يبدو أن اصطلاح "الأخونة" ليس اختراعا مصريا خالصا، وليس محض إبداع من بنات أفكار الآلة الإعلامية المصرية بالاشتراك مع تيارات الإفلاس الشعبى التى تفتقد إلى القواعد الجماهيرية، حيث تصبح القاعدة الوحيدة التى تستطيع أن تتكئ عليها فى ظل هذا الخواء، هى قاعدة الهجوم المبرر أحيانا وغير المبرر أحيانا أخرى على التيارات الأخرى وملاحقتها المستمرة بسيول من التهم. أقول هذا رغم قناعتى التامة بأن الوضع فى مصر أكثر تعقيدا من أن يتحمل مسئولياته فصيل واحد دون سائر الفصائل، أو أن ينهض بأعبائه تيار واحد بغير بقية التيارات، ورغم يقينى الكامل بأن التنوع السياسى والفكرى الذى يفتقده الآن المشهد السياسى المصرى "هو الحل" الوحيد، والمصير الحتمى الذى ستئول إليه الأوضاع بعد الاستشفاء من أمراض الإقصاء ورفض الآخر التى خلفتها حقبة الفساد والاستبداد، وأن ثمة حالة من التغير أو بالأحرى من النضج، ستمر بها كافة الأحزاب، التى أصابها ما أصاب المجتمع من جمود وموات، لتواكب تلك التغيرات الهائلة التى أحدثتها الثورة فى الوعى السياسى والفكرى لدى القواعد الجماهيرية، ولتصبح قدرة هذه الأحزاب على مواكبة تلك التغيرات هى المعيار الوحيد لقدرتها على البقاء فى المشهد السياسى من عدمه. أعود مرة ثانية لاصطلاح "الأخونة"؛ ولكن، وقبل التحول إلى المسرح السياسى الأمريكى وتتبع "أخونته"، أؤكد أن هذه المقالة لا ترمى إلى المقارنة بين الأوضاع السياسية على المسرحين المصرى والأمريكى بقدر ما ترمى إلى تأصيل المصطلح والتعرف إلى بدايات ظهوره، ومدى قدرته على النجاح فى تحقيق الهدف منه. ولكن رغم ذلك، يبقى تشابه وحيد فى العقلية التى أنتجت هذا المصطلح، وهى تلك النظرة المشتركة إلى القاعدة الجماهيرية باعتبارها كتلة صماء قابلة للتشكل على يد الطرف السياسى الأقوى، وليس باعتبارها كما دللت على ذلك الثورات العربية كتلة إيجابية متحركة باتجاه المصلحة الوطنية والصالح العام بدافع من رؤيتها الشخصية وتقييمها الذاتى للواقع وللمتغيرات. لقد سعت الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس السابق بوش الابن إلى توحيد المجتمع الأمريكى تحت راية مكافحة الإرهاب الإسلامى، واستخدام الخطر الأخضر "الإسلام" لملء الفراغ الذى خلفه انهيار الخطر الأحمر "الشيوعية"، هذه السياسة -شأن غيرها من السياسات- اجتذبت حولها العديد من جماعات المصالح السياسية والرأسمالية حققت من ورائها مكاسب ضخمة وأرباحا هائلة. إلا أن المشروع الجديد الذى جاء به الرئيس أوباما عام 2007، الذى تبدت ملامحه فى حرصه على زيارة تركيا فى بدايات حكمه، ثم قدومه إلى مصر وإلقاء خطابه الشهير إلى العالم الإسلامى من جامعة القاهرة، قد أثار الذعر لدى هذه الجماعات التى أضحت مصالحها الاقتصادية والسياسية على مشارف خطر وشيك، فى ظل هذه البيئة السياسية قامت الآلة الإعلامية المحسوبة على اليمين المتطرف، أو بتعبير