الزراعة: ذبح أكثر من 9800 أضحية مجانا في المجازر الحكومية خلال أول أيام عيد الأضحى    وزير التموين: استمرار عمل المجمعات الاستهلاكية خلال أيام العيد    سعر الفراخ اليوم الحمعة 6 يونيو 2025    الأسهم الأمريكية تصعد بعد تقرير الوظائف القوي.. وستاندرد آند بورز 500 يلامس مستوى 6000    واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران تشمل شركات في الإمارات وهونغ كونغ    كل أهداف الترجى التونسى فى كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد غيابه عن مشهد التتويج.. حسين لبيب يحتفل بحصد الزمالك لقب كأس مصر    مباراة المغرب ضد تونس مباشر اليوم.. الموعد والمعلق والقنوات الناقلة    بوروسيا دورتموند يحاول التعاقد مع بيلينجهام قبل مونديال الأندية    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب ملاكي على صحراوي قنا    فرحة العيد ب5 جنيهات.. ركوب "التروسيكل وعربات الكارو" وسيلة احتفال الأطفال بقرى كفر الشيخ بعيد الأضحى    حاملًا سلاحًا في بوستر «7DOGS».. ويُعلق: «زيزو مش في الفيلم.. أنا في الأهلي»    أرقام موسم عيد الأضحى في 10 سنوات: تامر حسني الأكثر استمرارية وكريم وعز يتصدران الإيرادات    جولات العيد في المنيا.. وكيل وزارة الصحة تتفقد عددا من المستشفيات وتطمئن على جاهزيتها    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني: مقترح ويتكوف منحاز بشكل فاضح ضد حماس    محافظ الإسماعيلية يتفقد المجمع الطبى بحى ثالث فى أول أيام عيد الأضحى    التأمين الصحي في كندا    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    ياسر جلال يحتفل بالعيد مع الفنان مصطفى أبو سريع بفيديو كوميدي    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يلتقي نظيره البرازيلي في جنيف    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    حمزة العيلي يكشف تأثير فيلم «إكس لارج» على الجمهور وأجره المتواضع في العمل    محافظ الدقهلية يزور الأطفال الأيتام في أول أيام عيد الأضحى    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    جاسمين طه زكي: نشأت في بيت سياسي ودخولي الإعلام قوبل باستهجان    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى من حديقة الميريلاند    مراسلة "القاهرة الإخبارية": المصريون يقبلون على الحدائق العامة للاحتفال بعيد الأضحى    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    السياحة تشكل غرفة عمليات لتلقي الشكاوى خلال إجازة عيد الأضحى    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    المثلوثي: جمهور الزمالك نمبر 1.. وناصر منسي: سنبني على تلك البطولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس مؤسسة الأهرام ينقلب على السيسي ويؤكد: "صنافير وتيران" مصريتان

بعد أن رفضت صحيفة الأهرام نشر مقال رئيس مجلس إدارتها الدكتور أحمد السيد النجار، للأسبوع الثاني على التوالي، قام "النجار" بنشر مقاله على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. في مقاله، يسرد "النجار" بعض الحقائق التاريخية التي تؤكد تبعية جزيرتي «تيران وصنافير» لمصر.
ويؤكد النجار أن المجتمع الدولي، وحتى الكيان الصهيوني، أقر بملكية مصر للجزيرتين عبر اتفاقيات التسوية السياسية، مشيرا إلى أنه لاعتبارات عملية، فإن معالجة هذه القضية ينبغي أن تنطلق من قواعد الحق والحقائق والعدل والصالح العام لمصرنا العظيمة، ولأمنها القومي وللاستقرار الإقليمي.
وفيما يلي نص المقال:
تعلو الحقائق على الآراء مهما كانت وجاهتها، وينبغي أن تكون الحقائق الجغرافية والسياسية والإنسانية والعسكرية هي المحدد للموقف من قضية جزر تيران وصنافير سواء في النقاش البرلماني أو النخبوي أو الشعبي حتى تتجاوز مصر قضية الجزيرتين بشكل آمن قائم على قواعد الحق والحقيقة. وهذا التجاوز الآمن ضرورة قصوى لبلد تعرض لما فيه الكفاية من الاضطراب السياسي والأمني، ويحتاج إلى درجة عالية من النضج في معالجة أي قضية، وإلى بناء التوافق الوطني بشأن القضايا المصيرية قبل اتخاذ أي قرار بشأنها. وإذا كان الاستعمار الأوروبي قد ترك ألغاما في تقسيم الحدود بين الدول، فإن المصالح الوطنية والعلاقات بين الأشقاء في الإقليم العربي تتطلب معالجة هذه الأمور بحكمة وبصورة تحافظ على قوة ومتانة تلك العلاقات.
