمها أن تكون (الحكومة المقبلة) حكومة محدودة العدد وتتجه إلى انتخابات فى أقرب وقت ممكن". ومما عمق هذه الأزمة الظروف والتحديات التى تمر بها تونس -شرارة الربيع العربى- ومنها الوضع الاقتصادى وتعثر كتابة الدستور، الذى شهد اختلافا مؤخرا حول نظام الحكم رئاسيا أم برلمانيا، بالإضافة إلى الأحداث الدامية التى وقعت مؤخرا من قبل بعض المتطرفين؛ وهو ما يجعل ثورة الياسمين على المحك