هذه المرة الثانية التى ألتقى فيها الرئيس الدكتور محمد مرسى فى السعودية مع ممثلى الجالية المصرية المقيمين بالمملكة، الأول كان بالقنصلية المصرية بجدة فى أول زيارة له للخارج بعد انتخابه وتوليه مقاليد الحكم، وكانت سُنة للرئيس استنها فى زياراته للخارج بحرصه على لقاء المصريين فى الدولة التى يزورها مهما كان العدد، ولم تعهد الجاليات المصرية من قبل هذه اللقاءات المفتوحة والمباشرة، لا مع رئيس ولا مع رئيس حكومة أو حتى وزير، بل كانت الوفود الرسمية المصرية تأتى وتغادر ولا يعرف أحد بها، وإذا تم ترتيب أى لقاء مع وفد يُختار له عدد من الأسماء المعروفة بارتباطها بالنظام السابق، وترشح من قبل الجهات الأمنية، واللقاء الثانى بالرئيس كان فى منزل السفير المصرى بالحى الدبلوماسى فى الرياض مساء الاثنين الماضى، ضمن جدول أعمال د. مرسى فى أثناء حضوره القمة العربية الاقتصادية والتنموية التى عقدت بالعاصمة السعودية. 5 أشهر -تقريبا- بين اللقاءين، حدثت أمور كثيرة، وأزمات وقضايا داخلية، ونشاط واسع للرئيس، ومد جسور التواصل بين الجاليات المصرية بالخارج والمسئولين فى وطنهم، بل بمؤسسة الرئاسة مباشرة، بعد تعيين الدكتور أيمن على مستشارا للرئيس لشئون المصريين بالخارج. وإذا كان لقاء الرئيس بقنصلية جدة، مفعما بالفرح والعواطف الجياشة، من أبناء الجالية بأول رئيس مصرى منتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب -لأول مرة فى تاريخ مصر العريق- من جالية منحته 90% من أصواتها، فإن لقاء الرياض كان نفس المشاعر الدافقة بين أبناء أكبر جالية مصرية بالخارج مع الرئيس.. حب وتواصل وعهد وتصميم على المسير قدما فى مواجهة التحديات وبناء "مصر الجديدة" التى نحلم بها جميعا، بل صارت الحلم العربى. فى لقاء "قنصلية جدة" مع الرئيس، الذى حضره أكثر من 300 من رؤساء الروابط والجمعيات المهنية والمناطقية وصندوق رعاية المصريين ورموز الجالية –العدد نفسه الذى حضر "لقاء السفارة"- قدمت الجالية للرئيس 6 ملفات تمحورت حول حقوق المصريين فى الخارج القانونية والدستورية، والمساواة بينهم وإخوتهم فى الوطن، ومشكلات التعليم والجمارك والنص فى الدستور على هذه الحقوق، والمبادرات الاستثمارية فى الداخل، وانتخاب ممثلين عن الجالية بالخارج فى مجلسى النواب والشورى، ومشروعات زراعة القمح وصوامع الغلال، وغيرها من المشروعات، إضافة إلى مشكلات المصريين فى الخارج من الجوازات والرقم القومى، التى حظيت باهتمام الرئيس ووعد بدراستها. وحرص الرئيس مرسى فى لقاء الرياض على تناول القضايا التى طرحت عليه فى لقاء جدة، وما تحقق منها وما هو قيد التنفيذ، الذى يحتاج إلى تشريع، فمن الأمور التى تحققت النص فى الدستور فى مادة مستقلة عن حقوق المصريين بالخارج وحمايتها ورعايتها، وأن هذه مسئولية الدولة، ولذلك وجدنا الرئاسة تتحرك بسرعة وبقوة فى أى قضية خاصة تخص أى مصرى فى الخارج من قضية الصحفية فى جريدة "الوطن" الليبرالية -المعروفة بعدائها الشديد للرئيس-، مع حرص الرئيس على أن تأتى معه بطائرة الرئاسة من الخرطوم، إلى قضية ال16 مصريا الذين رحلوا من الكويت لجمعهم تبرعات واشتراكات لحزب الدستور والتيار الشعبى، فتم استقبالهم فى المطار فى صالة كبار الزوار من مستشار الرئيس لشئون المصريين بالخارج، ومدير أمن مطار القاهرة، ومدير الجوازات، إلى قضية ال12 معتقلا مصريا فى الإمارات، والوفد الذى ترأسه مستشار الرئيس للشئون الخارجية إلى "أبو ظبى"، إلى موضوع بعض المصريين الذين احتجزهم النظام السورى وحاول تلفيق قضايا لهم، وموضوع سفيرة مصر باليونان والمعاملة التى تعرضت لها من قِبل شرطة