في الأول من نوفمبر أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة بصفة رسمية لتصبح الأمة الإسلامية ولأول مرة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بلا خلافة جامعة. ولا يختلف الانقلابي كمال أتاتورك، الذي سقطت الخلافة على يديه، عن السفيه عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب، فمثلما تنازل الأول عن أملاك الإمبراطورية العثمانية في ثلاث قارات في اتفاقية سميت معاهدة لوزان عام 1923، بحيث تنتهي هذه المعاهدة عام 2023، تنازل الثاني عن ثروات مصر من الغاز والبترول لليونان وقبرص والشركات البريطانية والغربية، وتنازل عن حصة مصر في نهر النيل، وتنازل عن أراضيها والجزر الاستراتيجية.
معاهدة السقوط
تم إبرام المعاهدة مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، والذين كانوا ﻻ يزالون يحتلون أجزاء كبيرة من تركيا، بريطانيا هي التي وضعت هذه الشروط الخطيرة والمجحفة للسيطرة على تركيا حتى 100 عام قادمة من تاريخ التوقيع عليها عام 1923، ومنها:
1 – إلغاء الخلافة العثمانية ونفي السلطان وأسرته خارج تركيا.
2 – مصادرة جميع أموال الخلافة والسلطان.
3 – إعلان علمانية الدولة.
4 – منع تركيا من التنقيب عن البترول على أراضيها ويمكنها إستيراد البترول فقط.
5 – اعتبار مضيق البوسفور ممر مائي دولي ولا يحق لتركيا تحصيل أي رسوم من السفن المارة فيه (خليج البوسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة ومن ثم إلى البحر المتوسط)، يعني: ممر مائي في غاية الأهمية مثل قناة السويس.
وينتهي العمل بهذه المعاهدة عام 2023 ويكون قد مر عليها مائة عام، ومن هنا لاحظ تصريحات أردوغان المتتالية بأنه بحلول 2023 ستنتهي تركيا القديمة ولن يكون منها شيء، وستسرع تركيا في التنقيب عن النفط، وحفر قناة مائية جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة تمهيدا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة.
ومن هنا يمكنك فهم بعض أوجه الحرب الدائرة بين تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، والغرب بضراوة شديدة.
بداية المؤامرة
في أواخر عهد الدولة العثمانية، وبالتحديد في آخر خمسين سنة من عمر الدولة التي حكمت 500 سنة، تكالب عليها العالم، ومَكرَ لها مكرَ الليل والنهار، وأجلب عليها بِخَيلِه وَرَجلِه، وتسرب اليهود إلى مفاصلها، وسمِّيت ب"رجل أوروبا المريض" فلم تعد قادرة على إدارة البلاد وبدأت عُراها بالتفكك واحدةً تلو الأخرى حتى سقطت جميعها ، والسؤال: أليس ظلمًا أن نتجاهل أكثر من 100 مليون مسلم دخلوا الإسلام بسببها؟
يرى كثير من المراقبين أنه من العقوق أن يجهل المسلمون الآن في عام 2017 أن الدولة العثمانية هي التي أنقذت المسجونين المسلمين في الأندلس - إسبانيا - من محاكم التفتيش، بل والمسجونين اليهود، وذلك عبر معارك بحرية طاحنة بقيادة البطلين المسلمين، الأخوين بربروسا مع الإسبان والبرتغاليين؟
وتتعمد مناهج التغريب التي سقطت فيها الدول العربية، تجاهل معركة "نيكوبوليس"، التي أشبه ما تكون بحرب عالمية حيث اجتمعت روسياوبريطانيا العظمى وفرنسا والمانيا وايطاليا وبلجيكا واسكتلندا ولكسمبرغ وبولندا وبلغاريا بأمر من البابا "بونيفاس التاسع" للقضاء على الدولة العثمانية، وكانت النتيجة هزيمة ساحقة لأوروبا وروسيا وانتصارًا مجلجلاً للعثمانيين بقيادة "با يزيد الأول"، فاتسعت رقعة الدولة الإسلامية من الفرات شرقًا إلى نهر "الدانوب" غربًا.
