في الوقت الذي وضعت فيه سلطات الانقلاب بمصر قدما لإسرائيل في البحر الأحمر، عن طريق بيع جزيرتي "تيران وصنافير" للكيان الصهيوني بوساطة سعودية، بدأت تركيا في البحث عن قدما موازية للرد على النفوذ الصهيوني الذي بدأ يتوسع برعاية حكام وحلفاء بني صهيون في الوطن العربي، تفاديا للخطر الصهويني الذي حل على المنطقة بمساعدة حكام الأنظمة العربية التي وسعت من تحالفاتها برعاية أمريكية مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه، في مواجهة الشعوب العربية والإسلامية. صراع على البحر الأحمر بشكل مفاجئ يظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارة للرئيس السوداني عمر البشير، ويوقع عدد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، إلا أن الاتفاقية الأبرز كانت بوضع قدم تركيا في جزيرة سواكن التي تطل على البحر الأحمر، لتدخل المنطقة في صراع النفوذ المتنامي بالبحر الاحمر، بعد أن فتح هذا الصراع خيانة عبد الفتاح السيسي للأرض والتراب المصري، ببيع جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الاحمر للكيان الصهيوني بوساطة سعودية. ويشكل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موافقة نظيره السوداني عمر البشير على خطة بلاده لتطوير جزيرة سواكن فصلا جديدا في الصراع، بعد أن أعلن أردوغان الاثنين الماضي أثناء زيارة وصفت ب"التاريخية" إلى السودان عن موافقة البشير على تخصيص الجزيرة لبلاده لغايات ترميمها وتطويرها. إعادة التوازن وحاول الرئيس التركي، عبر عدة إشارات، تفادي استفزاز السعودية ومصر بالقول إن بلاده تهدف إلى ترميم ما دمره الاستعمار البريطاني للجزيرة التي كانت مركزا للدولة العثمانية في البحر الأحمر، وتأكيده أن تخصيص الجزيرة سيكون "لوقت معين"، في الوقت الذي تشير المعلومات أن سيطرة تركيا على الجزيرة يهدف لإحداث التوازن في الصراع على البحر الأحمر الذي بدأ يتدحرج في حجر الكيان الصهيوني بمساعدة عربية. غير أن إشارته اللافتة كانت تأكيده أن الجزيرة ستكون بمثابة قاعدة انطلاق الأتراك نحو الديار السعودية في طريقهم لأداء الحج والعمرة "ضمن سياحة مبرمجة". وبانتظار أن تتضح المواقف المختلفة من إعلان أردوغان الذي لقي حماسا سودانيا كبيرا لدخول بلاده على خط تدشين علاقة إستراتيجية بين البلدين قرأ مراقبون فيه بأنه تسخين لسباق السيطرة على موانئ البحر الأحمر بين قوى مختلفة، في ظل سيطرة إسرائيل من ناحية (ميناء إيلات) وحلفائها من ناحية سواء بسيطرة الإمارات على ميناء عدن من ناحية، أو من خلال اتفاقية تيران وصنافير بين مصر والسعودية من ناحية أخرى. بالإضافة لما وصفته وسائل إعلام دولية ب"مفاجأة سواكن" توقفت أخرى عند ما وصفته ب"الملحق السري" في مباحثات أردوغان والبشير، وفسر على أنه اتفاق لتدشين صناعات عسكرية قال أردوغان نفسه إنه لن يتحدث عنه. وتكمن أهمية جزيرة سواكن تاريخيا في أنها أقدم ميناء سوداني على ساحل البحر الأحمر، واختارها السلطان العثماني سليم الأول في 1517 مقرا لحاكم "مديرية الحبشة العثمانية" التي تشمل مدينتي حرقيقو ومصوع في إريتريا الحالية. وبعد سيطرة البريطانيين على السودان سنة 1899 قاموا بتدمير أجزاء كبيرة من الجزيرة، خاصة الآثار العثمانية، واستغنوا عن مينائها وأنشأوا ميناء بديلا في بورتسودان. أهمية سواكن ورغم صغر حجم سواكن (20 كلم) ووصفها التاريخي بأنها "أرض الأساطير والقصص الخيالية" فإن قصتها اعتبارا من تاريخ تخصيصها لتركيا ستكتب فصولا حقيقية تشير إلى استمرار السعي التركي للتواجد في البحر الأحمر. وقبل سواكن تواجدت تركيا في الصومال، حيث أنشأت قاعدة ومطارا عسكريا في مقديشو، وتتمتع بحضور سياسي وعسكري وثقافي بالجمهورية التي تسعى إلى النهوض من أتون الفوضى التي عصفت بها لعقود. وتكمن أهمية جزيرة سواكن من ناحية إستراتيجية أخرى في كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي السعودي على البحر الأحمر، حيث تستغرق رحلة السفن بين الميناءين ساعات قليلة. وخلال الأعوام القليلة الماضية بات السباق محموما