في الوقت الذي قالت فيه وكالة بلومبيرج إن "مصر فقدت إلى حد كبير أحد مصادر التمويل الرئيسية لها والمتمثل في مبيعاتها من السندات في السوق المحلية والدولية، وستضطر لرفع الفائدة بشكل أكبر وخفض قيمة العملة، إلا أن رد وكالة "رويترز" الذي تبع تقرير بلومبرج ذكر أن السلطات في مصر حاليا بين خيارين؛ إما ترك عملتها المقومة بأعلى من قيمتها تضعف تدريجيا، أو خفضها بشكل حاد مثلما فعلت في أزمة عملة مماثلة قبل ست سنوات، وسط تحذيرات خبراء الاقتصاد، من أن لكل خيار مخاطر وتبعات". وأوضحت أن السلطات القائمة تفاضل بين خيارين أحلاهما مر من أجل الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي. وتسبب النقص الحاد في العملة الأجنبية في مصر في الأشهر الستة الماضية في صعوبات للبنوك والمستوردين ، فيما يتعلق بدفع خطابات الاعتماد اللازمة للإفراج عن بضائعهم من الجمارك. واقع الاقتصاد وأوضحت بلومبيرج أن مبيعات السندات المصرية تراجعت بنسبة 38% حتى أغسطس الماضي ، وأن التراجع يدفع الحكومة للضغط لسرعة إنهاء قرض صندوق النقد. ووفق مؤشرات بلومبيرج احتل سوق السندات في مصر قائمة أسوأ ستة أداءات في الأسواق، وترتب على ذلك تراجعا في مبيعات السندات المصرية بنسبة 38% حتى أغسطس الماضي، موضحا أن هذا التراجع يتزامن معه مُعدل الفائدة الحقيقي، وهما تراجعان يدفعان حكومة السيسي للضغط لسرعة إنهاء قرض صندوق النقد. والسبب بحسب "بلومبيرج" أن مبيعات السندات المصرية تراجعت بنسبة 38% هذا العام وحتى شهر أغسطس مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021 بسبب تراجع الطلب في ظل ما وصفته ب"إغلاق أسواق رأس المال الخارجية" وهو ما يدفع الحكومة إلى مزيد من الرغبة في سرعة عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي لجذب المستثمرين إلى الديون المحلية – السندات. خفض ملزم وأضاف تقرير "رويترز" أن المصانع وشركات التجزئة تصاعدت بها الأضرار التي لحقت بعمليات الإنتاج والمبيعات نتيجة لنقص مُدخلات العمل، مثل مستلزمات التشغيل، في حين ساهم نقص الإمدادات في ارتفاع التضخم السنوي لأكثر من 13%. وأوضح التقرير أن كثير من خبراء الاقتصاد يتفق على أنه يجب خفض قيمة الجنيه المصري، لكنهم منقسمون بشأن السرعة التي يمكن أن يحدث بها ذلك. وأشار إلى أن سياسة سعر الصرف من أهم القضايا التي تواجه محافظ البنك المركزي الجديد حسن عبد الله الذي عينه السيسي الشهر الماضي بعد الاستقالة المفاجئة لسلفه طارق عامر. ومنذ تعيين عبد الله في 18 أغسطس، يسمح البنك المركزي بخفض الجنيه أمام الدولار بأقل من 0.01 جنيه (0.0005 دولار) في اليوم في المتوسط. وأبان أن "لمثل هذا النهج أن يخفف من تأثير خفض قيمة الجنيه على الأسعار، ومن المرجح أن يترتب على تحرير سعر الصرف بوتيرة أسرع إطلاق العنان للطلب المكبوت على الدولار بعد أن شددت الحكومة القيود على الواردات في فبراير". واستند التقرير إلى "كارلا سليم" من بنك ستاندرد تشارترد التي قالت "قد تكون الوتيرة التدريجية لخفض قيمة العملة ضرورية لاحتواء التبعات السلبية باهظة التكلفة نتيجة تراجع سعر الصرف على التضخم والدين العام والنقد الأجنبي غير الخاضع لضوابط". وأشار التقرير إلى خبراء اقتصاديين آخرين يقولون إن " تخفيض قيمة العملة قد يؤدي أيضا إلى إطالة أمد النقص في النقد الأجنبي وعرقلة النمو والمعنويات، كما قد لا يفي هذا النهج بمتطلبات صندوق النقد الدولي". ومن هؤلاء فاروق سوسة من بنك جولدمان ساكس ، فميزة الخفض مرة واحدة هي تبديد التكهنات، من حيث المبدأ، بأن المزيد من التخفيضات قادم، وهذا يساعد في تثبيت توقعات التضخم ويحد من دوافع الاحتفاظ بالعملات الأجنبية. وأوضح التقرير أن التقدم يسير ببطء نحو اتفاق صندوق النقد، وأن اجتماع حكومة السيسي خلال مطلع