ككل ممارسة بشرية يخطئ الجميع ويصيب، سواء الحاكم أو المعارض.. وإذا كانت المعارضة المصرية تقدم أسوأ نماذج المعارضة، وهى التى تضغط بأوراق انهيار الوطن من أجل إخضاع "الرئاسة" لمطالبها، وتستغل مناخ عدم نضج الديمقراطية التى تؤسس خطوطا حمراء على الحكم والمعارضة، وتجعل مصالح الوطن مقدسة، وتحرم على الجميع انتهاكها مهما كانت مصالحهم السياسية. هذه هى المعارضة وفى القلب منها "جبهة الإنقاذ". أما "شباب الثورة" فلهم أخطاء سياسية ينبغى المصارحة بها وتداركها ليعودوا إلى دورهم الفعال: أول الأخطاء: وهْم "القداسة": ووهم القداسة نهر كبير له روافد ومنابع عديدة، وأول روافده نبع من (حقيقة) شاهدها الجميع وهى مساهمتهم فى إسقاط الطاغية، ثم طهارتهم من المشاركة بأى شكل فى ممارسات سياسية مع النظام البائد، وهذه هى المنابع الطاهرة… تأتى بعد ذلك روافد تفسد أو تُلَطِّخ هذا الطهر… وأهمها ذلك النفاق الإعلامى والسياسى للقيادات الشابة الثائرة، والذى يتسبب فى تضخم الذات، ويعطى مشروعية للشباب للتحدث باسم الشعب، فإذا قالوا "الشعب يريد" فعلى الجميع أن يصدق أنه فعلا "يريد"، وإذا قالوا تسقط الحكومة" فإن عدم سقوطها يعنى استبداد السلطة!... وبالتالى ينبغى التصادم معها دون النظر إلى السياق القانونى والدستورى، فهم أعلى من القانون والدستور، وإذا وضعوا القانون والدستور فى المعادلة -كما يقولون- ما كانت الثورة قد قامت … وهكذا تخلط الأمور!!... وهكذا يقعون فى وهم يرونه وحدهم، ولا يقر به أحد من الشعب الذين ما زالوا يتوهمون أنه يقدسهم. ثانى الأخطاء: وهْم "الترفُّع" أى الترفع عن المشاركة فى العملية السياسية، بمعنى أنهم ليسوا حكومة ولا معارضة وبالتالى فهم أعلى من الاثنين، وهم بالتالى الأصدق والأوثق، فهم الزهاد الذين لم يسعوا إلى الغنيمة التى سعى إليها الجميع… وهذا وهم؛ لأن الشباب شاركوا منذ سقوط "مبارك" فى صياغة العملية السياسية، منهم من أيد قرارا ومنهم من عارضه، وتبادلوا المواقع فى قرارات تالية… كما أن منهم من شارك فى "مجلس الشعب" وأصبح نائبا، ومنهم من شارك فى العمل التنفيذى والحزبى، ومنهم من اختار منبر الإعلام للقيام بدور سياسى، ومنهم من كان مستشارا للرئاسة… وبالتالى فلم يعودوا طرفا ثالثا مترفعا، وهم مشاركون فى بناء المشهد، ويتوجب عليهم أن يستفيقوا من لذة التنعم "بوهم الترفع"، وألا يقفوا فى المنتصف ما يبين "مصر الثورية" و"مصر الدستورية"، فلقد دخلت مصر فعلا مرحلة "بناء الدولة"، وعلى الثوار أن يستجمعوا إرادة اليقظة من حلم الثورة الجميل فلقد انتهى بنجاح باهر، وينبغى الالتفات إلى ما بعده، وهم ما زالوا -فى مجموعهم- يمثلون ثمرة حلوة فى المذاق الشعبى، ويستطيعون أن يقوموا بدور "الجسر" بين الحاكم ومعارضته، وبينه وبين الشعب، ويستطيعون أن يفرضوا قوانين الصدق والشرف على الإعلام المنفلت، فقط، يواجهون الموقف ولا يهربون إلى التظاهر، فالمعارضة لذيذة وسهلة المأخذ، والكلام النضالى كثيف المفردات، ساهمنا جميعا فى إنتاج قاموسه على مدار 60 عاما، لكن "لحظة الحقيقة" والإفاقة ستكون عبورا حقيقيا، وثورة حقيقية