قالت شيماء بهاء الدين -الباحثة المتخصصة بالعلوم السياسية-: إن قضية غزة تعد مؤشرا على مصداقية القائلين بمساندة القضية الفلسطينية سواء في العالم الإسلامي أو على المستوى العالمي. متسائلة فهل يصمد المدافعون عن حقوق الإنسان أمام الإجرام الإسرائيلي؟ وهل يثبت المختلفون فكريا مع حماس من قوميين وغيرهم على مواقفهم الداعمة للقضية الفلسطينية إذا ما تعرضت غزة للعدوان؟! وبرأيها يقول الواقع إنه ليس الجميع ينجح في الاختبار، فكثيرا ما تكون ازدواجية المعايير هي سيدة الموقف. ورصدت "بهاء الدين" في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" ثلاث مرات من العدوان على غزة (2008، 2012، 2014)، مؤكدة أن مقارنة الوضع بالحالات الثلاث تعكس الكثير من الأمور على صعيد الإدارة المصرية للأزمة، بل كانت طبيعة الإدارة المصرية محركا أساسيا لمسار الحدث. ففي المرة الأولى في 2008 أعلنت وزيرة خارجية الكيان الصهيوني عن العدوان من القاهرة، ولا عجب من ذلك وقد كانت القاهرة حينها تكمل المهمة الإسرائيلية في حصار قطاع غزة عبر غلق المعابر مدعية التزام قانوني لا وجود له في الحقيقة! أما العدوان في 2012 حيث كان على رأس السلطة المصرية الرئيس المنتخب د. محمد مرسي، فقد اختلف الأمر تمامًا؛ إذ حذر الرئيس الكيان الصهيوني من غضبة مصر قيادةً وشعبًا، وذهب رئيس الوزراء المصري د.هشام قنديل إلى القطاع، كما سُحب السفير المصري، ذلك حتى إنه وبفضل المقاومة الفلسطينية ترجّى الكيان الصهيوني وقف إطلاق النار للمرة الأولى، وقد تمكنت مصر من التوصل لهدنة من مركز قوة نتيجة كل من أداء المقاومة وما أحرزت مصر من مكانة دولية. وأوضحت "بهاء الدين" أنه قد جاءت مواقف الرئيس مرسي حاسمة فاصلة في دعم الحق الفلسطيني المشروع، ولم يكن ذلك نابعًا من التقارب الفكري مع حماس كما يدعي البعض، وإنما من دافع إنساني قبل أي شيء، بل ومن دافع الحفاظ على المصلحة الوطنية المصرية وأمننا القومي، فماذا إذا دك الإسرائيليون غزة وأجهزوا على المقاومة! فليس ببعيد أن يتجه الصهاينة إلى العمق المصري في سيناء محققين حلمهم الدموي بالسيطرة من النيل إلى الفرات. أيضًا كانت مواقف الرئيس مرسي المتزنة إزاء طرفي الصراع الفلسطيني الداخلي متزنة بشهادة هذه الأطراف. فيما كانت مواقف أطراف أخرى انكشافًا لعدم مصداقيتها، مثل رفض البعض وعلى رأسهم حمدين صباحي الذهاب في وفد شعبي إلى غزة فقط لأن من دعا إليه هو د.سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة! ورصدت "بهاء الدين" المشهد العدواني الثالث، وهو المشهد الجاري، فهو انعكاس واضح لتراجع مصر داخليًا وخارجيًا، فالانقلابيون قد استبقوا الجميع معتبرين حماس بمنزلة جماعة إرهابية، وهنا تأتي دلالة التوقيت إذ لا تمضي أيام ويبدأ العدوان على غزة، وكأنه الاطمئنان إلى أن مصر قد عادت لسابق عهدها أيام مبارك. بل إن مسئولي الكيان الصهيوني يعتبرون نظام الانقلاب أفضل لهم من نظيره أيام مبارك. ولقد قدم الانقلابيون تنازلات كثيرة في مبادئ الصراع العربي الإسرائيلي؛ إذ تحدث الرئيس الانقلابي عن تقسيم القدس، كما ذهب دبلوماسيون مصريون للعزاء في السفاح شارون! ولا يخفى على أحد ما يعتبره الانقلابيون محل تفاخر من إحكام الحصار على غزة ورفض إدخال ناشطي السلام، حتى يقول فلسطيني: اعتبرونا يهودا وافتحوا لنا المعابر! ولكن بالتأكيد -بحسب "بهاء الدين"- لا ينتظر ممن انقلب على الشرعية في وطنه أن يحترم خيارات ديمقراطية لشعوب أخرى، كما أن من يقتل بني وطنه لن يرحم غيرهم. ولا يغيب عن خلفية المشهد الفاعل الخليجي المنشغل بدعم الانقلاب عن سواه، وإن كلفه ذلك إعلان المقاومة إرهابًا، فهاهي دول الخليج تتسابق في إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية والتي تنتمي لها حماس فكريًا، فهذه الدول والانقلاب معًا في المسار ذاته لا تبتغي سوى تدعيم أنظمتها مهما قدمت من تنازلات للصهيونية وداعميها. ولكن ما يدفع للاطمئنان إنما هو حضور القضية الغزاوية وسط هتافات المتظاهرين بالشوارع رغم ما يلاقون من رصاص العسكر، الذين كانوا هم أكثر وعيًا منه بأمن بلادهم القومي، وبخطورة ما يجري على حدودهم.