حذر أطباء من أن مشروع قانون المنشآت الطبية الذي أعدته وزارة الصحة بحكومة الانقلاب، سوف يتسبب في غلق أكثر من 70% من المنشآت الطبية، وسيدفع عددا كبيرا من الأطباء إلى الاستقالة من المستشفيات الحكومية ما يؤدي إلى زيادة معدلات عجز الأطباء في تلك المستشفيات. وقال الأطباء: إن "منح وزير صحة الانقلاب سلطات استثناء من مواد القانون، تؤدي إلى عدم توحيد المعايير وإخلال بالمنافسة في تقديم الخدمة الطبية، مؤكدين وجود تشريع موازٍ للكيانات الأجنبية، وهذا يمثل إخلالا بالسيادة على الكيانات الأجنبية العاملة بالسوق الطبي المصري". وأكدوا أن مشروع قانون المنشآت الطبية يلغي دور نقابة الأطباء في تسجيل وترخيص المنشآت الطبية، موضحين أنه بدلا من زيارة فريق النقابة للمنشأة أصبح الآن بالإخطار فقط، وهذا إلغاء لدورها. كانت نقابة الأطباء قد قدمت 13 ملاحظة واعتراضا على مشروع القانون، وأصدرت بيانا رسميا أعلنت فيه رفضها للقانون، وقالت: إنه "يهدد استمرار تقديم الخدمة الطبية للمواطن المصري، وسيؤدي إلى إغلاق كافة المنشآت الطبية المتوسطة والبسيطة، والتي تقدم أغلب الخدمة الطبية في البلاد، فضلا عن زيادة الأعباء على المستشفيات ومراكز الرعاية الحكومية كنتيجة حتمية للتعقيدات الموجودة في مشروع القانون. وأكدت النقابة أن مشروع القانون سيؤدي إلى زيادة استقالات الأطباء وندرة بعض التخصصات في مجال الرعاية الصحية، وهجرة المزيد من الأطباء، وزيادة في عجز الخدمة الطبية، نتيجة وجود عقوبات بالسجن وغرامات تصل إلى 300 ألف جنيه على ممارسات غير منطقية. المدخل الخاص من جانبه قال الدكتور أسامة عبدالحي، نقيب الأطباء: إن "قانون المنشآت الطبية الخاصة في غاية الأهمية، ولكنه خطير على الواقع الطبي في مصر، بسبب الشروط القاسية على المراكز الطبية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي لم تكن موجودة سابقا، وأبرزها المدخل الخاص وتوفيق الأوضاع خلال عامين". وأضاف عبد الحي في تصريحات صحفية، إذا كان هناك إصرار على شرط المدخل الخاص، فإن تطبيقه يجب ألا يكون بأثر رجعي، بل على المنشآت الجديدة فقط، لأن ذلك معناه غلق نسبة كبيرة من المنشآت الطبية وحرمان المواطن من تقديم الخدمة الصحية اللازمة، مشيرا إلى أن القطاع الخاص شريك فى تقديم الخدمات الصحية، فما بين 70% إلى 80% من المواطنين يذهبون إلى المستوصفات الطبية والعيادات الخاصة للحصول على الخدمة الطبية، وبالتالي وضع شروط قاسية على هذه المراكز يعني غلقها، مع عدم قدرة دولة العسكر على توفير البديل أو تقديم الخدمة الطبية في مستشفياتها للجميع. وشدد على أن إعادة الترخيص كل 5 سنوات أو 3 سنوات لا معنى له، لأن السلطات لها الحق في التفتيش عليها كل عام، وبالتالي الأطباء يرون أن الهدف من ذلك هو الحصول على الأموال، وإذا كان الوضع، كذلك فمن الممكن وضع مبلغ معين يتم دفعه كل عام، ولكن ليس إعادة الترخيص من جديد. وحذر عبدالحي من أن حصول الأطباء الذين يعملون في القطاع الحكومي على موافقة من أجل العمل في القطاع الخاص يهدد بزيادة الاستقالات، لأن شباب الأطباء يعملون في القطاع الخاص بجانب المستشفيات الحكومية لزيادة دخلهم، وبالتالي ضغط دولة العسكر عليهم بالحصول على الموافقة سوف