المستشار/ أحمد الخطيب رئيس بمحكمة استئناف الإسكندرية عفوا إن الإشادة بك فى موقف لا تعنى أنك بمنأى عن النقد، فالمصداقية تفرض علينا أن نتعامل مع الأحداث من منظور موضوعى يعتمد على تقييم الحقائق ووضعها فى نصابها وليس وفق معايير الولاء أو العداء التى تفرض على صاحبها تبنى مواقف مؤيدة أو معارضة على طول الخط، فإن أصبت أيدناك وإن أخطأت انتقدناك. إن إيهام الرأى العام بتعرضك لضغوط لترك منصبك وتعيينك سفيرًا بالفاتيكان وأنك ترفض ذلك دفاعًا عن استقلال القضاء واستعدادك للشهادة من أجله أمر يتعارض مع حقائق الأمور ولا ينطلى على كل ذى فطنة وذكاء، فقد كان بمقدورك أن تبدى رفضًا قاطعًا واضحًا يوصد أبواب تلك الأزمة بدلًا من القبول ثم العدول وإصدار بيانات النفى والاتهام، فضلًا عن أنك لم تكن يومًا من أنصار تيار استقلال القضاء، ولم يصدر عنك أى تصريح يدعمه، بل رفضت وجود أى من أعضاء النيابة العامة بوقفات القضاة إبان عملك مديرًا لتفتيش النيابات، ولم يشاهدك أحد بالجمعيات العمومية لنادى القضاة الذى وُضِع على خط المواجهة مع مؤسسة الرئاسة بسبب تلك الأزمة، وزُجّ بالقضاة دون إحاطتهم بجميع ملابسات الواقعة، فكانت انتفاضتهم المشروعة دفاعًا عن حصانة المنصب التى نتفق نحن وشعب مصر على ضرورة احترامها وعدم المساس بها. إن توريط القضاء فى معارك حامية الوطيس مع الرئاسة أو القوى السياسية يضرب استقلاله فى مقتل ويهدد مسيرته ويزعزع استقرار البلاد الذى نسعى إليه منذ قيام ثورة 25 يناير، لا سيما أنه قد استغل أنصار النظام البائد الخائفين من التغير ومعارضى النظام الحاكم الرافضين لقراراته تلك الفرصة وشكلوا جبهة واحدة للدفاع عن النظام السابق، الذى قامت ضده الثورة التى كان أهم مطالبها منذ بزوع شمسها إجراء التغير اللازم لبناء الدولة الجديدة، إلا أن تلك الرغبة اصطدمت بأعمال الكيد السياسى، الذى تمارسه بعض القوى السياسية والحركات الوطنية التى غاب عنها أن الثورة هى تغيير النظام بأركانه ودعائمه، وأنه لا انتهاك لاستقلال القضاء فى ضوء موافقة النائب العام التى عاد وعدل عنها بعد الإعلان للرأى العام بتعينه سفيرًا. فالسوابق التاريخية تشير إلى تكرار حدوث تلك الوقائع مثل تعيين النائب العام السابق ماهر عبد الواحد رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا بعد موافقته، وتعيين آخرين محافظين ووزراء وتركهم القضاء طواعية بموافقات واضحة لا يشوبها غموض أو عدول. إن قضاء مصر يرفض أن يكون رأس حربة أو يخوض حروبًا بالوكالة فى تلك الصراعات السياسية، فهو بعيد تمامًا عن فكرة الاستقطاب لأى فصيل سياسى بذاته، فانتماؤه الأول والأخير لمصر ومهمته الرئيسية إعلاء سيادة القانون وتحقيق العدل والاستقرار والدفاع عن استقلاله باعتبارها الركيزة الأساسية لبناء الدولة الديمقراطية. إن بقاءك فى منصبك مطلب فئوى لا يعد نصرًا لاستقلال القضاء ولا هزيمة لمؤسسة الرئاسة، وإنما نصر للنظام السابق وهزيمة للثورة التى يلزم لنجاحها إحداث التطوير وضخ الدماء الجديدة، فالتغير فريضة ثورية وسنة كونية، ولكل عصر رجاله الذين يحملون ألويته ويقودون مسيرته، فالقاضى يتنحى عند ما يستشعر الحرج وينأى بنفسه عن مواضع الاتهام والتجريح التى عبرت عنها كافة التظاهرات والمطالب المستمرة ضدك والتى نالت منك وطالت هيبة القضاء الشامخ. وإن محاولة الزج بالمستشارين حسام الغريانى وأحمد مكى فى تلك الأزمة والنيل من مصداقيتها تجاوز مرفوض، فالجميع داخل الأسرة القضائية وخارجها يعرف جيدًا تاريخهما القضائى المشرف ووقوفهما فى وجه استبداد النظام السابق فى أوج عنفوانه ودفاعهما المستميت للذود عن استقلال القضاء وتدعيم ركائزه، سلاحهما الوحيد هو ثقتهما فى الله وحسن السمعة وعزة النفس وطهارة اليد وثقة الشعب فيهما، وهى صفات يفتقر إليها آخرون، وإن محاولة ترويج الشائعات ضدهما لن تنال منهما بل سوف تزيدهما صلابة وإصرارا على إكمال مسيرة الثورة وتحقيق الإصلاح المنشود.