رغم الدعم الراسخ والمطلق الذي تظهره الإدارة الأمريكية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، فجر السبت 7 أكتوبر 2023م، إلا أن الجامعات الأمريكية تشهد جدلا واسعا ونقاشات ساخنة للغاية حول الموقف الأمريكي ومدى تناقضه من الناحيتين القانونية والأخلاقية. وحسب صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، فإن جامعات «هارفارد» و«ستانفورد» و«نيويورك»، شهدت خلال الأيام الماضية انفجارا في التعبير عن المواقف بشأن الصراع الدائر في الشرق الأوسط؛ لدرجة أن الخلافات بين الطلاب والأساتذة والمسؤولين الإداريين تسببت في عاصفة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط السياسية والإعلامية، حتى إنها كلّفت البعض عروض عمل وتسببت في خوف آخرين على سلامتهم. في جامعة «هارفارد»، احتدم النقاش بعدما وقّع نحو 30 مجموعة طلّابية بياناً مشتركاً يحمّل «النظام الإسرائيلي كامل المسؤولية عن العنف»، ويؤكّد أن عملية حركة «حماس» «لم تأتِ من العدم»، وأن «العنف الإسرائيلي يهيمن على كل جوانب الوجود الفلسطيني منذ 75 عاماً». موقف الطلاب واضح في الأرضية التي يستند إليها؛ فمن الناحية القانونية، فإن إسرائيل وفق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن هي قوة احتلال منذ يونيو 1967م؛ وبالتالي فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم هذا الاحتلال بكل الطرق الممكنة. وبناء عليه فإن أصل المشكلة هو الاحتلال وليس رد فعل المقاومة التي تسعى إلى تحرير بلادها من هذا الاحتلال وفق القانون الدولي والميثاق العالمي لحقوق الإنسان. هذا من الناحية القانونية. أما من الناحية الأخلاقية فإن الفطرة السليمة تدفع أصحابها إلى الانحياز للمظلومين ودعمهم لاسترداد حقوقهم المسلوبة ضد هذا الاحتلال الغاشم. مواقف مشينة قوبل موقف الطلاب بحملة اضطهاد وتشويه من اللوبي الموالي لإسرائيل بما له من نفوذ واسع يتحكم في صناعة القرار الأمريكي؛ إذا علّق الوزير السابق للخزانة الأميركية لورنس سامرز، الذي تسلم رئاسة هذه الجامعة قبل نحو 20 عاماً، «أشعر بالاشمئزاز (من هذا البيان)، ومن صمت قادة جامعة (هارفارد)». وتابع على منصة «إكس» أن «هارفارد» تبدو «محايدة في أحسن الأحوال في مواجهة الأعمال الإرهابية ضد دولة إسرائيل اليهودية»، وفقا ل«وكالة الصحافة الفرنسية». وقال المسؤول الديمقراطي في ولاية ماساتشوستس جيك أوشينكلوس إنه «يخجل» من جامعته، معتبراً البيان الصادر عن المجموعات الطلابية «فاسداً أخلاقياً»، وموقف المسؤولين في الجامعة «جبناً أخلاقياً». وعلّق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، المرشح لانتخابات عام 2024، السبت، على المسألة قائلاً إن البيان «مناهض للسامية وللولايات المتحدة». إكراه وترهيب من جانبها، نشرت إدارة الجامعة بياناً اعتُبرت نبرته خجولة جداً. وفي مواجهة سيل الانتقادات، اضطرت رئيسة جامعة «هارفارد» كلودين غاي إلى نشر بيان ثانٍ. وكتبت: «لا أريد أن يكون هناك أدنى شكّ بشأن إدانتي الفظائع الإرهابية التي تتسبب بها حركة (حماس)». بعد البلبلة، «ومن أجل سلامة الطلاب»، اختفت القائمة الكاملة للمجموعات الطلابية الموقعة على الوثيقة الأصلية؛ لأن بعض الطلاب تعرّضوا لنشر بياناتهم الشخصية على الإنترنت من دون موافقتهم. وعرضت شاشة على سيّارة، قرب الجامعة، صوراً وأسماء مع عبارة «أكبر معادين للسامية في جامعة (هارفارد)». في أعقاب هذا الإكراه والترهيب، سحبت بعض المجموعات الطلابية توقيعها من البيان، وفقاً لصحيفة «هارفارد كريمسون» الجامعية، فيما نأى بعض الطلاب الآخرين بأنفسهم عن النص. وأكّد رجل الأعمال بيل أكمان على منصة «إكس» أن بعض رؤساء الشركات يطالبون بالكشف عن أسماء الموقّعين لضمان عدم توظيفهم في المستقبل. وتعرضت رئيسة تجمّع طلاب الحقوق في جامعة «نيويورك» أيضاً لسياسة مماثلة. فبعدما كتبت أنها لن تدين «المقاومة الفلسطينية» وأن إسرائيل تتحمّل «المسؤولية الكاملة» عن الخسائر البشرية، أُلغي عرض العمل الذي قدمته لها شركة «وينستون آند وسترون» للمحاماة. في الساحل الغربي من الولاياتالمتحدة، وجدت جامعة «ستانفورد» المرموقة كذلك نفسها عرضة للانتقادات بعد رفضها إدانة لافتات مؤيدة للفلسطينيين باسم حرية التعبير رفعها طلابها، مؤكدة رغبتها في البقاء على الحياد. وكتب أساتذة في جامعة «جورج تاون» في العاصمة واشنطن لرئيس الجامعة للتنديد ب«صمته الطويل عن معاناة الفلسطينيين»، فيما وقّع أكثر من 44 ألف شخص على عريضة تطالب بإقالة أستاذ بجامعة ييل بسبب تغريدات وصف فيها إسرائيل بأنها «دولة استيطانية وترتكب إبادات وقاتلة». من جهته، قال طالب في جامعة «هارفارد»، طلب عدم الكشف عن هويته حسبما ذكرت قناة «إيه بي سي نيوز»: «من المخيف جداً أن تكون فلسطينياً اليوم (…) في بيئة معادية إلى هذا الحدّ». وأعلنت جامعته هذا الأسبوع أن عناصر أمن الجامعة عززوا انتشارهم داخل الحرم. مع نهاية اليوم التاسع من عملية طوفان الأقصى، ارتفع عدد الشهداء إلى 2670، والجرحى إلى 9600، وحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن 60% منهم نساء وأطفال، بينما ردّت المقاومة بقصف تل أبيب ومستوطنات غلاف غزة بالصواريخ. وقد أجلت سلطات الاحتلال نحو 60 ألف إسرائيلي من منازلهم، وأكد جيش الاحتلال تسريع التعبئة لهجوم بري، في حين أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية استعدادها لأي مواجهة.