وإذا بدأنا بالتاريخ، فإن البحر الأحمر كان أقرب لبحيرة مصرية على مر التاريخ من عهد المصريين القدماء، حيث لم تكن هناك قوى أو دول أخرى على الضفة الشرقية للبحر حينما كانت السفن المصرية في حركة دائبة عبر ذلك البحر لتمرير التجارة مع شرق إفريقيا، ومع بعض القبائل المتناثرة على الضفة الشرقية عندما ظهرت في عصور متأخرة بعد بدء الحضارة والدولة في مصر بآلاف السنين.
وفي العصور الوسطى كان، البحر معبرا للتجارة بين الشرق والغرب، وكانت الرسوم التي تحصلها الدولة المملوكية من تلك التجارة التي تمر عبر البحر والبر المصري سببا مهما في ثرائها. وقاتلت الدولة المملوكية التي كانت تحكم مصر دفاعا عن ممرها التجاري ضد البرتغاليين في معركة "ديو" البحرية في البحر العربي، بعد أن اجتازت البحر الأحمر لملاقاة البرتغاليين الذين كانوا يدشنون الممر الملاحي الدولي الجديد عبر رأس الرجاء الصالح.
وإذا تركنا التاريخ القديم والوسيط، فإن تأسيس الدولة الحديثة في مصر منذ عصر محمد علي وابنه إبراهيم باشا باعث العسكرية المصرية، والذي قاد الجيش المصري لأعظم الانتصارات، بنى التأكيد التاريخي على مصرية البحر الأحمر وخليج العقبة والجزر الواقعة فيه.
وعندما حان وقت الانفصال الرسمي بين مصر والدولة العثمانية أو بين الخديوية الجليلة المصرية والدولة العلية، على حد تعبير أنطون صفير بك، في موسوعته "محيط الشرائع"، تم وضع حدود مصر في خليج العقبة والحدود مع كل من ولاية الحجاز العثمانية ومتصرفية القدس، والتي كانت ضمن أهم السندات المصرية في استعادة طابا من الكيان الصهيوني.
وفور عقد تلك المعاهدة في 1 أكتوبر 1906 قام الجيش المصري باحتلال مواقعه في جزيرتي تيران وصنافير؛ تأكيدا للسيادة المصرية عليهما بعد الاستقلال الكامل عن الدولة العثمانية، وطبقا لما تم الاتفاق عليه في تلك المعاهدة. ولا بد من الإشادة بالمستشارة الجليلة هايدي فاروق؛ لسعيها الدؤوب لتوثيق الحقائق والخرائط المتعلقة بملكية الجزيرتين، وهذا التوثيق لا بد من الاستفادة منه في البرلمان والجدل العام حول هذه القضية.
الحفناوي وهيكل وتبعية الجزيرتين
في كتابه "قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة" (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1956)، يشير الدكتور مصطفى الحفناوي، أحد أبطال تأميم قناة السويس، إلى جزيرتي تيران وصنافير بقوله (ص 462) "أما عن الجزيرتين اللتين احتلتهما مصر في خليج العقبة فهما جزيرتان مصريتان سبق أن احتلتهما القوات المصرية عام 1906 أثناء وضع الحدود بين مصر والبلاد العثمانية، فلم يكن في ذلك الاحتلال مفاجأة. ومنذ أن انتهت العلاقة بين مصر والدولة العثمانية ظلت الجزيرتين مصريتين". ولم تكن المملكة العربية السعودية قد تأسست أصلا في ذلك الحين إذ أنها أصبحت دولة عام 1932".
ويضيف الحفناوي، في موضع آخر من كتابه (ص467)، "لكن مصر اكتفت بمباشرة هذه الحقوق (يقصد حقوق تفتيش السفن الأجنبية العابرة في مياهها الإقليمية) في موانيها، وفي مياهها الداخلية، أي قناة السويس وخليج العقبة، وهذا الأخير هو مياه إقليمية".
وفي 29 يوليو عام 1951، كتب السفير البريطاني في مصر رالف ستيفنسون خطابا لوزير الخارجية المصري هذا نصه: "كُلفت من حكومتي أن أبلغ معاليكم أن المملكة المتحدة مستعدة للاتفاق بشأن السفن البريطانية ما عدا السفن الحربية، تلك السفن التي تمر رأسا من السويس إلى الأدبية أو إلى العقبة، وذلك بأن تقوم السلطات الجمركية المصرية في السويس أو في الأدبية بعد تفتيش السفن ومنح شهادة بذلك، بإخطار السلطات البحرية المصرية في جزيرة تيران حتى لا تقوم بإجراء زيارة (زيارة تفتيش) أخرى لتلك السفن. ومن الناحية الأخرى ستخضع جميع السفن البريطانية للإجراءات العادية حينما تمر بمياه مصر الإقليمية، وسأكون ممتنا لو تفضلتم معاليكم بالإفادة بقبول الحكومة المصرية للاتفاق المشار إليه"، وهذا النص منشور في كتاب "قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة" ص 471.
وهكذا فإن بريطانيا وهي دولة الاحتلال لمصر المستقلة جزئيا آنذاك، تقر بالسيادة المصرية على جزيرة تيران، بل وتقر بسلطة التفتيش المصرية القائمة في جزيرة تيران كسلطة لتفتيش السفن العابرة في خليج العقبة. وللعلم فإن من يقرأ الكتاب سيلمس شعورا عربيا قويا وموقفا شديد الإيجابية تجاه المملكة العربية السعودية من الدكتور مصطفى الحفناوي، مؤلف الكتاب، بما يعني أن ما كتبه لا ينبع من عداء للمملكة، بل هو انتصار للحق ولحقائق التاريخ السياسية والجغرافية.
وحتى النص الذي اقتبسه البعض، وتم ترويجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي من كتاب "سنوات الغليان"، للراحل الكبير محمد حسنين هيكل، تم تفسيره بصورة غير دقيقة؛ للإيحاء بأنه يؤيد تبعية الجزيرتين للملكة العربية السعودية. ويشير النص الوارد في ص 91 من الكتاب المذكور إلى أن "السياسة المصرية استقرت على خيار يعطي للملك سعود، ملك المملكة العربية السعودية، مهمة مواصلة بحث هذه القضية (قضية المرور الصهيوني من خليج العقبة) مع الإدارة الأمريكية. وكان هو من أكثر المتحمسين لهذا الخيار على أساس عدة اعتبارات، أولها أن جزيرتي صنافير وتيران التي كانت مصر تمارس منهما سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية في الخليج هي جزر سعودية وضعها (الملك سعود) تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض.
والنص هنا يشير بوضوح إلى الاعتبارات الموجودة لدى الملك سعود التي جعلته يتحمس للقيام ببحث هذه القضية مع الأمريكيين، وهي لا تعني أن تلك كانت قناعة مصر أو هيكل بشأن تبعية الجزيرتين. ومن البديهي أن موقف هيكل من تبعية الجزيرتين لا يختلف إطلاقا عن موقف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من هذه القضية، وهو الذي كان المنظر الأهم للعهد الناصري في الشأن السياسي الداخلي وفي العلاقات الدولية والإقليمية. وموقف الزعيم جمال عبد الناصر موثق بشأن يقينه المبني على الحقائق والتاريخ بأن الجزيرتين مصريتان.
وسواء في التاريخ القديم أو الوسيط أو الحديث والخرائط المتاحة من تلك العصور، فإن الجزيرتين والبحر الأحمر وخليج العقبة كانت تحت سيادة مصر أيا كانت الدولة التي تحكمها.
وعندما تم احتياح الجزيرتين للدفاع عنهما وبذل الدماء من أجلهما في الصراع مع الكيان الصهيوني، الذي تأسس بالاغتصاب ويستمر بالعدوان، لم يكن هناك سوى مصر وجنودها الذين دفعوا أرواحهم دفاعا عن الجزيرتين ووثقوا بالدم ملكية مصر لهما فالأرض، لمن يستقر فيها ويرتبط تاريخيا بها وبتفاصيلها، ويدافع عنها عندما تتعرض للأخطار والأطماع.
