أعلى عائد من البنك الأهلي لمدة 3 سنوات    أسعار اللحوم اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    رئيس مصلحة الضرائب: رفع نحو 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    وزير الري يؤكد سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ دعما للمستثمرين    بمشاركة السيسي.. الرؤساء يضعون الزهور على النصب التذكاري للجندي المجهول بحديقة الكسندروفسكي بموسكو    «الصحة» تُطلق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد والجهاز الهضمي    الصحة تطلق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد والجهاز الهضمي باستخدام تكنولوجيا التطبيب عن بعد    ميرتس يدعم اقتراح ترامب بعقد هدنة في أوكرانيا    محمد صلاح يحصد جائزة "لاعب الموسم" من رابطة الكتاب 22 مايو    الأرجنتيني الأول من 5 سنوات.. ماك أليستر لاعب شهر إبريل في الدوري الإنجليزي    بسبب حادث سير.. تغيير في طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    تواجد صلاح ومرموش.. أفضل 11 لاعبا للجولة 36 من فانتازي الدوري الإنجليزي    ضبط 371 قضية مخدرات و180 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    وزيرة البيئة: التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا عوامل مُمكّنة وحاسمة للعمل المناخي    حماس تهنئ بابا الفاتيكان الجديد وتوجه رسالة له    سقوط شبكة دولية لغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات بمدينة نصر    سنن النبي وقت صلاة الجمعة.. 5 آداب يكشف عنها الأزهر للفتوى    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    طريقة عمل العجة المقلية، أكلة شعبية لذيذة وسريعة التحضير    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    جوميز: مواجهة الوحدة هي مباراة الموسم    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    البابا تواضروس يعود إلى أرض الوطن بعد زيارة رعوية استمرت أسبوعين    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يطوي النسيان مجزرة رابعة؟

قبل تسع سنوات بالتمام والكمال كانت المجزرة الأبشع في تاريخ مصر، ورغم مرور تلك السنوات فإنه ليس هناك رقم موثق واحد لعدد وأسماء الضحايا، فالأرقام تفاوتت مع ضخامة حجم المجزرة، وشهادات الوفيات (المزورة رسميا) التي صدرت للكثيرين ساهمت في تضليل الرأي العام، حيث سجلت أن الوفيات طبيعية أو نتيجة حوادث سير.. الخ، كان ذلك شرطا أساسيا ليسمحوا لأسر الشهداء بالحصول على جثثهم ودفنها بمعرفتهم.
كما أن هناك المقابر التي دفن فيها البعض دون علم أهله، وأصبح أولئك الضحايا في عداد المفقودين. وهؤلاء المفقودون أو المختفون منذ فض الاعتصام حتى الآن يمثلون مظهرا آخر للبشاعة التي تعاملت بها قوى الأمن مع المواطنين المصريين المسالمين، ولعل قصة المحامي إبراهيم متولي (الذي أسس رابطة لأسر المختفين، والذي سعى في كل مكان بحثا عن نجله عمر المختفي بعد القبض عليه في تموز/ يوليو 2013 أي قبل الفض، فكان عقابه الحبس منذ 2017 حتى الآن، بل واتهامه بالضلوع في قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني) هي نموذج لتلك الأسر الملتاعة التي لا تزال تبحث عن أي أثر لأبنائها المفقودين.
لا تنسى الشعوب أبطالها الذين دفعوا حياتهم ثمنا للحرية والكرامة، سواء من واجهوا الاستعمار قديما، أو الاستبداد حديثا، ولم ينس الشعب المصري شهداءه في مواجهة الإنجليز ولا يزال يخلد ذكراهم، كما لم ينس شهداءه في حروبه مع الكيان الصهيوني ولا تزال صورهم تزين جدران البيوت، ولعل الكشف مؤخرا عن مقبرة جماعية لعدد من الجنود المصريين قرب القدس قتلوا عام 1967، والمطالبة بالتحقيق في تلك الجريمة، هو نموذج للذاكرة الحية التي تأبى النسيان.
مجزرة رابعة ليست أقل بشاعة من كل ما حدث، بل هي المجزرة الأبشع في تاريخ مصر، لكن الفارق مع ما قبلها أنها وقعت على يد وبسلاح عساكر مصريين، وبأوامر من قادة مصريين يفترض بهم حماية الشعب وأمنه ومقدراته، وحماية حقه في التعبير عن رأيه وفقا للدستور الذي أقسموا على احترامه.
إن جريمة بهذه البشاعة شاهدها المصريون والعالم كله عبر الفضائيات مباشرة، وراح ضحيتها حوالي ألف مصري خلال ساعات قليلة بخلاف من سقطوا قبل وبعد ذلك، لا يمكن نسيانها بسهولة، ولو بعد حين، فهل نسي الصينيون مذبحة الميدان السماوي عام 1989؟ وهل نسي البوسنويون مذبحة سربرنيتسا منتصف التسعينات؟ وهل نسي الجزائريون شهداء العشرية السوداء ومن قبلها شهداء حرب التحرير؟ وهل نسي الروانديون مذابح الهوتو والتوتسي؟ وهل نسي اليهود محارق النازية؟ وهل نسي الأرمن مذابحهم؟..
