صرخة وجهها اقتصاديون لإنقاذ مصر من حكم الانقلاب العسكري الذي يدمر اقتصاد البلاد بالاقتراض من الخارج ورهن أصول مصر بنظام السندات الدولارية، وآخرها أمس، بالكشف عن قروض مخفية، لا يعلم عنها أحد شيئًا، وهو ما يعد توريطًا لمصر أمام الدائنين. ولعل ما اعتبره الباحث والمحلل الاقتصادي مصطفى عبد السلام، في مقاله "القروض الكتيمي"، كارثة اقتصادية سبق أن حذرت "الحرية والعدالة" من خطورة سياسة الاقتراض والرهنيات التي يتبعها نظام الانقلاب العسكري.
القروض أنواع
يقول عبد السلام، في مقاله الذي نشره على صفحته بموقع "فيس بوك": "سمعنا من قبل عن القروض "الجامبو" وهي تلك القروض الضخمة التي يحصل عليها كبار رجال الأعمال والمليارديرات من البنوك وتنتمي لخانة التسعة أصفار، أي المليار دولار ومضاعفاتها، وسمعنا أيضًا عن القروض "النونو" التي توجه لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وربما متناهية الصغر والتي لا تنتمي لخانة المليون وربما لخانة الآلاف، وسمعنا عن أنواع كثيرة من القروض المتعارف عليها في الأسواق والقطاع المصرفي والمالي العالمي والمحلي، منها القروض الميسرة والحسنة، والقروض الرديئة، والقروض المشكوك في تحصيلها، والقروض السياسية، والقروض سيئة السمعة.
لكن ولأول مرة نسمع اليوم عن القروض "الكتيمي" باللهجة المصرية أو القروض المخفية التي يتم الحصول عليها والتوقيع عليها في الخفاء والظل، ورغم ضخامتها يتم التوقيع على عقودها داخل الغرف المغلقة.
هذه النوعية من القروض لا أحد يعرف أية تفاصيل بشأنها، ما حجمها، ما مدتها الزمنية، أي آجالها، هل هي قروض قصيرة الأجل مدتها عام، أم متوسطة تمتد إلى ما بين 3 و5 سنوات، أم هي قروض طويلة الأجل مدتها 20 سنة وربما أكثر، لا أحد يعرف أيضا سعر الفائدة المستحق على القروض الكتيمي، ما هو موعد سدادها، ما هي تكلفة التأخر في السداد، أي الجهات والمحاكم التي يتم اللجوء إليها في حال حدوث نزاع بين المقرض والمقترض؟"!!
القروض الكتيمي، خطرها أنه لا يعرف تفاصيلها سوى جهتين فقط، الأولى هي الجهة المقرضة، والثانية هي الجهة المقترضة.
أمس الإثنين، كشف طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري لنا عن نوع من القروض "الكتيمي" التي لا أحد يعرف تفاصيلها سوى الموقعين عليها؛ حيث أعلن أن مصر ستسدد 5.2 مليارات دولار لبنك التصدير والاستيراد الإفريقي قبل نهاية شهر ديسمبر المقبل أي بعد نحو شهرين وربما أقل.
السؤال: متي حصلت مصر على هذا القرض الكبير الذي يعد الأضخم في تاريخ الدولة المصرية والذي يتم الحصول عليه من جهة واحدة وخلال عام واحد؟ بالمناسبة، قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار سيتم منحه على فترة 3 سنوات بواقع 4 مليارات سنويًا.
إجابة السؤال جاءت في التقرير المنشور أمس الإثنين بوكالة رويترز، نقلاً عن جريدة "المال" وهي أنه تم الحصول على القرض "عقب تحرير سعر الصرف، أي في نوفمبر 2016، بغرض تعزيز موقف العملات الأجنبية لدى البنك المركزي"، وأن المديونية تتوزع بواقع 3.2 مليارات في شكل قرض قصير الأجل، وملياري دولار سيولة حصل عليها البنك المركزي عبر عملية إعادة شراء لأوراق مالية حكومية مع المصرف الإفريقي.
ولعل الغريب والمريب في الأمر، اصرار حكومات السيسي على اخفاء القرض، الضخم الذي منحه بنك التصدير والاستيراد الأفريقي عقب الحصول عليه مباشرة، ولماذا يتم إخفاء هذا القرض تحديدًا عن البرلمان والرأي العام المصري، علما بأن وزيري المالية والاستثمار لا يتركان مؤتمرًا ولا فرصة يلتقيان فيها بصحفيين إلا ويعلنان عن الحصول على قرض جديد، وكأن الحصول على قروض من الخارج هو بمثابة شهادة ثقة للاقتصاد المصري وحكومة شريف إسماعيل.