لهذا يكره ترامب المسلمين
والسؤال الان في ذكرى إسقاط الخلافة أين كانت أمريكا وما موقفها من تلك الحرب؟
كانت أمريكا بقيادة جورج واشنطن تدفع الجزية للجزائر بقيادة "بكلر حسن" آنذاك مقابل حماية السفن الأمريكية في البحر المتوسط والحفاظ على الأسرى الأمريكيين الذين أسرتهم الجزائر في معركة بحرية.
وذلك بموجب نص الهدنة الأمريكية، التي كتبها الرئيس الأمريكي "جورج واشنطن" بخط يده مع دولة الخلافة :"تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية للدولة العثمانية مبلغ 12 ألف ليرة ذهبية عثمانية سنويًا، مقابل أن يتم إطلاق سراح البحارة الأمريكيين الأسرى لدى الجزائر، وعدم التعرض للسفن الأمريكية في البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي".
ويرى مراقبون أن هذه الهدنه تفك لغز تشنيع الفرنسيين بالجزائر حيث قتل الفرنسيون ما يزيد عن المليون ونصف المليون شهيد جزائري.
الخلافة تتصدى للحملات الصليبية
ويؤكد التاريخ أن الخلافة العثمانية تصدت بمفردها لأكثر من 25 حملة صيليبية وأوروبية على العالم الإسلامي وكانت هي المنتصرة دائمًا، ودفع آخر سلاطينها "السلطان عبد الحميد" عرشه ثمنًا للتمسك بفلسطين، وعدم تسليمها للصهاينة، الذين تعاونوا الآن على إسقاط ثورات الربيع العربي في 2013، والدفع بعميلهم السفيه "السيسي" والتآمر على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ومن العجيب ان التاريخ يحفظ أيضًا أن "سليمان القانوني"، ضُربت لوفاته أجراس الكنائس في اوروبا، وأقيم قداس شكر ثلاثة أيام بأمر من البابا شخصيًا، وهو قائد معركة "موهاكوس".
وكذلك بايزيد الأول قائد معركة "نيكو بوليس"، الذي أوقف العالم كله على أمشاط قدميه ينتظر نتيجة المعركة، فكان ما كان، وكذلك سليم الأول قائد معركة جالديران، وكذلك السلطان عبد الحميد صاحب فلسطين، الذي قال للصهاينة : "فلسطين ليست ملكا للسلطان عبد الحميد ، بل لجميع المسلمين ، فاجمعوا لي تواقيع المسلمين أنهم قد تنازلوا عن فلسطين لأتنازل عنها أنا ".
وكذلك محمد بن مراد المسمى ب"محمد الفاتح" لأنه فتح القسطنطينية، التي طمع بفتحها كل قادة المسلمين العظماء من عهد بني أمية، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشّر بفاتحها وأثنى عليه، فقد روى الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتُفتحَنّ القسطنطينية، فلنِعمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعمَ الجيشُ ذلكَ الجَيش".
وأجمع المراقبون على أنه من العقوق أن تبقى بطولات سلاطين الخلافة العثمانية حبيسة الأدراج والمكتبات، ولا يعرف العرب ولا المسلمون عنهم شيئًا، في الوقت الذي يعرفون نمرة حذاء ميسي وكريستيانو.
وتعمد الصهاينة ومعهم بريطانيا التي فرضت على العرب "وعد بلفور" تجهيل المناهج الدراسية، التي بدلا من تذكر بايزيد أو سليم الاول أو السلطان عبد الحميد أو سليمان القانوني، تسمي الخلافة ب"الاحتلال العثماني"، بينما تدلل الحملات الصليبية وتعتبرها فتوحات انقذت العرب!.