قد يقول قائل: ولكن الشعوب بحاجة لتجاوز تلك الأحداث حتى تلملم جراحها، وتنطلق في مسيرة التنمية والتقدم.. نعم تحتاج الشعوب لذلك، ولكن بعد تحقيق العدالة لأولئك الضحايا وأسرهم، وقد تفرض إكراهات الواقع على القوى السياسية قبول تسويات حقنا لمزيد من الدماء، وتقديرا لضرورات تراها، لكن ذلك لا يلغي حق أسر الضحايا في العدالة والإنصاف لشهدائهم، مهما تطاول الزمن عليهم.
أعتبر نفسي شخصيا أحد ضحايا رابعة -وإن في الحد الأدنى- بما أصابني وأصاب الآلاف غيري من أعطاب نفسية لهول المشاهد التي أحاطت بنا، ولأنني نجوت من الموت برحمة من الله، حيث مرت الرصاصة من فوق ظهري بسنتيمترات قليلة بينما كنت منبطحا أرضا لتجنب أمثالها، وقد فتكت تلك الرصاصة بطبيب بجواري في إحدى المشافي الميدانية، ولذا فإن تلك المجزرة تمثل جزءا لن ينمحي من ذاكرتي حتى ألقى الله. وهذا شأن الآلاف بل قل الملايين غيري سواء ممن شاركوا في الاعتصام بشكل دائم أو جزئي، أو حتى مروا به يوما، أو تابعوه على شاشات التلفزة، ورأوا كم كان سلميا، وكم كانت مطالبه عادلة مشروعة.
صنفت العديد من المنظمات الحقوقية الكبرى ومنها هيومان رايتس ووتش جريمة فض الاعتصام بأنها جريمة ضد الإنسانية، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وقد جرت محاولات لمحاكمة المتهمين الرئيسين العشرة في مجزرة رابعة والذين ذكرهم تقرير "هيومان رايتس" بعنوان "حسب الخطة"، ورفضت محكمة الجنايات الدولية القضية بحجة أن مصر ليست عضوا في نظامها الأساسي. لكن باب المحكمة ليس مغلقا بشكل كامل إذ يحق للمدعي العام للمحكمة أن يجمع بنفسه الأدلة ثم يقدم عريضة الاتهام، كما يمكن لمجلس الأمن أن يكلفه بهذه المهمة، وهذا يتوقف على تغير البيئة السياسية الدولية وليس شيئا آخر.
كما جرت محاولات لمحاكمة القتلة في بعض الدول الأوربية ومنها بريطانيا، ورفضت المحكمة البريطانية محاكمة السيسي لتمتعه بحصانة سياسية، ولكنها فتحت الباب لمحاكمة غيره من المتهمين، والذين امتنعوا منذ ذلك الوقت عن زيارة بريطانيا، كما وفرت الخارجية البريطانية حماية مؤقتة لرئيس الأركان الفريق محمود حجازي خلال زيارته إلى لندن في أيلول/ سبتمبر 2015، وأوعزت فرنسا للنائب العام الراحل هشام بركات بالعودة إلى مصر سريعا خلال زيارته إلى باريس في كانون الثاني/ يناير 2015 بعد أن تحرك مصريون لطلب القبض عليه بتهمة ضلوعه في المجزرة بإصداره قرار الفض للاعتصامين، وهو ما تكرر في أماكن أخرى مع وزراء آخرين.
ليس سرا أن المليارات التي دفعها النظام المصري في صفقات فاسدة مع تلك العواصم هي التي دفعت حكوماتها للدوس على قوانينها، وحماية أولئك المتهمين، لكن الأمر قد يتغير مع تغير البيئة السياسية لأي سبب، وها نحن نرى تغيرات دولية لم تكن بالحسبان من قبل، وقد تحدث تغيرات أخرى تعيد القضية إلى الواجهة.
لقد كان قائد الانقلاب في تشيلي عام 1973 الجنرال بينوشيه والذي ارتكب مذابح بحق شعبه أيضا محصنا ضد المحاكمات، كجزء من تسوية لإنهاء حكمه، ولكن تلك الحصانة لم تشفع له خلال زيارته إلى لندن عام 1998 حيث ألقت الشرطة البريطانية القبض عليه تلبية لطلب إسباني بناء على مبدأ عالمية الاختصاص القضائي بتهمة ارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان خلال فترة حكمه (1973-1990).
وها هو الجنرال خالد نزال قائد الجيش ووزير الدفاع الجزائري، صاحب السجل الدموي في العشرية السوداء، يخضع للمحاكمة في سويسرا بناء على طلبات من ضحاياه، حيث استدعته النيابة السويسرية في شباط/ فبراير الماضي للتحقيق معه بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بين عامي 1992 و1994، وقررت بعد تحقيقاتها تقديمه للمحاكمة.
مواصلة الجهود لملاحقة الجناة قضائيا في كل مكان، وتوثيق جريمة رابعة، وأعداد وأسماء ضحاياها، هو أمانة في عنق القوى السياسية التي دعت لذلك الاعتصام وشاركت فيه، وهو أمانة في عنق المنظمات الحقوقية النزيهة، وهو أمانة في عنق أسر الضحايا الذين يرفضون التعاون في توفير المعلومات عن أبنائهم الضحايا، وهو أمانة في رقبة كل من يستطيع إلى ذلك سبيلا، فهذا التوثيق يحفظ الذاكرة، ويسهم في حفظ الحقوق لأولئك الشهداء وذلك أضعف الإيمان.
………….
نقلا عن "عربي 21"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.