وعندما عقد الرئيس الأسبق أنور السادات اتفاقيات التسوية مع الكيان الصهيوني (كامب ديفيد عام 1978، واتفاقية التسوية عام 1979) شملت التريبات الأمنية جزيرتي تيران وصنافير باعتبارهما جزيرتين مصريتين طبقا للحدود المصرية المعترف بها دوليا ولدى الأمم المتحدة.
ولأن حدود الدول تتأسس عبر التاريخ طبقا لفقه أو أصول تأسيس الأوطان والدول، فإنه من المفيد إلقاء نظرة سريعة على أصول وآليات تأسيس الأوطان والدول.
أصول تأسيس الأوطان والدول
تتأسس الأوطان حين تكف الجماعات البشرية عن الترحال وتستقر في أرض محددة ترتبط حياتها وأمنها بمفرداتها وبمواردها. وتكون تلك الجماعات مجتمعا مستقرا مستعدا للدفاع عن تلك الأرض ضد أي جماعات أخرى طامعة فيها. وتتعمد ملكية الجماعات البشرية للأرض في صورة وطن بالبذل والتضحية والدماء والأرواح في معارك الدفاع عنها. وتفرز المنعطفات التاريخية للشعوب بالذات في معارك الوجود والمصير، أبطالا يتحولون إلى رموز للمجد وللقوة المعنوية التي يمكن استلهامها في أوقات الأزمات. كما أن الأديان البدائية رفعت حدود الدولة إلى مرتبة القداسة؛ لجعل الدفاع عنها واجبا مقدسا قبل أن تحوله الدول الوطنية إلى واجب وطني وأخلاقي وقانوني. كما أن بعض الأماكن الدينية المقدسة تتحول إلى رمز للأمة يستنهض همم وأرواح أبنائها، ويشعل نيران الوطنية المقدسة لمواجهة أي معتد على تلك الأماكن المقدسة. وحتى الفن كآلية للحشد والتعبئة من قديم الأزل يلهب حماس الجماهير برموز الأمة وأبطالها وقدسية حدودها ومقدساتها. وفي رائعة السنباطي وأم كلثوم وصالح جودت "الثلاثية المقدسة" نجد نموذجا بديعا لاستنهاض الأمة للدفاع عن مقدساتها.
وعودة لفقه تأسيس الأوطان، فإن بعض الجماعات البشرية تستقر أحيانا في موقعين بالتبادل بصورة موسمية مرتبطة بتغيرات الطقس، ويصبح كلاهما موطنا ومستقَرا بالذات بالنسبة للجماعات البشرية التي تمتهن الرعي.
وتشير خبرات التاريخ إلى أن الجماعات المرتحلة ما قبل الوطن والدولة تكون باختيارها أو بإجبار الظروف لها جماعات محاربة سواء للدفاع عن نفسها إزاء الجماعات التي تجابهها أثناء الترحال، أو للإغارة والسلب من الجماعات المستقرة المنتجة، أو لقطع طريق القوافل والعيش من عائد السلب والنهب والسبي والهروب من انتقام الجماعات التي قامت بالاعتداء عليها أو على قوافلها. لكنها في النهاية وعلى مدار التاريخ وما ينبئنا به تستقر بعد ذلك وتؤسس وطنا ودولة، أو تذوب كليا في كيان آخر، أو تندثر إذا تلقت هزيمة ساحقة ونهائية من دولة أو جماعة أخرى.
ويمكن أن تؤسس الجماعات البشرية وطنا تعيش فيه لحقب طويلة بلا دولة في نظام تحكمه الأعراف، ويتسم بسيادة النموذج العائلي القائم على مساهمة الجميع في العمل واقتسام الناتج حسب الحاجة بصورة قائمة على التضامن وفقا للقيم العائلية.
لكن خبرة التاريخ تشير إلى حتمية تأسيس الدولة كبناء فوقي يفرزه المجتمع لمواجهة التحديات التي تواجه المجتمع من جماعات طامعة في أراضيه، أو لإدارة الانقسامات التي تتولد داخله بسبب التفاوت في القوة والاستحواذ والسيطرة والملكيات والدخول حتى لا تقوم المجموعات المتنافرة المواقع والمصالح بتدمير بعضها البعض وتدمير الجماعة كلها والوطن نفسه.
