في أسوأ أزمة اقتصادية يمكن أن يتخيلها المصريون، تسير إدارة السيسي الفاشلة باقتصاد مصر نحو مستنقع كبير من الأزمات والعجز المال والانهيار الاقتصادي، وتراجع قيمة الجنيه والتوجه الاضطراري نحو تعويمه بشكل كامل وعلى مراحل، ما سيدفع المصريون ثمنه من نكسات اقتصادية وأزمات معيشية غير مسبوقة، تزيد الفقر والجوع والعوز. ويتوقع خبراء تصاعد الصدمة الاقتصادية في مصر خلال الأيام المقبلة، بعد أن كشفت وزيرة التخطيط هالة السعيد، عن اتجاه الحكومة إلى تخفيض قيمة الجنيه تدريجيا، باعتبار سعر الصرف المرن مفيد حتما للاقتصاد، وأكدت الوزيرة في تصريحات متلفزة، أن الحكومة ستدعم تخفيضا آخر لقيمة الجنيه، دون أن تحدد مستوى لتلك التخفيضات. تأتي تصريحات الوزيرة متوافقة مع التسريبات التي انطلقت منذ أيام، حول نتائج مفاوضات حكومة الانقلاب مع صندوق النقد الدولي، على برنامج الإصلاح الهيكلي الجديد للاقتصاد المصري. وفي السياق نفسه، توقعت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني الأسبوع الماضي، أن يتجه البنك المركزي نحو مسار تدريجي لخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، بدلا من التعويم الحاد لتفادي زيادة جديدة في معدلات التضخم، بينما أكدت تقارير لمؤسسات كابيتال إيكونوميكس، وبلومبيرغ وخبراء بصندوق النقد وبنك بي إن بي باريبا، أن الجنيه سيشهد تراجعا دراماتيكيا جديدا، ليتراوح ما بين 23 جنيها نهاية العام الحالي و25 جنيها عام 2024. فيما تصف وكالة بلومبيرج الاقتصادية الأمريكية الوضع الاقتصادي في مصر بأنه أوضح مثال للمحنة التي تعيشها الدول الفقيرة على خلفية ارتفاع الديون والتضخم وأسعار المواد الغذائية، ويرجع خبراء تأزم الوضع الاقتصادي إلى وجود اضطرابات واضحة في إدارة الأصول المالية منذ التخفيض المفاجئ لقيمة الجنيه في نهاية عام 2016 وارتفاع الديون إلى أعلى مستوى لها وتآكل الاحتياطي النقدي ووجود فجوة في تمويل الموازنة يقدرها الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب بنحو 25 مليار دولار، بينما يؤكد خبراء ارتفاعها إلى 33 مليار دولار خلال العام المالي الحالي 2022-2023. ومع ضعف سيطرة الحكومة على الاقتصاد، بعد بيعها للأصول وتحكم رجال الأعمال في الإنتاج وأسعار السلع، ومع تراجع الجنيه بنسبة 20% أمام الدولار، زاد التجار الأسعار بنسبة تفوق 50% بما يربك الأسواق، ويحول دون قدرة المواطنين على الشراء. ويزيد من أزمات السوق المصري، أن سوق الواردات ما زال مغلقا أمام أصحاب المصانع، والموردين منذ مارس الماضي، عقب تطبيق نظام الاستيراد والدفع النقدي للصفقات بالدولار عبر البنوك المحلية. على جانب آخر، يبدي رجال أعمال مخاوفهم من زيادة التراجع في قيمة الجنيه، وفقا للشروط التي أعلنها صندوق النقد الدولي، والتي تشمل إلغاء الفائدة المخفضة على قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمويل العقاري والمشروعات السياحية، والتي تمثل غالبية الاستثمار الخاص بالدولة، والذي يبلغ 18% فقط من حجم الاقتصاد بالدولة حاليا. وكشفت وكالة بلومبيرج عن بعض مطالب صندوق النقد لإدارة البنك المركزي الجديدة، بأن الصندوق طلب توحيد سعر الفائدة على القروض المصرفية، مقابل المرونة في شرطه للتحرير الكامل والحاد لسعر صرف الجنيه، ليصبح الخفض تدريجيا، والسماح بدعم مخفف للخبز، يتحول إلى مبلغ نقدي على مراحل، بعد أن أبدت الحكومة مخاوفها من أن يؤدي الأمر إلى ارتفاع شديد في معدلات التضخم، وانفلات اجتماعي. ويتوقع مستثمرون أن يؤدي التشدد النقدي والمالي الذي فرضه صندوق النقد على الحكومة، إلى ارتفاع تكاليف الإقراض للمشروعات الصناعية والزراعية والسياحية، ومؤسسات الأعمال والمستهلكين بما يخفف الطلب على السلع غير النفطية، وخاصة السلع الحساسة لأسعار الفائدة ومنها السيارات والسلع المعمرة والعقارات ومنتجات المشروعات الصغيرة ويوقف العمل بالمزيد من المصانع ويرفع معدلات البطالة. كما أن ارتفاع معدلات الفائدة، سيؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار الأصول، وخاصة المطروحة للتعامل في بورصة الأوراق المالية، بما يربك سوق الأسهم وسلبا على الائتمان الذي انخفض مؤخرا، لتلاشي الثقة في التعامل بالجنيه بين التجار، واضطرارهم إلى تحديد قيمته بنحو 25 جنيها مقابل الدولار، تحسبا لأية تغيرات نقدية قادمة. ومع استمرار العجز الإداري والسياسي والاقتصادي ، تقف حكومة السيسي حائرة بين شقي رحى، ندرة السيولة من النقد الأجنبي وكثرة الديون وارتباطها بجدول زمني للسداد، يحل قسطه الأول في أكتوبر المقبل يبلغ 5 مليارات دولار، ومطالبتها بتوفير عملات صعبة تمول بها العجز المتصاعد في الحساب الجاري، ورفع الاحتياطي النقدي المتراجع، وتحريك الاقتصاد، بالسماح للمستوردين بتمويل مشترياتهم من الخارج. هذه الورطات والأزمات المتلاحقة التي تضرب المصريين، يفاقمها التوسع النهم للعسكر واستيلائهم على المشاريع الاقتصادية بالأمر المباشر، وهو ما يحرم الموازنة العامة من نحو 7 تريليون جنيه سنويا قيمة الضرائب والرسوم والجمارك التي يعفى منها اقتصاد العسكر ، ومع استمرار السفه الذي يتبعه السيسي في إنفاقه على المشاريع الفنكوشية كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة ومشاريع التجلي الأعظم والجلالة والعجلة الدوارة وأكبر ساري علم وأكبر نجفة في العالم وأكبر مسجد وأكبر كنيسة، تزداد الأمور المالية عجزا وانهيارا يدفع ثمنه الفقراء والمعوزين الذين تزيد نسبتهم عن 80% من المصريين.