اليونان فى المطار هناك، وغيرها من القضايا، بل لا توجد أى قضية لمصرى تعرض لظلم أو معاملة غير لائقة فى أى بلد إلا وكان تحرك مؤسسة الرئاسة لرفع هذا الظلم. كذلك مشكلات أبناء المصريين فى الخارج الحاصلين على الثانوية العامة، واختبارات التحصيلى والقياس، وهى من أصعب وأعقد المشكلات التى تواجه الجالية فى السعودية، والتعنت من وزارة التعليم العالى وعدم حلها جذريا، وتعقدت أكثر بعد قرار المجلس الأعلى للجامعات المصرية برفض أى استثناءات هذا العام لأبناء المصريين بالخارج، بخصوص "القدرات" و"التحصيلى"، الأمر الذى استدعى تدخل الرئاسة لحل المشكلة وإلغاء الاختبار التحصيلى، وأن تكون نسبة "اختبار القدرات" 30% من المجموع، وإلغاء أى قرارات اتخذت من أى جامعة مصرية حكومية بزيادة الرسوم على أبناء المصريين بالخارج، وتخفيض الرسوم على استخراج الرقم القومى، وفتح مدارس فى السعودية -لأول مرة- لتدريس المنهج المصرى لأبناء المصريين، وحل قضية معظم المعتقلين المصريين فى السعودية، ولم تبق سوى 24 حالة من 176 معتقلا، وخفض أسعار الأراضى المخصصة للمصريين بالخارج 10% وتمديد فترة البيع وبشروط ميسرة. وقد تناول الرئيس فى لقاء الرياض مع ممثلى الجالية -الذى امتد أكثر من ساعتين- الظروف الاقتصادية التى تعيشها البلاد، وصعوبة المرحلة، وأن هناك ترِكة ثقيلة ورثتها البلاد من العهد البائد من ديون وفساد وظلم وبيروقراطية، وقال: إن أمامنا اتجاهين؛ الأول: قصير وصعب، وهو المتعلق بالمشكلات اليومية، ولا بد من حل هذا الأمر، والثانى طويل ويحتاج إلى صبر وجهد وإرادة، وهو بناء مصر الجديدة. وأضاف أننا لا بد من السير فى الطريقين معا، فلا نهمل أى مشكلة يومية، ولا ننسى مستقبلنا الذى نحلم به جميعا فى دولة ديمقراطية مؤسساتية مدنية حديثة ناهضة، وتعرض الرئيس للمشكلة الاقتصادية وتراكمات الماضى وعملية السحب من الاحتياطى التى قام بها المجلس العسكرى خلال ال18 شهرا التى تولى فيها مقاليد الحكم، والتى كانت بمعدل مليار دولار شهريا من الاحتياطى النقدى، كما تناول مشكلة سعر صرف الجنيه وقيمته الحقيقية أمام العملات الخارجية. وأكد الرئيس حرية التعبير والتظاهر، وأنه حق لكل مواطن ولا يمكن التفريط فيه، واستحالة العودة إلى الماضى، وحذر الرئيس من تهويل الأمور وتضخيمها وتخويف الناس، وطالب بوضع كل أمر فى نصابه الصحيح. وأكد الرئيس حقوق المصريين فى الخارج، وقال: إن أى قضية وقع فيها ظلم على أى مصرى أن يبلغنى بها فورا، فنحن لا نقبل الظلم من أى شخص كان، ومن ذاق الظلم يعرف ذلك، وأشار إلى أهمية الأمن ودور ضباط الشرطة، وقال: إنهم أولادنا، علينا أن نساعدهم ولا نقبل بأى تجاوز فى حق أى مصرى، ثم تعرّض لقضايا المعتقلين فى السعودية وحل معظمها، وجار التوصل لحلول للبقية القليلة، وفرق بين المعتقلين ومن صدرت بحقهم أحكام قضائية التى لا يمكن التعرض لها؛ لأننا لا نقبل أى تدخل فى أحكامنا القضائية. وقد حظيت المرأة فى لقاء الرئيس بالرياض بحضور كبير، تجاوز ال25 مصرية من شرائح تعليمية وعمرية واجتماعية مختلفة، وتحدثت الدكتور فاطمة الزهراء -أستاذة الإعلام- أمام الرئيس، وعرضت العديد من مشكلات الأسر المصرية، كما تحدث الأستاذ ميشيل فرج باسم المصريين الأقباط المقيمين فى السعودية، وقدم للرئيس مرسى مصحفا هدية، وقال: "هذه أغلى هدية أقدمها لفخامة الرئيس باسم المصريين الأقباط الذين يعيشون فى هذا البلد الطيب". وفى اللقاء حرص الرئيس على الاستماع لأى مداخلة أو استفسار، وطلب صاحب أى مشكلة أن يتقدم بها لمستشاره لشئون المصريين بالخارج. لقد كان لقاء مصارحة ومكاشفة بين الرئيس وأبناء الجالية.