ويضيف عبد السلام: إعلان تفاصيل القرض "الكتيمي" قبل موعد سداده بشهرين يكشف لنا عن ثلاثة أمور خطيرة هي:
الأمر الأول: زيادة حجم الدين الخارجي لمصر بصورة متسارعة، فالدين الخارجي قفز بنسبة 38.4%، ليصل إلى 73.9 مليار دولار بنهاية شهر مارس 2017 حسب أحدث رقم أعلنه البنك المركزي مقابل 53.4 مليار دولار في شهر مارس من العام الماضي 2016، علما بأن رقم الدين الحقيقي ارتفع إلى نحو 77 مليار دولار عقب حصول الحكومة على قروض بقيمة 3 مليارات دولار نهاية شهر مايو الماضي عبر طرح سندات دولية، والسؤال هنا هل قرض البنك الأفريقي يدخل ضمن هذا الرقم؟
الأمر الثاني: وجود قروض مخفية عن أعين المصريين لا يعرفون عنها شيئا إلا قبل موعد استحقاقها، وبالتالي لا نستبعد الكشف عن قروض مخفية أخرى في المستقبل.
الأمر الثالث: بدء الحكومة والبنك المركزي مفاوضات لتجديد قروض قائمة ومد آجال سداد قروض مستحقة مثل ودائع دول الخليج بقيمة 5 مليارات دولار، واتفاقية تبادل عملات مع الصين بقيمة 2.76 مليار، وسندات دولية بقيمة 1.360 مليار دولار، اللافت هنا أن الحديث عن التجديد يصاحبه إعلان الحكومة الانقلابية عن اقتراض 10 مليارات دولار من الخارج عبر طرح سندات في الأسواق الدولية.
ويبقى الأمر المخيف، أن يستيقظ المصريون ليجدوا أنفسهم مطالبين بسداد عشرات من القروض المخفية عنهم، وذلك على غرار قرض بنك التصدير والاستيراد الإفريقي، البالغ قيمته 5.2 مليارات دولار، والذي لم يعرفوا عنه شيئاً سوى قبل موعد سداده بشهرين.
مصر على طريق الاحتلال ورغم تلك القروض المتزايدة يوما بعد يوم، ما زال العجز بالموازنة المصرية متصاعدا .ولم ت تشفع تلك الأموال والمنح لدى الاقتصاد المصري، الذي تتصاعد أزماته يوما بعد الآخر...وهو ما يعد فشلا منقطع النظير لادارة السيسي الاقتصادية ، قد يرقى لمخطط لرهن مصر لمن يدفع.
نفس المشهد تكرر في القرن التاسع عشر حينما بدأ الخديوي سعيد في الاستدانة ثم تطور الأمر في عهد الخديوي اسماعيل - الذي حكم مصر بين عامي 1863 و1879- باالتوسع في الاستدانة من الغرب ونوادي باريس ولندن، وهو ما انتهى لاحتلال مصر في العام 1882م...بعد وصول الدين الخارجي إلى 53 مليون دولار.
وهو سيناريو ليس بعيدًا عن مصر في الوقت الراهن، في ظل حكم العسكر.
35 قرضًا خارجيًا
يشار إلى أنه في أقل من 4 سنوات تعاطى السيسي نحو 35 قرضا خارجيا، بجانب المساعدات الخليجية التي جاءت لتثبيت الانقلاب العسكري في مصر، وما زالت المحصلة صفرية، فلا اقتصاد تحسن ولا ديون توقفت حتى بات نصيب كل مولود مصري من الديون نحو 2634 دولارًا، وهذا الرقم يعني أ كل فرد بات مديونا بنحو 47412 جنيها، واذا كانت الاسرة مكونة من 6 أفراد، فان كل اسرة ستكون مدينة بنحو 300 ألف جنيه.
ولجأ "السيسي" إلى الاقتراض نحو 35 مرة ، خلال الفترة من 2014 حتى 2016، من دول وبنوك دولية ومؤسسات نقدية حول العالم، بإجمالي قروض يفوق ال50 مليار دولار، أي ما يعادل نحو تريليون جنيه مصري.
وحصل "السيسي" على 16 قرضًا في 2014 بقيمة 2 مليار و728 مليونًا و391 ألف دولار، كما حصل في عام 2015 على 19 قرضًا بقيمة 28 مليار و800 مليون و832 ألف دولار، ليصبح إجمالي القروض التي حصل عليها حتى نهاية 2015 حوالي 31 مليارًا و529 مليونًا و223 ألف دولار.
وبجانب القروض ، وصل عدد المنح المالية نحو 26 منحة خلال أعوام 2014-2015-2016، قيمتها 10 مليارات و242 مليونًا و255 ألفا و250 دولارًا، ليصبح قيمة القروض والمنح التي حصل عليها حتى نهاية العام 2016 نحو 41 مليارً و771 مليونً و478 ألفًا و250 دولارًا.
أحدث قروض
وفي العام 2017، اقترض السيسي نحو 20 مليار دولار من الخارج في أقل من عام. ورغم انتعاش الاحتياطي النقدي -القائم على الديون- تدرس حكومة السيسي طرح سندات دولية بقيمة 8 مليارات دولار، كما تستهدف مصر بشكل أولي طرح سندات بقيمة 1.5 مليار يورو قبل نهاية نوفمبر المقبل.
ومع مطلع العام 2018 ستطرح سندات ما بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار . وقبل أيام خرج وزير القروض "المالية" عمرو الجارحي ليعلن عن عزم الحكومة اقتراض 10 مليارات دولار من الخارج، مبررًا ذلك بأن الحكومة مطالبة بسداد أكثر من 11 مليار كاشفا عن فجوة تمويلية بين ايرادات الدولة والمصروفات تتراوح بين 10 - 12 مليار دولار.