يجبرهم على تقديم استقالاتهم، وزيادة الهجرة للخارج، وبدلا من إجبار الطبيب على الحصول على موافقة جهة العمل الحكومية، يجب منحه بدل تفرغ يكفيه، وبالتالي يعمل لديها فقط، ولا يذهب للقطاع الخاص. اشتراطات مستحيلة وقال الدكتور خالد أمين، عضو مجلس نقابة الأطباء: إن "مشروع القانون تجاهل دور نقابة الأطباء وهي النقابة التي تختص بكل شئونهم، وتضم لجنة من أهم اللجان وهي لجنة المنشآت الطبية التي تعمل منذ عشرات السنين في تسجيل المنشآت، وهي المرحلة السابقة للترخيص داخل وزارة الصحة ، وهذه اللجنة مختصة بقوة القانون بمراجعة الأوراق الخاصة بالعاملين داخل المنشآت الطبية واستيفاء الاشتراطات الفنية والبنائية وغيرها، وهذا دور مهم جدا، خاصة وأن هناك الكثير من منتحلي الصفة الذين تم اكتشافهم يديرون منشآت طبية مختلفة". وأكد «أمين» في تصريحات صحفية أن النقابة هي بنك المعلومات الخاص بالأطباء أكثر من أي جهة أخرى في الدولة، لأنها تحتوي على المعلومات الخاصة بكل من يحمل صفة طبيب داخل مصر، أما وزارة صحة الانقلاب فهي تمتلك المعلومات الخاصة بالأطباء العاملين داخل مستشفياتها فقط، وبالتالي وجود النقابة في ترخيص المنشآت الطبية منذ البداية أمر مهم جدا لمواجهة المشاكل التي قد يتم اكتشافها، بالإضافة إلى أن النقابة تقوم بتحصيل الرسوم والدمغة الطبية لتمويل المعاشات الخاصة بالأطباء وتقديم الخدمات المختلفة لهم، ما يزيل أعباء كثيرة عن كاهل حكومة الانقلاب تجاه الأطباء، لأن النقابة تساعد في تقديم خدمات مختلفة في ظل تدني الأجور. وأوضح أن هناك أمورا جوهرية أخرى في مشروع القانون تم الاعتراض عليها، أهمها إلزام جهات تقديم الخدمة باستيفاء الشروط وتقنين أوضاعهم طبقا لهذا القانون خلال عامين، وإلا فلن تحصل على رخصة مزاولة العمل، بالإضافة إلى اشتراطات فنية صعبة ومستحيلة التنفيذ، مثل اشتراط وجود مدخل خاص لجميع المنشآت الطبية عدا العيادات الخاصة، وكأن دولة العسكر تقول لأصحاب هذه المنشآت إنكم خلال عامين ستمنعون من مزاولة المهنة، لأنه لو هناك منشأة طبية في الدور الرابع مثلا في برج إداري أو مركز طبي، مستحيل أن يكون لها مدخل خاص، في ظل أن هذه المنشأة كانت مستوفاة للشروط وقت إنشائها، وهذا الأمر سيؤدي إلى غلق أكثر من 70% من المنشآت الطبية، وبالتالي عدم إتاحة الخدمة الطبية لقطاع كبير من المصريين، الذين يعتمدون على القطاع الخاص في الخدمات الصحية. رأس المال الأجنبي وأشار «أمين» إلى أن مشروع القانون به تغول كبير لسلطات وزير صحة الانقلاب، في استثناء المنشآت أو مزاولي المهنة من معظم اشتراطات وأحكام هذا القانون، وهذا يثير الاستغراب، فضلا عن الحماية المبالغ فيها والاستعداد داخل أحكام هذا القانون لتغول رأس المال الأجنبي، حتى في الاشتراطات الفنية وتوصيفات العمل وأحكامه واختصاصات الممارسة الصحية داخل مصر، وهذا أمر غير مسبوق ولم يحدث من قبل، لدرجة أنه تم النص فى أحد بنود القانون على أن الممارسات الفنية التي تتم داخل أحد فروع المستشفيات الأجنبية داخل مصر تحتكم إلى نظم عمل المستشفيات الأم في الخارج، مشددا على أنه مهما كان الوضع فإن أي نشاط داخل مصر أو أي مستثمر أجنبي لابد وأن يحتكم إلى القوانين والأحكام المصرية . ولفت إلى أن استبعاد النقابة من خطوة التسجيل والاكتفاء بإخطارها بعد الحصول على رخصة التشغيل من وزارة صحة الانقلاب، أمر يثير الاستغراب أيضا، فهي بذلك لا تستبعد النقابة التي تعتبر شريكا مهما جدا في تقديم الخدمة الصحية، لكن أيضا تضيع فرصة الاستعلام عن صحة المعلومات والبيانات الخاصة بالأطباء داخل المنشآت الجديدة. وأكد «أمين» أن السماح لجهات العمل ورأس المال الأجنبي بتحديد نسب العاملين بها من الأجانب أمر مثير للاستغراب، خاصة وأننا في مصر لا نعاني من نقص الكوادر المدربة، ولذلك فإن السماح باستقدام العمالة الأجنبية في مجالات الطب والتمريض سينعكس بالسلب على كفاءة الفرق الطبية داخل مصر، ويعرض الأطباء المصريين إلى منافسة غير عادلة مع الأجانب داخل بلدنا، وهذا الأمر يتعارض مع الرغبة في زيادة الاستثمار الخاص في القطاع الطبي داخل مصر. ولفت إلى أن تحديد مدة زمنية للترخيص ثم إعادة الترخيص وبدء الإجراءات من جديد، أمر غريب جدا، لأنه من المعروف أن أي نشاط بعد حصوله على الترخيص يتعرض للتفتيش والرقابة لتجديد الترخيص وتحديث البيانات وغيره، لكن إعادة الترخيص من جديد كل 3 أو 5 أو 6 سنوات حسب كل منشأة يتعارض مع فكرة تشجيع الاستثمار الخاص، لأن دورة رأس المال في أي مشروع لن تنتهي في 3 أو 5 سنوات، فمثلا لو أن مستثمرا أنفق مليار جنيه على منشأة ما، ثم جاءت حكومة الانقلاب وألغت الترخيص الخاص بهذه المنشأة لأي سبب كان، فإن هذا المستثمر بالتأكيد لم يستطع خلال هذه السنوات القليلة استعادة رأس ماله، وبالتالي هذا لا يشجع على الاستثمار ويخوف المستثمرين من دخول السوق المصري، لأن المخاطر أصبحت مرتفعة. جهة التفتيش وقال الدكتور محمد عز العرب، مستشار مركز الحق في الدواء: إن "مشروع قانون المنشآت الطبية الخاصة مهم جدا، خاصة مع عدم تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل حتى الآن في كل محافظات الجمهورية، لكن للأسف القانون الجديد يلغي دور نقابة الأطباء في تسجيل وترخيص المنشآت الطبية، وبدلا من زيارة فريق النقابة للمنشأة أصبح الآن بالإخطار فقط، وهذا إلغاء لدورها، مشددا على ضرورة توحيد جهة المرور والتفتيش على المنشآت سواء من النقابة أو الوزارة طبقا للاشتراطات الموحدة الموضوعة في هذا الشأن". وأكد عز العرب في تصريحات صحفية، أنه كان لابد من وجود مباشر لنقابة الأطباء عند مناقشة القانون، لأنه يضم اشتراطات عجيبة جدا مثل المدخل الخاص، الذي سيؤدي إلى غلق نسبة كبيرة من المنشآت خاصة الصغيرة منها، وهذا الأمر ليس في صالح المرضى والأطباء. وأوضح أن زيادة رسوم التراخيص تعني زيادة الأعباء المادية على المنشآت الطبية، وهذا العبء لن يتحمله صاحب المنشأة فقط، وإنما المريض أيضا، بسبب زيادة أسعار الخدمات سواء الكشف أو الآشعة والتحاليل، كما أن عقوبة الحبس للمخالفين مرفوضة نهائيا. وأشار عز العرب إلى أن مسودة القانون تحتاج إلى إعادة مناقشة بشكل تفصيلي مع نقابتي الأطباء والأسنان، مع مشاركة المجتمع المدني الذي يعتبر طرفا أصيلا في الأمر، خاصة مع عشوائية الإعلان عن المنشآت الطبية على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية التي يظهر فيها غير المتخصصين وينشرون معلومات خاطئة للناس.