في خطوة أثارت تساؤلات واسعة حول السيادة المصرية على قناة السويس، أعلن المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي، اليوم الإثنين، استعداد بلاده لتقديم "كافة التسهيلات" للولايات المتحدة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بما في ذلك إنشاء منطقة صناعية أميركية خاصة، متحدثاً وكأنّ الممر الملاحي الاستراتيجي بات ملكية خاصة يتصرف فيها دون حسيب أو رقيب. تقرب محسوب من ترامب بعد استبعاده يأتي ذلك بعد تجاهل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للسيسي في جولته الأخيرة بالمنطقة، وهو ما فُسر على نطاق واسع باعتباره صفعة دبلوماسية لم تكن لتحدث لولا تراجع وزن القاهرة في ملفات المنطقة، غير أن السيسي بدا وكأنه يسعى لاسترضاء ترامب مجدداً، إذ أشاد بما وصفه ب"توجهاته الداعمة لتعزيز التعاون الثنائي"، رغم غيابه الكامل عن المشهد السياسي الأميركي الحالي. هل تعود الامتيازات الأجنبية؟ تصريحات السيسي جاءت خلال استقباله وفداً من كبار رجال الأعمال الأميركيين، برئاسة رئيسة غرفة التجارة الأميركية سوزان كلارك، الذين يشاركون في المنتدى الاقتصادي المصري الأميركي في القاهرة، وألمح السيسي بوضوح إلى منح امتيازات استثنائية للاستثمارات الأميركية، من دون أي حديث عن دور البرلمان، أو رقابة الإعلام، أو حتى استشارة الشعب في تنازلات قد تمس واحدة من أخطر نقاط السيادة الاقتصادية لمصر. هل تُمنح السفن الأميركية مروراً مجانياً؟ الحديث عن "كل التسهيلات" يعيد إلى الأذهان مطالبة ترامب السابقة بإعفاء السفن الأميركية من رسوم عبور قناة السويس، فهل عاد هذا المقترح إلى الطاولة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين موقف الدولة المصرية من مبدأ المعاملة بالمثل؟ وهل تُمنح تسهيلات كهذه من دون إطار قانوني واضح أو موافقة شعبية؟ لا توجد حتى الآن أي إجابة رسمية، وسط صمت مطبق من البرلمان والمؤسسات الرقابية. تسليع قناة السويس... حتى إشعار آخر بدا لافتاً أن خطاب السيسي ركّز على المنطقة الاقتصادية لقناة السويس باعتبارها "بوابة أميركية" إلى الأسواق العربية والأفريقية، متجاهلاً حقيقة أن تلك المنطقة تقع على حدود شريان ملاحي دولي يفترض أن تحكمه قواعد السيادة الوطنية والاتفاقيات الدولية، ولا يمكن تجاهل أن هذه التصريحات تأتي بعد أشهر من فشل النظام في تمرير قانون كان يتيح بيع أصول هيئة قناة السويس، ما أثار احتجاجاً شعبياً واسعاً اضطر معه النظام إلى التراجع التكتيكي، لكن يبدو أن التفريط عاد بصيغة "الاستثمار الأميركي". غياب الشفافية يهدد المستقبل وسط غياب الشفافية، وتضاؤل دور مؤسسات الدولة، يستمر النظام المصري في التعامل مع أصول مصر الاستراتيجية وكأنها أوراق تفاوض شخصية، ما يطرح تساؤلاً أساسياً: من يحمي السيادة المصرية عندما تصبح قناة السويس أداة تقرب من البيت الأبيض؟ وأين يقف البرلمان الانقلابي من كل هذا؟ وأين الصحافة المستقلة؟ وأين صوت الشعب؟ الصفقة الغامضة مع المستثمرين الأميركيين لا تبدو مجرد تعاون اقتصادي، بل خطوة إضافية نحو تسليع السيادة المصرية، في وقت تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة، يبدو أن النظام يتعامل معها بمنطق الهروب إلى الأمام.