في تصرف لا يمكن وصفه إلا بالغباء، ولا ينطلق إلا من عشوائي رأسمالي يريد تدمير الوطن ومقدراته، والسير به في منعطف التلوث والتدمير البيئي، وعلى عكس ما يتشدق به قائد الانقلاب ونظامه من حفاظه على البيئة واستضافة مصر قمة المناخ المقبلة، وعلى عكس كل دول العالم التي تدعم جهود الاستغناء عن الطاقة التقليدية، سواء عبر تشجيع التوجه لاستخدام طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية وغيرها، قرر شاهبندر مصر والمقوقس السيسي جامع الضرائب والمكوس وفارض الرسوم الأول بالعالم، تحصيل ضريبة جديدة من المزارعين ومستثمري الزراعة والطاقة النظيفة، والمفترض تشجيعهم وحمايتهم وتطوير مشاريعهم من قبل الدولة في ظل أزمات الزراعة والغذاء العالمية ، التي تستوجب تشجيع الزراعات والري غير التقليدي بعيدا عن شبكات المياه والكهرباء التقليدية. حيث وافق جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك على تحديد مقابل دمج الطاقة لمشروعات الطاقة الشمسية المُستخدمة في استخراج المياه الجوفية لري الأراضي النائية بعد أن كانت معفاة من الرسوم. وحدد الجهاز قيمة مقابل الدمج بمبلغ 10.6 قرش لكل كيلووات/ساعة، على أن يتم تطبيقها بأثر رجعي على وحدات الطاقة الشمسية التي تم إنشاؤها بالفعل قبل صدور القرار. وتعتبر رسوم الدمج، أو ضريبة الشمس كما تسميها شركات الطاقة الشمسية، بمثابة مشاركة من أصحاب مشاريع الطاقة الشمسية الصغيرة في تحمل تكلفة ربط شبكاتهم الداخلية بالشبكة القومية للكهرباء. ووفق خبراء الطاقة، فإن القرار بمثابة عقبة جديدة أمام شركات الطاقة الشمسية التي تعاني بالفعل من التخبط في القرارات المنظمة للقطاع. كما أن القرار الجديد، إن طُبق بالفعل، سيواجه ثلاث مشاكل رئيسية، فعلى عكس المحطات المنزلية والتجارية، وحدات الطاقة الشمسية التي تستخدم في الري تقع في مناطق نائية، لذلك تكون أغلبها منفصلة عن الشبكة، ما يعني أن الحكومة ستجبر الوحدات على أن تتصل بالشبكة القومية للكهرباء، ثم تحصل منها رسوم دمج مقابل خدمة لم يريدوها أو يطلبوها، بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم وحدات الطاقة الشمسية في الري باعتبارها بديلا لطلبمات المياه التي تستخدم السولار، وهو الوقود الذي تدعمه الدولة. ويتعحب المهندس وائل النشار، خبير الطاقة الشمسية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أونيرا سيستمز، إحدى أكبر شركات محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بقوله في تصريحات صحفية «بدل ما الحكومة تشجع استخدام الطاقة الشمسية، بتدعم السولار، وتفرض رسوم زيادة على مستخدمي الطاقة الشمسية». ويأتي قرار الحكومة فرض ضريبة جديدة على الرغم مما يوفره المزارعون ومستخدمي الطاقة المتجددة للدولة، إذ أن المزارعين يستخدمون الطاقة الشمسية كوسيلة للهروب من تحمل تكلفة استخدام السولار في الحصول على المياه لزراعة أراضيهم في المناطق البعيدة عن مياه النيل، لذلك فمن غير المنطقي أن تثقل الحكومة عليهم بعبء جديد، خاصة في وقت تعاني فيه مصر من تبعات غزو روسيا لأوكرانيا وتأثير ذلك على سلاسل الإمداد العالمية للغذاء بشكل عام، والأمن الغذائي المصري بشكل خاص. بل إن الأسوأ هو قرار الحكومة بتحصيل مقابل الدمج بأثر رجعي على وحدات الطاقة الشمسية التي كانت قد أنشئت بالفعل، إذ أن الحكومة أصرت في موافقاتها للشركات في إنشاء تلك المحطات الالتزام بدفع مقابل الدمج حين إصداره، وهو الشرط الذي لم تتمكن الشركات من الهرب منه، نظرا لأنهم فوجئوا به بعد إنشاء المحطات بالفعل، فيما يشبه الكمين. يشار إلى أن الطلب على استخدام ألواح الطاقة الشمسية للزراعة قد ارتفع خلال الخمس سنوات الماضية بعد ارتفاع سعر السولار وسعر الكهرباء، ويتحمل المزارعون قيمة إنشاء تلك المحطات بعيدا عن دعم الحكومة. يأتي القرار الأخير بعد بضعة أشهر من إلغاء الجهاز لرسوم مماثلة، كان قد فرضها على المحطات المنزلية والتجارية، وهي التي قال وقتها خبراء وأصحاب شركات إنها "لن تحقق مكاسب مالية حقيقية، وإنما ستعرقل ضخ المزيد من الاستثمارات في أحد القطاعات الجديدة بالاقتصاد المصري، قبل شهور معدودة من استضافة مصر لقمة المناخ العالمية «COP 27». ووفق تقديرات اقتصادية، فإن لجوء نظام السيسي للتوسع في الضرائب يهدد الاقتصاد المصري بمجمله، ويشجع مزيدا من هروب الاستثمارات من مصر، على إثر السياسات التطفيشية التي يعاقرها السيسي للاقتصاد المصري المأزوم، فبدلا من تشجيع قطاع الطاقة المتجددة والشمسية التي تمثل استثماراته أحد أبرز مجالات الاستثمار الاقتصادي الأخضر، الذي تدفع وتشجع نحوه كل دول العالم، من أجل الحفاظ عن البيئة ودعم جهود مكافحة التلوث ، والابتعاد عن الوقود الإحفوري، يتسبب السيسي في تدميره ووأده في مهده، على الرغم من تصدير السيسي للكهرباء التي باتت تنتجها مصر بكثافة إلى أوروبا بأقل من أسعار التكلفة، بعدما توسع السيسي في ديون مليارية لتنفيذ شركة سيمنز الألمانية محطات توليد كهرباء، فوق حاجة مصر اضطهرها لتصديرها لأوروبا بأقل من التكلفة، نظرا لأن الكهرباء سلعة لا تخزن ويجب تصريفها. إلا أن سياسات الجشع التي تجعل السيسي يبيع الكهرباء للمستهلك المحلي بأكثر من سعر تكلفتها وأعلى سعرا مما يبيعها للمواطن الأوروبي، هي ما تدفع نحو تخريب الاستثمار الزراعي والصناعي في المناطق الجديدة والنائية، على الرغم مما توفره تلك الطاقة من مواد بترولية وكهرباء للاقتصاد المصري، إلا أنه هو الجشع والغباء الاقتصادي هو ديدن نظام عسكري لا يفهم إلا تحصيل الجبايات والضرائب والرسوم حتى لو أدى ذلك لتخريب الاستثمارات.