الوطن لا يُعار في الوغى ويُستعاد وقت السلم
لا يرد ضمن تصنيف الوطن أن تقوم دولة بالتنازل عن أرض تحت سيادتها إلى دولة أخرى، لتقوم عوضا عنها بالدفاع عن تلك الأرض في مواجهة الطامعين. فهذا التخلي عن أرض تحت السيادة تفاديا لدفع الدم دفاعا عنها، يخرجها من تعريف أرض الوطن بالنسبة للدولة التي قامت بالتخلي عن تلك الأرض، ويدخلها بشكل أصيل وعميق ضمن حدود الوطن للدولة التي قامت بالدفاع عنها. وفقه تأسيس وحماية الأوطان لا يتضمن التخلي أو التأجير، فالوطن ليس غرفة للإيجار، ولا يُعار للآخرين زمن الحرب الدفاعية عنه، ويُستعاد بعد انتهاء الحرب وعقد التسويات السياسية. وبالتالي فإن القول بأن المملكة العربية السعودية تنازلت عن الجزيرتين لمصر لتفادي ما يقتضيه الدفاع عنهما من مواجهة مع الكيان الصهيوني الطامع فيهما، وأن لها الحق في استعادتهما، هو قول يتناقض كليا مع معنى الوطن ومقتضيات الانتماء له، فضلا عن أن الجزيرتين كانتا قبل تأسيس المملكة العربية السعودية تابعتين لمصر، وهي المالك الأصلي لهما على مدار التاريخ.
الوطن والدولة في مصر
خلال العصر المطير فيما يسمى الآن بالصحراء الكبرى، والذي انتهى قبل الميلاد بعشرة آلاف عام، كانت صحارى مصر الغربية والشرقية الحالية مكسوة بغطاء خضري وتعج بالقطعان وبجماعات بشرية، بعضها عملاق والبعض الآخر كبير أو متوسط أو صغير. وكانت وحدة الأصل أو وحدة الظروف الطبيعية تجمعها وتخلق رابطا عميقا بينها. وعندما انتهى العصر المطير وبدأ الجفاف الرهيب يضرب تلك الأرض وأنهارها التي صارت وديانا جافة، بدأت الجماعات البشرية في الصراع على موارد المياه، أو الارتحال الاضطراري إلى مواقع جديدة تتوفر فيها سبل الحياة وأولها المياه. واتجهت الكتلة الأكبر إلى وادي نهر النيل والدلتا العظيمة لتكون المجتمع المصري المستمر بذلك التكوين الأساسي رغم كل عواصف التاريخ والمجموعات الصغيرة المهاجرة التي اندمجت فيه.
واستقرت بعض الجماعات حول ينابيع المياه في الواحات الباقية كشاهد على الحياة في قلب الصحراء. وارتحلت جماعات كبيرة أخرى باتجاه البحر المتوسط لتكوِّن بلدان شمال إفريقيا، حيث استمرت معدلات سقوط الأمطار كافية لتأمين الحياة للإنسان والنبات والحيوان.