أدق، على "المحافظون الجدد" الذين كانت تمثلهم إدارة الرئيس "بوش" بامتياز، بالترويج لمصطلح "أخونة أمريكا"، تحت غطاء مواجهة خطر "أسلمة أمريكا"، الذى يجرى عبر تواطؤ الرئيس أوباما مع جماعة الإخوان المسلمين؛ ويستطيع المتابع للكتابات المنشورة على بعض المواقع من شاكلة "ثينك بروجرز" و"أطلس شرجز"، بالإضافة لبعض الكتابات من هنا وهناك بصحف واشنطن تايمز، وفوكس نيوز، وأمريكان ثينكر، وهيومان إيفنتس، وديلى كولر، ونيو ميديا جورنال، وكندا فرى بريس وغيرها، أن يلمح هذا الخطاب. تبلور هذا الخطاب بعد قليل إلى العديد من الحركات السياسية على الأرض؛ من أهمها حركتا "أوقفوا أسلمة أمريكا" و"مبادرة الدفاع عن الحريات"؛ وفى 26 أكتوبر 2010 (منتصف الولاية الأولى للرئيس أوباما) قامت الناشطة السياسية "باميلا جيلر" بنشر البحث الخاص بكتابها "أوقفوا أسلمة أمريكا Stop Islamization of America"، الذى حذرت فيه من وجود مخطط إستراتيجى لأخونة الولاياتالمتحدة يقوم عليه جماعة الإخوان المسلمين بالتعاون مع عدد من المؤسسات الأمريكية؛ وفى ثنايا هذا البحث أشارت الكاتبة إلى العديد من السياسات والممارسات التى تنم عن هذا المخطط؛ مثل محاولة تجريم حرية التعبير فى الموضوعات المتعلقة بالإسلام والجهاد فى الولاياتالمتحدة، وتمديد نطاق جرائم الكراهية وتعبيرات الكراهية لتطول الحديث الموضوعى عن الإسلام والجهاد، كذلك تشير "جيلر" إلى "ظاهرة" بناء المساجد العملاقة بطول الولاياتالمتحدةالأمريكية وعرضها بما يتجاوز احتياجات الجالية المسلمة وقدراتها الإنفاقية، وتحويل أماكن العمل إلى ما يشبه مساجد صغيرة تقام فيها الصلاة وينتشر فيها الزى الإسلامى باعتباره أحد مظاهر هذا المخطط، وقد بلغت أخونة أمريكا حدودا شائكة وذلك -حسب "الكاتبة"- بتوغل جماعة الإخوان المسلمين إلى وزارات الدفاع والخارجية والإعلام والتعليم.. إلى غير ذلك من الكيانات المفصلية فى صناعة القرار وصياغة الرأى العام الأمريكى؛ فضلا عن "الجهاد الدستورى" بإعطاء المسلمين مميزات خاصة فى المحاكم الأمريكية، والحرب القانونية برفع الدعاوى ومخاصمة الباحثين والناشطين والكتاب "الشجعان" وملاحقتهم قضائيا، والاقتصاد الشرعى بتحويل دولارات دافعى الضرائب الأمريكية إلى مصدر رئيسى لتمويل الاقتصاد الإسلامى ودعم الجهاد. الذى أريد أن أخلص إليه هو أنه رغم تباين الظرف السياسى بين المسرحين الأمريكى والمصرى، إلا أن خطاب الأخونة الذى تبنته بعض التيارات السياسية فى مصر وروّجت له الآلة الإعلامية التى تربطها مصالح وثيقة بهذه التيارات وبالنظام البائد ليس بجديد، وهو فى الوقت نفسه ليس بفعال (بدليل فوز الرئيس أوباما بالولاية الثانية)؛ لأنه يقوم على دغدغة العواطف فى زمن التحولات الذى لن تقبل فيه القواعد الانتخابية الجماهيرية إلا بالخطابات الموجهة إلى العقول وبالبرامج الفعلية التى تحقق المصلحة العامة للمواطنين.