ثانية، تضبط المائل وتقوم الأعوج وتستكمل الطريق. ثالث الأخطاء: وهْم النقاء: أيام الثورة لم تكن ككل الأيام، فقد كانت أجواؤها ملائكية، وكنا نتنسم هواء قدسيا، وننتهج سلوكا رساليا، وقد أفاض الجميع فى روعة الوحدة والانصهار فى بوتقة الوطن، هذه حقيقة ساطعة نُجمع جميعا عليها. لكن شباب الثورة ارتكبوا مخالفات جسيمة خرجت بالثورة عن نقائها، وبدأت المخالفات فى انتهاج البعض للتصرفات الأحادية فى الصدام مع الشرطة والعسكر فى وقت مبكر وبلا اتفاق بين الجميع، فاختلف الثوار، وبدأ التباين من أحداث "محمد محمود" التى رفض "الإخوان" المشاركة فيها، وهنا بدأت زاوية الاختلاف تنفرج، وبدأ التخوين وبدأت الخصومة، ثم بدأت العداوة. وازدادت الحدة بعد وصول الرئيس" للحكم فتناست مجموعات من الثوار أن الواجب على الجميع أن يتضافر من أجل "مصر"، لكنهم اعتبروا أن مصلحة "مصر" أن تظل ثائرة حتى تجبر "الرئيس" على الانصياع لأوامر الشعب… وطبعا (هم) الشعب !! وهنا جاء الخطأ الفادح، حين وجدت مجموعات ثورية نفسها ضعيفة فى "الميدان" وانصرف "العامة" الذين كانوا يزينون "الثورة" ثم كان المصاب الأكبر بانضمام سدنة النظام البائد والبلطجية إلى هذه "المجموعات الثورية"، ففقدت الثورة أهم معانيها وهو الثورة على الفساد والحكم البائد فتلَطّخ ثوب "النقاء الثورى"، وأصبحت تشوبه شوائب التحالف مع الفساد، ولوّثه إراقة الدم، خاصة حين قبل الشباب أن يقتلوا إخوانهم "الإخوان" على أبواب "الاتحادية" لأنهم أرادوا أن يحموا (شرعية) تخاذل الجميع عن حمايتها، وأسرف المعارضون فى إهانتها، بل قبل الشباب الثائر أن يرتموا فى أحضان الإعلام الكاذب الذى اتهم "الإخوان" بإسالة الدماء رغم أن الدماء المراقة كانت "إخوانية"، وانغمس شباب الثورة بالكامل فى هذه الأكذوبة... وأكاذيب أخرى كثيرة، ورضوا بأن يكونوا لعبة فى يد رجال أعمال النظام البائد… حتى انتهى الأمر بتدنيس "ميدان التحرير" ليصبح مكانا للاغتصاب وليس رمزا للثورة. كان عليهم أن يعارضوا "الرئيس" فليس الرئيس ملاكا ولا ديكتاتورا. كان عليهم أن يقوّموه. لكن كان عليهم أيضا أن يلتفوا حوله ويحاوره ولا يتساقطون فى سياقات سياسية مشبوهة كالتى تقودها "جبهة الإنقاذ...". الآن فقد الشباب "نقاءهم" وتلطخت أيديهم بالدم، وتسببوا فى نشر الرعب فى ربوع مصر، وكفر المواطن بالثورة والثوار، وعادوا بالوطن إلى لحظة "عدم اليقين" التى كسرنا هاجميعا يوم أسقطنا "مبارك". لكن الوقت لم يفت… ويستطيع الشباب أن يلملموا أنفسهم… فلا ثورة بلا أخطاء ويستطيعون أن يتوجهوا مباشرة إلى "الرئيس".... ولا شك أنه سيرحب بقدومهم ويسمع لهم، وينفذ فورا نصائحهم المخلصة … وعليهم أن يذهبوا إلى "الإخوان" ويصارحوهم بأخطائهم التى يرونها، ثم ليذهبوا إلى "المعارضة" ويواجهوهم برأى الشعب فيهم، ثم ليظهروا على الإعلام، ليمثلوا "صوت الثورة" من جديد. نريد أن نراكم كما رأيناكم أيام الثورة… ليبرالى وشيوعى وإخوانى وسلفى ومسلم ومسيحى… مؤيدون ومعارضون… نريد أن نرى (ضمير مصر) قد استيقظ ولملم جراحاته واستعلى عليها ومد الجسور بين الجميع… تستطيعون… فهل تفعلون؟