الأسبوع الماضي ناقش آخر مستجدات المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. واستند التقرير أيضا إلى "بنك أوف أمريكا" الذي أشار في مذكرة بحثية إلى أنه يتوقع خفضا لقيمة العملة المصرية متبوعا بنظام صرف أجنبي مرن مرتبط ببرنامج صندوق النقد الدولي. وأضاف، انطلاقا من سابقة في عام 2016، نعتقد أن هذا سوف يحدث على الأرجح خلال الأشهر المقبلة، بعد الموافقة على اتفاق على مستوى موظفي صندوق النقد الدولي وكخطوة مسبقة لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي. نقطة ضغط ووفقا لبلومبيرج قال بول جرير، مدير الأموال في شركة فيديليتي إنترناشونال في لندن، إن "الحاجة للتمويل ستسرع من حاجة المصريين للاتفاق على برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي". وأكدت بلومبيرج أن سوق الدين في مصر قد يصبح نقطة الضغط التالية، حيث تجوب الحكومة العالم بحثا عن استثمارات في أعقاب صدمات الطاقة والغذاء منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي. وأشارت "بلومبيرج" إلى أنه بعد ما يزيد قليلا عن خمسة أشهر من خفض الدولة قيمة عملتها، فإن المستثمرين يتوقعون موجة ثانية من الانخفاض، مع تفضيل صندوق النقد الدولي سعر صرف أكثر مرونة. وكالة موديز وقالت وكالة «موديز إنفستورز سيرفيسز» في يونيو إنها "تتوقع أن ينتهي الصندوق من برنامج جديد لإقراض مصر ما بين 4 و6 مليارات دولار في النصف الثاني من هذا العام، لمساعدة مصر في تمويل عجز في الحساب الجاري يقدر بنحو 5.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي". وتعهدت السعودية ودول خليجية أخرى لمصر بتقديم أكثر من 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات في الأشهر الأخيرة لدعم الاقتصاد. وأضاف تقرير موديز أن المحادثات مع الصندوق تسير في اتجاه مطمئن، على الرغم من أن حجم المساعدة التي يمكن أن يقدمها صندوق النقد الدولي لمصر لم يتحدد بعد، وفقا لوزير المالية المصري محمد معيط. وسحب مستثمرو المحافظ الأجنبية بالفعل نحو 20 مليار دولار من سوق الدين المحلي منذ بداية هذا العام، وكان الجنيه في أضعف مستوياته منذ تخفيض قيمته في 2016. وأشارت بلومبيرج إلى أن مصر تواجه ضغوطا شديدة مع رفع البنك المركزي الأميركي معدلات الفائدة، ما يدفعها لرفع الفائدة بشكل أكبر لجذب المستثمرين وخفض قيمة العملة بشكل أكبر. وفي هذا الإطار، قال المحلل المالي في لندن جوردون ج. باورز، للوكالة إن "من شأن هذه التحركات أن تساعد في استعادة معدل الفائدة الحقيقي، وتحسين القدرة التنافسية وإعادة توازن الحسابات الخارجية".
أطماع الصندوق صندوق النقد كمن يريد أن يمنح القرض لمصر حتى وهي في أسوأ الظروف الاقتصادية، حيث قال الصندوق إن "زيادة قابلية أسعار الصرف للتغير يمكن أن تكون قد ساعدت في تجنب تراكم الاختلالات التي مصدرها من الخارج وتسهيل التكيف مع الصدمات الاقتصادية". وتقدمت سلطات الانقلاب في مارس إلى صندوق النقد الدولي بطلبت برنامج دعم مالي جديدا، ورد الصندوق إنه سيكون جاهزا في يوليو22 واشترط أن الدولة بحاجة لإحراز تقدم حاسم في الإصلاحات المالية والهيكلية. غير أنه غير خاف أن ما يسميه الصندوق إصلاحات شكل صدمات متكررة، وظهر ذلك خلال أزمة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا وأزمة عملة في عام 2016، بعد قرار تعويم الجنيه، حيث خسرت العملة نصف قيمتها في غضون أسابيع، وقفز التضخم لأكثر من 30 بالمئة في معظم العام التالي، وتدخل البنك المركزي بعد ذلك للحفاظ على قوة الجنيه. وفي مثال للضغط الحالي على الجنيه، اشترى تجار التجزئة في السوق السوداء الدولار هذا الأسبوع بسعر 21 جنيها، بينما تم عرضه على الشركات بسعر 22.40 جنيها تقريبا، في حين أن السعر الرسمي في حدود 19.20 جنيها.