وتوحدت أقاليم مصر في الوحدة الأولى في الألف السادسة قبل الميلاد. وبعد زمن طويل على بداية تلك الوحدة، تفككت مصر مرة أخرى لمدة ألف عام تقريبا. وذاق الشعب المصري الأمرين من صراعات الأقاليم خلال عصر التفكك. وعندما توحدت مصر ثانيا في عهد الملك مينا قرابة عام 3200 قبل الميلاد، رفع المصريون الدولة في ضمائرهم إلى مرتبة القداسة. وصاروا يقبلون ظلم الدولة ولا يقبلون هوانها أو انهيارها، وهو ما فسره البعض ممن يجتزئون التاريخ على أن الشعب المصري شعب لا يثور. لكن الثابت تاريخيا أنه يريد الحفاظ على دولته المقدسة، لكن عندما يزيد الظلم فإن الشعب تكون ثورته كالطوفان. وقد ثار الشعب المصري وأنهى الدولة المصرية القديمة. وعندما انتهت الدولة الوسطى باحتلال الهكسوس (حقخاسوت أو حكام البلاد الأجنبية) لمصر لما يقرب من قرنين من الزمان لم يمت الإيمان بالوطن أو بحدوده المقدسة. وقادت الأسرة ال17 نضال الشعب المصري ليسحق الغزاة ويمحو ذكرهم من الدنيا. وانطلقت مصر منذ عهد الأسرة ال18 لتكون إمبراطورية شاسعة من قلب إفريقيا جنوبا، إلى قلب الصحراء الكبرى غربا، إلى جرابلس شمالا حيث توجد حتى الآن مسلة تحتمس الثالث أعظم الملوك المحاربين على الحدود السورية-التركية، إلى العراق شرقا، حيث ولدت الملكة "تي" في مملكة ميتاني في شمال العراق، وأهدتها أسرتها الحاكمة هناك والتي كانت تدين بالولاء لمصر إلى الملك أمونحتب الثالث، وأنجبت له إخناتون أول الموحدين. لكن رغم ذلك ظل تعريف الوطن لدى المصريين قاصرا على مصر الأصلية دون ممتلكاتها، فمصر لم تنزع للاستحواذ على الآخرين، ولم تخرج من حدودها إلا لرد العدوان وتأمين الكنانة المحروسة.
وكان تعريف الوطن والمصري عند المصريين القدماء يرتبط بنهر النيل، فالوطن يبدأ من منطقة الشلالات القديمة في أقصى النوية، حيث اعتبروا أن النيل ينبع من الإله "نون"، رب المياه الأزلية عند المصريين القدماء، ويمتد حتى المصب في البحر المتوسط. أما المصري فهو من يشرب من مياه النيل من مجراه من نقطة الشلالات وحتى المصب. ومع الرحلات التجارية في البحر الأحمر إلى شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية التي كانت تسكنها أقوام بدائية آنذاك، أصبح البحر الأحمر "بحيرة" مصرية. وقام المصريون القدماء بربط النيل بالبحر الأحمر بقناة سيزوستريس التي تم حفرها في عهد سنوسرت الثالث. ولم تكن هناك قوة تنازعهم في ذلك البحر كله. وبعد أن خضعت مصر لسلسة مدمرة من الاحتلالات الأجنبية استمر المحتلون في اعتبار حدود مصر القديمة هي حدودهم أثناء احتلالهم لها.
وإذا انتقلنا من العصر القديم إلى العصور الوسطى سنجد أن الأمر استمر كذلك. وكما ورد آنفا فقد قاتل المماليك الذين كانوا يحكمون مصر دفاعا عن الممر التجاري بين الشرق والغرب عبر مصر، لكنهم خسروا معركتهم ضد البرتغاليين. ومع تأسيس الدولة الحديثة في مصر مع وصول محمد على باشا الكبير للحكم، أحكمت مصر سيطرتها على إرثها التاريخي في البحر الأحمر وخليجي السويس والعقبة، وأكدت ملكيتها لجزر تيران وصنافير حينما انفصلت رسميا عن الدولة العثمانية من خلال اتفاقية عام 1906.
ولم يقطع هذا السياق الخالص لملكية مصر للجزيرتين على مر التاريخ سوى قيام بريطانيا التي كانت تحتل مصر بنقل تبعية الجزيرتين للملكة العربية السعودية عند تأسيسها عام 1932، حيث وقفت بريطانيا بكل قوتها وراء تأسيسها بعد أن أنهت حلم الشريف حسين ببناء دولة عربية كبرى تضم المشرق العربي بأسره. وعندما حانت ساعة الحقيقة وتعرضت الجزيرتان للتهديد من الكيان الصهيوني، أعادت المملكة العربية السعودية الجزيرتين لمصر للدفاع عنهما وعمدت مصر ملكيتها لهما واستعادتهما للوطن الأم بالدم في معارك الدفاع عنهما. وأقر المجتمع الدولي وحتى الكيان الصهيوني بملكية مصر للجزيرتين عبر اتفاقيات التسوية السياسية. ولاعتبارات عملية فإن معالجة هذه القضية ينبغي أن تنطلق من قواعد الحق والحقائق والعدل والصالح العام لمصرنا العظيمة ولأمنها القومي وللاستقرار الإقليمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.