أُحييكم أطيب تحية.. السلام عليكم وعلى جمهور الإسكندرية الحبيب ورحمة الله وبركاته. عِشنا معكم فى يوم الجمعة وأنتم محاصرون فى بيت الله عز وجل صابرون محتسبون وحول مسجدكم مجموعات من الغوغائين الساقطين السكارى والفسقة الذين تجرءوا على الله عز وجل ولم يراعوا حرمة لعلماءِ الأمة ولا لمساجدها. بم توصف هذه الأخلاق؟ أهؤلاء بشر أم ذئاب تجرءوا عليكم وخانوا الله ورسوله. ماذا كانت النتيجة لو أن جمهور الإسكندرية بقوته وشكيمته أمسك بهؤلاء الصغار ومن وراءهم ومن يحميهم وحاسبهم بما يستحقون، إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها والإسلاميون لا يهمم غنى الغنى ولا يخافون من أحد إلا الله القوى القادر، كما أنهم لا يرهبون من مستكبرٍ ولا متجبرٍ فى الأرض؛ لأنهم لا يخافون إلا الله، أما ما عداه سبحانه وتعالى فهم عبيد والجميع قادم على الله قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَن فِى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ إلا آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وعَدَّهُمْ عَدًا (94) وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا}. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وقال تعالى: {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وسَعَى فِى خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْى ولَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. إن نزول هذا النص بهذا الإطلاق يوحى بأنه حكم عام فى كل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وفى كل من تسبب فى تعطيل بيوت الله عن أداء دورها فى الأرض وعن وصل الناس بربهم، فلا أحد أظلم ممن يصنع هذا الصنيع ويرتكب هذا الجرم ويتجرأ على الله عز وجل ويُعرضُ مصادر الأمن والأمان والخير -المساجد- للعدوان، والعدوان عليها وعلى علمائها وروادها ولقد جاء فى الحديث «إن بيوتى فى الأرض المساجد وإن زوارى فيها عمارها فطوبى لرجل تطهر فى بيتى وزارنى فى بيتى وحق على المزورِ أن يكرم زائره». يا فضيلة الشيخ الجليل لقد نَجحتَ وأبناؤك البررة بصبركم طوال هذا الوقت وتحملكم لتفاهات التافهين والحثالات نجحتم نجاحا باهرا وفزتم برضوان الله؛ يقول الحق تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. وأيضا قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِين}. ولقد نجح العاملون للإسلام والداعون إليه فى هذه الفترة فى ضبط أعصابهم والإعراض عن سفاهة السفهاء فكانوا خير ملتزم بالإسلام وأهدافه العليا والترفع عن مجاراة السفهاء حتى وهم يرون شهداءهم يتساقطون ودماءهم تسيل على الأرض وجرحاهم الذين لا حصر لهم، ومع كل ذلك لم يثوروا ولم يفقدوا أعصابهم وحملوا شهداءهم وداووا جراحاهم وصبروا وصابروا؛ تنفيذا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. ولكن ليعلم الذين يتآمرون على عباد الله ويسفكون دماءهم ويستبيحون البغى عليهم أن صبر الحليم قد ينفد فى أية لحظة وهنا سيجد هؤلاء من يؤدبهم وكيف يؤدبهم وسيندمون كبارا وصغارا وكل من شارك فى هذه الآثام سيعلم غدا من الكذاب الأشر. وأروى بالمناسبة ثلاثة أحداث حدثت فى ثلاثة أقطار فى تونس المسلمة الحبيبة: قبل أن يزيل الله هذه الغمة بشهور تقدم الحكوميون المسئولون عن المساجد باقتراح مفاده أنهم يريدون عمل أبواب للمساجد ولها مفاتيح من نوع خاص ولا تفتح إلا لمن معهم هذه المفاتيح، ومعنى ذلك أن من يملك المفتاح فى الحى الذى يسكن فيه يستطيع أن يدخل المسجد ويصلى، أما من عداه فمحرم عليه الدخول لكن أين هذه المفاتيح؟ إنها فى قسم الشرطة ومعروف وقتها ماذا يعنى قسم الشرطة والدخول إليه. الحركة الثانية قبل هذه فى ليبيا، أن العقيد القذافى- بسلامته- غصب على العلماء ومن ثم على المساجد أن أى إمام أو واعظ سواء كان على المنبر أو فى درس إذا صلى على الرسول بالصيغة المعروفة صلى الله عليه وسلم، فعلى من يَرْقُبهُ أن ينزله من على المنبر ويطرده خارج المسجد فإن كان عالما من غير المسلمين غير الليبيين طُرد إلى بلده، وإن كان ليبيا ففى السجون متسع وأرجو ألا تتعجب من هذا الكلام فأنا حضرت هذه الفترة فى ليبيا وشاهدت تلك المواقف فى سنة 1977م. أما الثالثة، ففى مصر قبل الثورة فقد كان وزير الأوقاف -زقزوق- قرر أن يستغنى عن الأذان فى المساجد وعن المؤذنين والطريقة التى سلكها أنه فى مشروعه أتى بأسطوانة وفى كل مسجد يستقبل الأذان فى وقت واحد ثم يضغط على زر فيه فينطلق الأذان فى جميع الأماكن مرة واحدة دون مراعاة لفروق التوقيت وهذا باطل، ولما سُئل عن السبب فى هذه التكاليف الباهظة قال: "لأن صوت المؤذن وحش" ونسىَ أن الأذان ثبت برؤية رآها كثير من الصحابة وقصوها على النبى فأمرهم أن يلقنوها بلالا لأنه أندى الناس وصارت شعيرة من شعائر الإسلام لا يجوز تغييرها ولا تبديلها ولا إلغاؤها. وحدث أيضا فى مصر قبل الثورة أن نبتت فكرة شيطانية تطالب ببناء المساجد بغير مئذنة، وتبناها البعض، وفى لحظات متقاربة طار من تجرءوا على الله فى تونس، وتبعتهم مصر، وفى لحظة طار العقيد الكذاب. ونرجو من الله عز وجل أن يمن علينا بأخذ العصابة فى سوريا أخذ عزيز مقتدر، وأن يجعل من "إسرائيل" عبرة لمن يعتبر، والله على كل شىء قدير. ---------- الشيخ محمد عبدالله الخطيب من علماء الأزهر الشريف والعضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين