وصفت شيماء بهاء الدين -الباحثة المتخصصة في العلوم السياسية- الاجتياح البري لغزة الذي أعلنه الكيان الصهيوني بأنه عنوان جديد لعدد من الحقائق أولها وأهمها فشل المنظومة الصاروخية المتطورة لكيان الاحتلال في مواجهة هجمات المقاومة، تأكيدًا لحقائق التاريخ التي لا تعترف بالمعايير المادية في العلاقة بين محتل ومقاوم. ولكن ذلك الهجوم البري على جانب آخر سيضع كلاً أمام مسئوليته دون مواربة، فكيف ستتصرف سلطات الانقلاب إزاء المعابر مع ما يتوقع من ازدياد في أعداد الضحايا؟! إن ما أُعلن إلى الآن أن المعبر مغلق يوم الجمعة كالعادة، وكأن شيئًا لم يحدث. ولكن لمَ التساؤل وقد بدا واضحًا وكأن سلطات الانقلاب شريك أساسي في التصعيد، حين تُردد أن عدم قبول المبادرة المزعومة هو المسئول عما سيعانيه الفلسطينيون. بالتأكيد أن مثل تلك الأفعال المتجردة من مسئوليات الأمن القومي ووحدة اللغة والعقيدة ستكون المسمار الأهم في نعش انقلاب دموي في ذاته وفي تحالفاته. وترصد "بهاء الدين" أنه قد تعددت الدلالات الإيجابية والتحولات النوعية التي أفرزتها اللحظة الراهنة، فإن كتائب القسام المقاومة صنعت ما لم تستطع ولم ترد الجيوش المنشغلة بالسياسة تحقيقه، ها هي تصيب الكيان الصهيوني بالذعر بفضل طائرات وصواريخ صنعتها بنفسها، وصلت إلى العمق الكيان الصهيوني، ذلك النهج ما أبته قوى الفساد حين أراد الرئيس د.مرسي تحقيقه لبلاده.بأن تملك مصر سلاحها ودواءها وغذاءها. هذا كما أن ثبات المقاومة تمكن رغم فارق القوى المادية من إضعاف ليس فقط الكيان الصهيوني وإنما كذلك أضعف من التأثير الأمريكي على مجرى الحدث. وانكشفت كما ينكشف مع كل عدوان وكل مجزرة ترتكبها قوى الاستبداد والظلم عدم مصداقية ما يدعيه الغرب من قيم الحرية وحقوق الإنسان. وأضافت في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" وإذا نظرنا إلى الصورة الإقليمية متكاملة يمكن القول إن رمانة الميزان لم تعد النظم المستبدة وإنما قد أضحت في يد الشعوب التي ستستمر مقاومة ومبدعة، كما نرى حال المقاومة الفلسطينية التي تمكنت من اختراق التليفزيون الإسرائيلي، ولا تقتصر على الأساليب التقليدية في المواجهة. فعلى الاحتلال والانقلاب وداعميهما سواء بالصمت أو تهيئة الظروف، عليهم أن يدركوا أنهم خاسرون لا محالة. فصمت وتواطؤ من تعالت أصواتهم لدعم الانقلاب في الداخل والخارج لم تمنع الشعوب من التوحد حول قضية الأمة القضية الفلسطينية، وكانت شعارات دعم القضية حاضرة في القلب من مظاهرات رفض الانقلاب فضلا عن حملات الدعم التي تم القيام بها، ولم تجد سلطات الانقلاب لديها من الخجل شيئًا يمنعها من إلقاء القبض على القائمين عليها. وأكدت "بهاء الدين" أنه رغم ما يحمله كل عدوان صهيوني جديد على غزة من ألمٍ وحزن يعجز الكلام عن وصفه، فإن كل عدوان يحمل معه ليس فقط الدلالات الكاشفة وإنما يكون ما بعده نقطة تحول في الخريطة الإقليمية. فعدوان 2008 -2009 كشف عن تحولات واضحة في موقف قوة إقليمية أساسية هي تركيا التي اتخذت مواقف مساندة للشعب الفلسطيني وكانت المواجهة الشهيرة بين "أردوغان" و"بيريز" في "دافوس"، كل هذا وسط مواقف متخاذلة من الأنظمة العربية المستبدة تلك المواقف التي كانت