تقوم المعارضة بدور مهم فى النظام الديمقراطى فهى تقدم الأفكار والمشروعات البديلة، وتسهم فى إلزام الحكومة بحسن إدارة موارد الدولة، واتخاذ القرارات الصحيحة، وهى عندما تنقد الحكومة وتراقب أداءها توفر لها إمكانات جديدة، وتفتح أمامها آفاقا واسعة لتحقيق أهداف الدولة. والمعارضة يقوم بها حزب أو مجموعة أحزاب تقدم نفسها للشعب كبديل يمكن أن يصل إلى الحكم لينفذ رؤيته ومشروعه؛ لذلك فإن المعارضة تكون حريصة على الدولة تماما كحرص الحكومة أو أشد، وهى تحافظ دائما على أسس النظام، وآليات الديمقراطية وتحترم الإرادة الشعبية، وتعمل على إقناع الشعب بأنها تمتلك المشروع الأصلح، وأنها أكثر قدرة على تحقيق الأهداف، وتلبية احتياجات الجماهير ومطالبها. هذه هى الديمقراطية التى عرفتها الدول الغربية، واستخدمتها لتحقيق التقدم، وتوفير حلول متنوعة لمشكلات المجتمع. لكن الدول العربية كلها لم تعرف الديمقراطية منذ أن فرضت دول الغرب سيطرتها على هذه الدول، حيث عملت الدول الغربية على منع أى دولة من تحقيق الديمقراطية، وساعدت الحكام المستبدين ليقهروا شعوبهم، ولينهبوا ثروات الشعوب ويكدسوها فى بنوك أمريكا وأوروبا. ولو درسنا حالة مصر سنجد أنها لم تعرف المعارضة كما تعرفها الدول الغربية، وقد أطلق الشعب المصرى مصطلح المعارضة "المستأنسة" لوصف الأحزاب المعارضة فى عهدى السادات ومبارك. وبعد نجاح ثورة 25 يناير تزايدت آمال شعب مصر فى بناء نموذج ديمقراطى متميز يشع بأضوائه على دول العرب فيشكل مستقبلا جديدا للأمة. وبالفعل حقق شعب مصر إنجازات حضارية حقيقية على طريق بناء النموذج الديمقراطى المصرى؛ أهمها انتخاب برلمان مكون من مجلسى الشعب والشورى وفى انتخابات شهد الجميع بنزاهتها، وكان الإقبال الجماهيرى فى هذه الانتخابات يوضح أن إرادة شعب مصر قد تجسدت فى تلك الانتخابات. ومع ذلك تم حل مجلس الشعب بعد أن تعرض لعملية تشويه استخدمت فيها الافتراءات والأكاذيب التى تم ترويجها بشكل واسع عبر وسائل الإعلام كتمهيد لإصدار المحكمة الدستورية حكمها المعروف سلفا، الذى كان الفلول من اليوم التالى لانتخابات المجلس يؤكدون أن المحكمة ستصدر حكمها بحله. لكن الإنجاز الثانى المهم هو انتخاب أول رئيس لمصر يأتى إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات وكنتيجة لتطبيق آليات الديمقراطية وكتعبير عن الإرادة الشعبية. ومع ذلك تعرض الرئيس الشرعى المنتخب لعملية تشويه وهجوم باستخدام وسائل الإعلام التى يسيطر عليها رجال أعمال نهبوا أموال شعب مصر، ويقومون بإنفاقها على هذه الوسائل بهدف إسقاط النظام، وحتى لا يقوم النظام الجديد بكشف فسادهم ومحاسبتهم على جرائمهم. وكان الإنجاز الحضارى الثالث لشعب مصر هو الدستور، وهو أول دستور يمنحه المصريون لأنفسهم، وإذا قارناه بكل الدساتير التى عرفتها مصر من قبل فإنه يشكل تطورا مهما فى حياة مصر. مع ذلك؛ فإن هذا الدستور يتعرض لعملية تشويه لا تقوم على نقد مواد الدستور، ولكن تقوم على الترويج لأوصاف واتهامات تشكل إهانة لشعب مصر الذى اختار هذا الدستور فى استفتاء يشهد الجميع بأنه يعبر عن إرادة المصريين. ولكى يكتمل النموذج الديمقراطى فإنه لا بد من وجود معارضة حقيقية، وقد تشكلت فى مصر مجموعة من الأحزاب تفوق فى عددها الأحزاب الموجودة فى القارة الأوروبية كلها. وقد تجمعت مجموعة من هذه الأحزاب فى ائتلاف أطلق على نفسه "جبهة الإنقاذ"، لكن تحليل خطاب هذه الجبهة وبياناتها وتصريحات قادتها توضح أنها لا تريد أن تقوم بدور المعارضة، ولا تستطيع أن تقدم بدائل، كما أنها لا تحترم إرادة شعب مصر، ولا تريد الديمقراطية. إن القيام بدور المعارضة يلزم هذه الجبهة بأن تدخل المنافسة فى الانتخابات البرلمانية، وأن تقدم مشروعا بديلا، وأفكارا جديدة يمكن أن تحقق أهداف الدولة. ولكن هذه الجبهة لم تقدم أى فكرة جديدة من أجل مصر، وكل ما تقدمه هو العداء للمشروع الإسلامى. ولأن هذه الجبهة لا تريد الديمقراطية فقد وفرت الغطاء السياسى للعنف، ودعت إلى حشد أنصارها وتوجيههم للهجوم بشكل مستمر ومستفز على قصر الشعب "الاتحادية"، والمطالبة بإسقاط الرئيس باستخدام العنف، وإلغاء الدستور. وتفاخر أحد أعضاء هذه الجبهة بأنهم قد سحقوا الإسلاميين أمام قصر الاتحادية، وقتلوا 10 منهم، بينما هددت سيدة تنتمى إلى هذه الجبهة بإشعال الحرب الأهلية فى حالة نزول الإسلاميين لحماية الرئيس والشرعية. وفى الوقت نفسه، كانت قنوات الفلول التى يتم تمويلها من أموال المصريين المنهوبة بتمجيد الجريمة والتحريض على العنف، ووصف البلطجية الذين يستخدمون المولوتوف ويحرقون المساجد وينزعون بوابة قصر الاتحادية بأنهم ثوار، وأن ما يقومون به ثورة جديدة. هكذا تحالفت جبهة الإنقاذ المعروفة شعبيا بجبهة الخراب مع الفلول الذين استخدموا قنوات التليفزيون للتحريض على العنف، واستخدموا الأموال لتمويل البلطجية بهدف إسقاط الدولة وإشعال الحرب الأهلية. ولذلك؛ فإن هذه الجبهة وكل الأحزاب التى شاركت فيها لا تصلح للقيام بدور المعارضة؛ لأنها لا تحترم الدستور والقانون ولا تحترم إرادة شعب مصر، ولا تريد الديمقراطية، واتبعت أسلوب العنف والبلطجة ورفض الحوار، كما أنها تحالفت مع الفلول لإسقاط الدولة. ومصر تحتاج إلى معارضة شريفة تحترم آليات الديمقراطية ونتائجها، وتلتزم بالحفاظ على الدولة وتتنافس فى انتخابات نزيهة بتقديم مشروعات وأفكار جديدة.