على البحر الأحمر الذي يعتبر ممرا لنحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنه يشكل المعبر الرئيس للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا. وبالإضافة للدول الإقليمية المطلة على البحر الأحمر (الأردن، مصر، السعودية، السودان، إريتريا، الصومال، اليمن، جيبوتي، إسرائيل) دخلت قوى دولية وإقليمية على خط النفوذ فيه. فأحد مبررات حرب التحالف العربي على اليمن منذ نحو ثلاثة أعوام كان الصراع على النفوذ في البحر الأحمر بعد أن اعتبر التحالف أن سيطرة جماعة الحوثي على عدد من موانئ اليمن الغربية تقع ضمن محاولات إيران للتواجد القوي في البحر الأحمر. كما دخلت الإمارات بشكل لافت على خط النفوذ في البحر الأحمر، حيث أنشأت قاعدة عسكرية في بربرة عاصمة ما تعرف بجمهورية أرض الصومال، وتمتلك أيضا قاعدة عسكرية في إريتريا، كما تتهمها قوى يمنية بالسعي للسيطرة على موانئ على البحر الأحمر تحت غطاء حرب التحالف العربي هناك. تيران وصنافير وشهدت قواعد النفوذ في البحر الأحمر تغيرا هذا العام بعد أن تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما حول مضائق تيران إلى ممرات دولية ستفتح -برأي مراقبين- أبوابا لتعاون سعودي إسرائيلي تحت بند تنظيم الملاحة في شمال البحر الأحمر. ونقلت قناة "الجزيرة" عن مدير وحدة البحوث في قسم السياسة الإستراتيجية بمركز هرتسيليا الجنرال شاؤول شاي، فإن إسرائيل تؤيد سيطرة مصر والسعودية على البحر الأحمر. وقال في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" مطلع أكتوبر الماضي إن سيطرة مصر شمالا على قناة السويس، والسعودية جنوبا على مضيق باب المندب تساهم في الحد من السعي الإيراني الحثيث للتواجد في البحر الأحمر عبر الحوثيين في اليمن وعبر اتفاقات مع إريتريا والسودان. وما يزيد من أهمية النفوذ التركي عبر جزيرة سواكن هو ما كشف عنه اليوم عن اجتماع عقد في الخرطوم مساء الاثنين وضم قادة جيوش تركيا خلوصي أكار، والسودان عماد الديم مصطفى عدوي، وقطر غانم شاهين الغانم. خريطة جديدة وعلق أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر ماجد الأنصاري على هذا اللقاء بالقول "خريطة جديدة للتحالفات في المنطقة، عنوانها الخروج من دائرة الابتزاز السياسي إلى المصالح المشتركة". ويفسر مراقبون تحركات الخرطوم التي تلت تخلصها من العقوبات الأمريكية وتوجهها إلى موسكو ثم استقبالها أردوغان بأنها محاولة للبحث عن مصالحها خارج مربعات العلاقات التقليدية، وربما سرع منها الغضب السوداني بسبب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية والتي ضمت إلى الحدود المصرية إقليم حلايب، وهو ما اعترفت السعودية به عمليا. ويتوقع مراقبون أن يثير التواجد التركي في جزيرة سواكن كثيرا من القراءات، ولا سيما أنه يدشن مرحلة جديدة عنوانها أنها توجد على حدود مصر والسعودية، والتي يبدو أنها لن تقرأ عودة العثمانيين الجدد بأنها "مبرمجة" ضمن "السياحة" التي تحدث عنها أردوغان، وإنما تعيد على ما يبدو برمجة خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة. ردود أفعال انقلابية من ناحية أخرى، اعتبر نظام الانقلاب أن خطوة سواكن "كف على قفا النظام" بعد تفريطه في تيران وصنافير، وشن الإعلام المصري المؤيد لنظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي هجوما متواصلا منذ عدة أيام على تركيا وقطر بسبب الزيارات التي قام بها زعيمي البلدين لدول إفريقية واعتبروها تآمرا على مصر. وكان الأمير تميم بن حمد أمير قطر قد قام بزيارة ست دول أفريقية في الأيام الأخيرة، شملت مالي وغانا وغينيا وبوركينافاسو، فيما اختتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء جولة أفريقية يرافقه نحو 200 رجل أعمال، بدأها بالسودان يوم الأحد الماضي ثم تشاد وأنهاها في تونس. ووصفت صحيفة "اليوم السابع"، المقربة من الأجهزة الأمنية، زيارة الرئيس التركي للسودان بقولها إن "تحالف قوى الإرهاب والشر والتخريب بين البشير وأردوغان وتميم اجتمعوا في الحديقة الخلفية لمصر".