عنصرًا أساسيًا في تغذية الغضب الشعبي على هذه النظم، حيث الشعوب التي رفضت الخنوع والاستسلام، فكانت ثوراتها. إن العدوان الصهيوني على غزة كان له نتيجتين في غاية الأهمية، ألا وهما الصمود الرائع لغزة الذي جعل الكيان الصهيوني يتوسل لإنهاء المواجهة، أما النتيجة الثانية فكان ما بدا من دور مصري أبي وفاعل يعبر حقًا عن طموحات شعب ثائر على الاستبداد والتبعية ورئيس منتخب يعي جيدًا أن عليه انتهاج سياسات على قدر طموح ومكانة شعبه، وتطابقت الأقوال مع الأفعال، فالرئيس الدكتور محمد مرسي الذي قال: "لبيك يا غزة".."لغزة ليست وحدها، وغزة منا ونحن منها، أرسل رئيس وزرائه د.هشام قنديل إلى القطاع وقام على مبادرة تحفظ الحقوق والكرامة لإخواننا الفلسطينيين.فتهدمت فعلا تحالفات الكيان الصهيوني التقليدية والتي كان محورها أنظمة فاسدة مستبدة. أما العدوان الراهن بحسب "شيماء" فكشف أيضًا عن أمور تبدلت، بينها ما سلبي وما هو إيجابي، وتعد الكارثة الأخطر التي كشف عنها هذا العدوان هو ما أصاب الدور المصري من وهن مرة ثانية على أيدي سلطات الانقلاب. وإن موضع الوهن ليس مجرد البيانات الهزيلة التي تتحدث عن عنف وعنف مضاد في مساواة بين محتل ومقاوم، وإنما تمثل في عدة مظاهر أساسية أولها إغلاق معبر رفح وعدم فتحه سوى سويعات لا تكفي لنقل مئات الجرحى المحتاجين إلى العلاج بمصر، لتكون سلطات الانقلاب الحلقة الأقوى في إحكام الحصار على القطاع. أما المظهر الثاني، فكان تلك المبادرة المزعومة التي استنسخت بنود من مبادرة مصر الثورة في عام 2012، وشوهت بنودًا أخرى على نحو يخدم أهداف الصهاينة والانقلاب المشتركة وأهمها إضعاف المقاومة للاحتلال، تلك المقاومة التي يعاديها الانقلاب لمرجعيتها الإسلامية، ولكن كيف كان يتوقع أن يكون الانقلاب وسيطًا نزيهًا بين طرفين هما احتلال دعمه دوليًا منذ وقوعه، ومقاومة صنفها الانقلاب إرهابًا في إطار حملة ظالمة لتصفية حساباته الداخلية مع السلطة الشرعية. ولفتت "بهاء الدين" إلى أن سلطات الانقلاب وكأنها أرادت بهذه المبادرة التي هي على يقين بأن "حماس" سترفضها لأنها لم يتم التشاور معها بشأنها، كما أنها لم ترفع الحصار، وكأنها أرادت تقديم غطاءً زائفًا للصهاينة للاستمرار في جرائمهم، بل إن ذلك ما عبر عنه مسئولو الكيان الصهيوني.لنأتي إلى المظهر الثالث، وهو موقف إعلام الانقلاب الذي لم يدخر جهدًا لتبرير الجرائم الصهيونية بلا أي استحياء، فتارة تجد من يقول أن "حماس" قد استفزت إسرائيل، وأخرى تجد من يطالب الكيان الصهيوني بدك "حماس" ويوجه له الشكر. وحذرت من أنه في وسط هذا كله يتبدد ما أحرزته الثورة المصرية عبر مؤسساتها المنتخبة من مكانة على الصعيد الإقليمي، مكانة كانت أهم عمدانها المكون القيمي المدافع عن حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة، ولكن لا غرابة على الإطلاق وقد تشاركا الانقلاب وإسرائيل في منطق الفعل في كثير من الأمور بداية من قتل النساء والأطفال، وحتى اغتصاب الحقوق بلا وازع من ضمير. ولا شك أن مشهد استهداف عائلة فلسطينية على أحد الشواطئ (وهو مشهد متكرر) ليذكرنا بقتل أطفال رابعة وهم لا يزالون يمسكون بألعاب العيد. وختامًا تؤكد أن شهداء غزة قد أحيونا.