لم تقتنع بعد قوى المعارضة السياسية فى مصر بالهزيمة الثقيلة التى أحلت بها، فى معركة الصراع السياسى على السلطة فى مصر، والتى بدأت رحاها منذ يوم 11 من فبراير 2011، بين طرفين أساسيين: القوى الإسلامية من جهة، والقوى المدعوة بالمدنية والتى تشمل التيارات الليبرالية والعلمانية والاشتراكية، وغيرها من التيارات التى لا لون يرى لها ولا رائحة تشتم منها، ولا أمل يرجى من ورائها. وكان صاحب الضربة القاضية فى هذه المعركة والتى أسقطت قوى المعارضة، ووضعتها فى حجمها الحقيقى بعيدا عن محاولات الإعلام للتهويل والتدويل، هو شعب مصر العظيم، الذى يستطيع بحضارته الضاربة فى أعماق التاريخ أن يميز بين الغث والثمين، عملا بقول الله تعالى {فَأَمَّا الزَّبَد فَيَذْهَب جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنْفَع النَّاس فَيَمْكُث فِى الْأَرْض كَذَلِكَ يَضْرِب اللَّه الْأَمْثَال}. وبذلك لاقت المعارضة فى صراعها على السلطة، هزائم عديدة، هزيمة تلو الأخرى، على يد الشعب المصرى العظيم، ولكن المعارضة بأطرافها المختلفة، لم تعترف بعد بالهزيمة، ولم ترتض بالتخندق فى خندق المعارضة، ووممارسة المعارضة البناءة، كما هو الحال فى النظم الديمقراطية. ولم يرق لها الاستقرار الذى شهدته مصر بعد هزيمتها فى معركة الدستور، وما لاحظناه من ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية، وعودة توافد السياح لمصر، والبدء فى تفعيل العمل بمشروع محور قناة السويس، ليكون بمثابة مركز لوجيستى عالمى، فى إطار تنمية إقليم قناة السويس بوجه عام. فبدءوا سريعا فى استغلال ارتفاع الدولار أمام الجنيه المصرى، فى بث نوع من الذعر فى نفوس الشعب، بدعوى أن مصر على وشك الإفلاس، مما يحبط الهمم والعزائم لدى الناس، فيبدءون فى السخط على النظام الحاكم فى البلاد، مع أن الأمر لم يتعد أن البنك المركزى وجه تعليمات للبنوك المصرية بالتريث فى بيع الدولار، من أجل الحفاظ على الاحتياطى النقدى للدولة من الدولار. ولم ولن تتوقف المعارضة عند هذا الحد، فى حربها ضد الشرعية والرئيس المنتخب، انطلاقا من هدف رئيسى ووحيد وضعته لنفسها، منذ تولى الدكتور مرسى الرئاسة، ألا وهو إسقاط الشرعية والقفز على كرسى الحكم. فبدأت المعارضة فى الأيام القلائل الماضية، معركة جديدة ضد الشرعية، وهى التجهيز والإعداد لمؤامرة أخرى على الرئيس المنتخب يوم 25 يناير القادم، يوم الاحتفال بذكرى الثورة، مع تهيئة الأجواء فى القاهرة والمحافظات لهذا اليوم، فبدأنا نسمع عن قيام رموز الحزب البائد والمعزولين سياسيا، بعقد الاجتماعات المتوالية بالقرى والمدن، للترتيب لما يخططون له فى ذلك اليوم. وظهرت الدعوات إلى حشد مظاهرات ومليونيات يوم 25 يناير القادم، فى ميدان التحرير وميادين المحافظات، مع تسخين الأجواء بالإعلان عن "عدم السماح لأعضاء الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين بدخول ميدان التحرير يوم 25 يناير، الذى ستتظاهر فيه القوى المدنية من أجل استكمال الثورة"، وذلك على لسان اتحاد الشباب الاشتراكى. وأتساءل: هل تلك القوى المعارضة تعد العدة للتظاهر يوم 25 يناير، من أجل استكمال الثورة كما يدعون، أم من أجل القضاء على الثورة؟!. وتواصلت أحداث التسخين وتهيئة الرأى العام لما يخططون له فى ذلك اليوم، فطفت على السطح وبشكل مفاجئ أحداث يحتار العقل فى تفسيرها، مثل الهجوم على معتصمى قصر الاتحادية، من قبل أشخاص مجهولين، ليس لهم أية انتماءات سياسية أو أيدولوجية حسب اعترافاتهم فى أثناء التحقيقات. وأخيرا.. وقبل كتابتى لهذا المقال بدقائق، فوجئت مصر كلها بحادث مؤلم، حادث قطار البدرشين، الذى أسفر عن العديد من القتلى والمصابين، الأمر الذى يحتار العقل أيضا فى تفسيره، وفى توقيت حدوثه، خاصة أنه قيل من شهود عيان عقب الحادث مباشرة، أن القطار توقف ست مرات من أجل إصلاحه! وأن سبب الحادث هو أن إحدى عربات القطار انفصلت عن القطار؟! فخرجت عن القضبان فاصطدمت بقطار بضائع كان متوقفا فى المواجهة. وبدأت مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، دون انتظار لنتائج التحقيقات، توجيه الاتهامات واللوم وإلقاء المسئولية على الرئيس مرسى بشخصه، دون إشارة إلى المسئولين المباشرين عن الحادث كوزير النقل مثلا أو رئيس هيئة السكة الحديد، مع تلخيص الموضوع برمته فى أن الحادث وقع بسبب الإهمال، مع استدعاء حادث الأتوبيس الأخير بأسيوط، ووضعهما فى سلة واحدة. الأمر الذى يدعونى الآن إلى وضع هذا الحادث الذى آلمنى كثيرا وآلم الشعب المصرى كله، فى إطار الأحداث غير المتوقعة التى تشهدها مصر حاليا والتى يحتار العقل فى تفسيرها. كما أن سرعة توجيه الاتهام للرئيس مرسى واختزال أسباب الحادث فى الإهمال، يجعلنى أتساءل: هل سمعنا من قبل أن عربة قطار انفصلت عن القطار فى أثناء الرحلة؟! فلماذا لا يكون هذا الحادث متعمدا وبفعل فاعل؟! ورغم ذلك أقول لهؤلاء: لو افترضنا أن الحادث بسبب الإهمال كما تدعون استباقا لنتائج التحقيقات، الصحيح: أنكم بدلا من أن توجهوا كل اللوم للدكتور مرسى، الذى لم يمر على توليه السلطة سوى شهور معدودة.. يجب أن توجهوا اللعنات للمخلوع ونظامه، الذى خرب مصر، كل مصر على مدار ثلاثين عاما. وما يخرب فى ثلاثين عاما، يحتاج إلى سنوات أكثر بكثير فى سبيل إعادة إصلاحه.. أليس هذا هو صوت العقل والمنطق فى الحكم على الأمور؟!. حمى الله مصر وشعبها من كيد الكائدين، وتآمر المتآمرين. ----------------- د. سعيد الغريب النجار أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة