أثار استمرار ارتفاع أسعار الكثير من السلع غضبا واسعا بين المواطنين، وسط مطالبات لدولة العسكر بالتدخل لضبط الأسعار، وفرض الإجراءات الرقابية اللازمة للسيطرة على السوق، والتصدي لأي احتكارات موجودة خاصة بالسلع الأساسية والتي كان آخرها السكر والأرز والبصل، الأمر الذي أدى إلى ظهور أشكال متعددة من الممارسات الاحتكارية، وارتفاع أسعار السلع، بسبب اختفاء جزء كبير منها من الأسواق، لتحقيق مكاسب كبيرة على حساب المواطنين . ومع غياب الرقابة وعدم قيام حكومة الانقلاب بدورها في ضبط الأسواق، أصبحت الأسعار نارا والتجار يستغلون الأزمات لرفع الأسعار وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، في المقابل تكتفي حكومة الانقلاب بمطالبة التجار بكتابة الأسعار على السلع، زاعمة أن مهمتها تتمثل في ضمان توافر السلع بالأسعار المناسبة. الخبراء من جانبهم طالبوا بتطبيق إجراءات عقابية حاسمة ضد المنافذ والتجار الذين يرفعون أسعار السلع بدون مبرر . وقال الخبراء: إن "هناك شكاوى من المواطنين من استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، مؤكدين أن الارتفاع الكبير في الأسعار أثقل كاهلهم مع غياب الدعم والحلول الحكومية". وأشاروا إلى الارتفاع غير المبرر للسكر وباقي السلع الأساسية، مثل الزيت والأرز وغيرها، محملين حكومة الانقلاب المسئولية عن هذه الارتفاعات. وشدد الخبراء على ضرورة تعزيز آليات الرقابة ووضع آلية ورؤية واضحة للحد من تبعات ظاهرة ارتفاع الأسعار التي طالت الكثير من السلع والخدمات والتي تؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين، كما دعوا إلى بلورة موقف حكومي واضح من هذه المشكلة وعدم الوقوف موقف المتفرج بحجة عدم استطاعتها التدخل في سوق مفتوحة تحكمها آلياتها، وحذروا من أن هذا الموقف سيترتب عليه حلقة مفرغة من الزيادات المستمرة في العجلة الاقتصادية. ظاهرة الغلاء من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع أن المواطن يعاني من غلاء الأسعار وجشع بعض التجار، تزامنا مع كل مرة يتم فيها رفع أسعار الوقود لدرجة أن ظاهرة الغلاء طالت أسعار السلع والمواد الغذائية والألبان ومنتجاتها، وهو ما يعني أن وزارة تموين الانقلاب غائبة تماما عن مراقبة الأسواق وضبط الأسعار. وقال نافع في تصريحات صحفية: إن "جشع التجار تجاوز الحدود في رفع الأسعار ويحتاج إلى يد صارمة، مؤكدا أن السلعة الواحدة في شارع واحد أو سوق واحدة تباع بأسعار متفاوتة ومبالغ فيها". وأوضح أن عملية ضبط الأسعار يمكن أن تتم من خلال اتخاذ إجراءات عديدة بداية من تطبيق آلية التسعيرة الجبرية بشكل أكثر صرامة خاصة بالنسبة، للسلع الأساسية للمواطنين، مع تقرير حزمة من العقوبات الشديدة، التي تتواكب مع شدة الأزمة، لمن يشرع في زيادة الأسعار على الموطنين، مشددا على إن تبني تلك الآلية، لا يتعارض مع آليات اقتصاد السوق خاصة في ظل الأزمات. وطالب نافع بضرورة التنسيق بين وزارة تموين الانقلاب، واتحاد الغرف التجارية بشأن التسعير العادل للسلع، ومراقبة كل منافذ البيع الكبيرة والصغيرة، مؤكدا أن هناك ضرورة لضبط السوق من خلال تفعيل الأذرع الرقابية والمتمثلة في جهازي حماية المستهلك وحماية المنافسة، بالإضافة إلى الشق الفني، المتعلق بالإجراءات القانونية التي تسهل دخول منتجين جدد في الأسواق التجارية، وفتح أبواب المنافسة المنظمة، وهو ما يساهم في خفض الأسعار. وحذر من أن استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية يمثل ناقوس خطر على دولة العسكر، كما يمثل رعبا للمواطن، موضحا أنه مع ازدياد حدة موجة التضخم لابد من إحكام السيطرة الكاملة على الأسواق الداخلية، وتفعيل دور جميع الهيئات والقطاعات المختلفة على أرض الواقع ليكون لها دور حقيقي، لمحاربة ظاهرة ارتفاع الأسعار مع وضع آليات لضبط تلك الممارسات، والقضاء على تلك الظاهرة الشرسة التي تؤثر على أداء الاقتصاد. وشدد نافع على ضرورة العمل من أجل أن تتوافر السلع في الأسواق وأن تنخفض أسعارها مع منع الاحتكار والجشع السائد من قبل التجار، مشيرا إلى أن عملية المضاربة لن تكون على الدولار، بل على السلع الغذائية في الفترة المقبلة. شياطين الأسواق وطالبت الدكتورة نجلاء الخولي، خبير التشريعات الاقتصادية بجامعة القاهرة، بتشديد العقوبات على كل أشكال الممارسات الاحتكارية، التي تتسبب في زيادة أسعار السلع بسبب اختفاء جزء كبير منها من الأسواق، من أجل تحقيق مكاسب كبيرة على حساب المواطنين، وذلك للحفاظ على تواجد السلع الأساسية بالشكل الذي يلبي احتياجات المواطنين، وتفعيل دور جهاز حماية المستهلك . وشددت نجلاء الخولي في تصريحات صحفية على ضرورة شن حملات مفاجئة، للوقوف على قيام مقدمي السلع والخدمات للمواطنين بأسعار مناسبة، والتعامل بكل حسم مع كل مَن يُخزن السلع ويخفيها عن المواطنين، مطالبة صناع السياسة الاقتصادية والمالية، بالنظر في إجراء تخفيضات ملموسة في معدلات ضريبة القيمة المضافة، والتي ستؤدي إلى تخفيض تكلفة الكثير من السلع، مما يترتب عليه تخفيض أسعارها. وأشارت إلى ضرورة أن تتعامل حكومة الانقلاب مع هذه الأزمات المتكررة من خلال العديد من المحاور منها ضخ احتياجات المواطن الأساسية بأسعار مناسبة في المنافذ الحكومية، والمعارض المُجمعة، واتخاذ إجراءات مُتنوعة حسب طبيعة السلعة أو المُنتج، وزيادة المنافذ الخاصة بكل قطاعات الدولة، وتوفير السلع لكل مكان في مصر لمحاربة شياطين الأسواق ومنع الاحتكار. وحذرت نجلاء الخولي من أن ارتفاع الأسعار بشكل يومي غير مبرر يرهق المواطنين، لدرجة أنهم أصبحوا لا يستطيعون مواجهتها وتحملها، مشيرة إلى أن مسألة ترك السوق بدون رقابة وأنه سيصحح نفسه بنفسه لن تجدي. وطالبت الجميع بالمشاركة بإيجابية في معركة ضبط الأسعار بشكل عادل لتخفيف معاناة المواطنين، وفي نفس الوقت تحقيق ربح مناسب للتجار، وردع المحتكرين ووقف جشع الكثير من التجار، مؤكدة أن معركة ضبط الأسعار في الأسواق خاصة أسعار السلع الغذائية والمنتجات الضرورية لاستمرار حياة المواطن قضية أمن قومي. المعروض وقال الباحث الاقتصادي محمد عزت: إنه "لا توجد ضمانة لمنع زيادة أسعار السلع لأنه من المستحيل السيطرة على سوق من 100 مليون مستهلك وأكثر من 50% من نشاطه التجاري نشاط غير رسمي، موضحا أن حل هذه الأزمة في أن تزيد دولة العسكر حجم الكميات المعروضة في منافذها المختلفة ، على مستوى الجمهورية لخلق حالة من التوازن في السوق، مشيرا إلى ضرورة عمل سلاسل تعرف ب " سلاسل التجزئة" دورها الرئيسي هو التدخل وقت الأزمات، بحيث تتصدى لأي احتكارات قد يشهدها السوق. وحذر عزت في تصريحات صحفية من أن عدم تدخل دولة العسكر أو تأخر تدخلها يضر بجميع أطراف المنظومة ولا يصب إلا في مصلحة التاجر الوسيط، فالمنتج والمستهلك أول المتضررين من ارتفاع الأسعار، خاصة أن المنتج الأساسي للسلعة لا يحصد أي مكاسب ملموسة مثل التاجر. وأكد أنه من الوارد أن نشهد خلال الفترة المقبلة ارتفاعا مضاعفا في أسعار بعض السلع وذلك يعود لعدم التحكم والقدرة على ضبط الأسواق، مما يجعل بعض التجار يستغلون هذا الأمر ويرفعون أسعار السلع الأساسية، مشددا على ضرورة زيادة الوعي لدى المواطنين وفتح مزيد من الأسواق لمنع هذا الأمر خاصة وأن الجميع يعلم أن السلع عرض وطلب. وشدد عزت على أن وجود السلع في أكثر من مكان سيخلق جوا من التنافس بين التجار وهذا في مصلحة المستهلك، موضحا أن هناك أزمة مالية عالمية تأثيراتها سلبية على الاقتصاد المصري خاصة في ارتفاع أسعار السلع، والإشكالية لها أكثر من جانب، الأول يخص المواطن " التاجر " ، حيث جرى العُرف مع كل زيادة في المرتبات أو وجود أزمة، يقوم البعض برفع الأسعار من تلقاء أنفسهم، حتى ولو كانت مُخزّنة وتم شراؤها بالأسعار القديمة بهدف تحقيق مكاسب مضاعفة . وأضاف، الكارثة أن هناك من يتجه إلى تخزين السلع في انتظار المزيد من الارتفاعات، وهذا في غاية الخطورة ويحتاج إلى وعى ومسئولية أما الجانب الثاني، فيخص المواطن "المستهلك" وهنا الوعي عليه أيضا دور مهم سواء من حيث الترشيد في الإنفاق والاستهلاك من جهة أو التحلي بالإيجابية، بحيث يكون للمواطن دور أكثر فاعلية يتمثل في سرعة الإبلاغ عن حالات التجاوز التي يراها من قبل البعض للتيسير على الأجهزة الرقابية في ضبط هذه المحاولات. ولفت عزت إلى أن هناك جانبا ثالثا وهو دور دولة العسكر لضبط الأسواق سواء بتوفير السلع الإستراتيجية، أو إيجاد بدائل لأي نقص، والتحكم في الارتفاعات بحيث تكون ارتفاعات محسوبة بدقة حتى لا تسبب فوضى في السوق، إضافة إلى الرقابة الحاسمة على الأسواق حيث يحظر حبس المنتجات الإستراتيجية المعدة للبيع عن التداول، عن طريق إخفائها أو عدم طرحها للبيع أو الامتناع عن بيعها أو بأي صورة أخرى.