نشر موقع "المونيتور" تقريرا سلط خلاله الضوء ، على قيام وفد مصري بزيارة سرية إلى السودان للوساطة بين الأطراف المتصارعة، بعد أنباء عن تدخل أثيوبيا للوساطة عقب تحسن العلاقات بين أديس أباباوالخرطوم. وبحسب التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة"، بدأت حكومة الانقلاب سلسلة من اللقاءات مع القوى السياسية السودانية للمساعدة في تجاوز الأزمة السياسية التي تواجهها البلاد، حيث أسفر انقلاب عسكري عن حل الحكم المدني. جاء ذلك بعد أسابيع قليلة من دعوة عبد الفتاح السيسي الأحزاب السودانية لبدء حوار للاتفاق على خارطة طريق ، من شأنها تسهيل عملية الانتقال الديمقراطي في السودان ، وإجراء انتخابات تسمح للشعب في نهاية المطاف باختيار قيادته. والتقى وفد مصري رفيع المستوى ، بعدد من قادة الأحزاب السياسية السودانية خلال زيارة غير معلنة في منتصف فبراير إلى العاصمة السودانية الخرطوم. وذكرت صحيفة السوداني المحلية ، أن وفد الانقلاب ضم مسئولين كبارا من وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة، إلا أن حكومة السيسي لم تعلن الزيارة ولم تعلق على طبيعة الوفد ومدة زيارته. وأعلن حزب الأمة الوطني السوداني ، أن زعيمه مبارك الفاضل المهدي ، استقبل وفد الانقلاب في الخرطوم لمناقشة سبل حل الأزمة السياسية في البلاد. كما تطرق الاجتماع إلى الجهود الحالية المبذولة للتغلب على الأزمة ، من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو الديمقراطية والسلام والتنمية والاستقرار، وفقا لبيان صادر عن الحزب بعد الاجتماع الذي عقد في 13 فبراير. كما بحث مهدي مع وفد الانقلاب ، التحديات التي تواجه السودان ورؤية حزبه لتجاوز الأزمة. والتقى الوفد في 16 فبراير بعدد من قادة حزب المؤتمر الشعبي برئاسة نائب أمين عام الحزب محمد بدر الدين. ووفقا لبيان صادر عن الحزب ، أطلع الوفد أيضا على رؤية الحزب للأزمة الحالية وسبل استكمال المرحلة الانتقالية في السودان. وتابع البيان أن الجانبين أكدا على ضرورة الحفاظ على سيادة السودان وأهمية التوصل إلى حلول وطنية للقضايا السودانية ، وشدد وفد الانقلاب على حرص مصر حكومة وشعبا على الحفاظ على أمن واستقرار السودان. وقال المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني للمونيتور إن "أعضاء الوفد المصري في السودان، والذي ضم مسؤولين أمنيين ، ربما كانوا سببا في إبقاء الزيارة سرية ومفاجئة من جانب مصر". ويشهد السودان حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر عام 2021 ، عندما استولى الجيش على السلطة منهيا ترتيبات اقتسام السلطة مع شركاء مدنيين في الحكم ، بهدف تمهيد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية في السودان. وتخشى سلطات الانقلاب في مصر، التي تحسنت علاقاتها بالسودان في السنوات الأخيرة منذ الإطاحة بنظام الدكتاتور السابق عمر البشير في 2019، من أن الوضع السياسي المتدهور في البلاد سيزعزع استقرار جارتها الجنوبية. وقال الكاتب السوداني محمد مصطفى للمونيتور إن "مصر تريد المساعدة في تسوية الأزمة التي سببها الانقلاب العسكري، حيث دخلت السودان منعطفا خطيرا يؤثر بشكل مباشر على مصر ، نظرا للترابط الكبير بين البلدين". وأضاف مصطفى أنه عندما أغلق المتظاهرون السودانيون طريق شريان الشمال الذي يربط السودان بمصر منذ أكثر من شهر، أدى ذلك إلى شلل شبه كامل في الحركة التجارية عبر المعابر البرية بين البلدين، وأوضح أن المتظاهرين يضغطون على الحكومة السودانية ، للتراجع عن الزيادة التي أقرت مؤخرا في أسعار الكهرباء. وما زاد من تعقيد المشهد السياسي الحالي ، هو الإعلان عن استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في أوائل يناير، بعد أسابيع من عودته إلى المنصب بموجب اتفاق مثير للجدل مع قادة الجيش. وخلال الانقلاب العسكري، وُضع حمدوك قيد الإقامة الجبرية ، قبل عودته إلى منصبه في 21 نوفمبر بعد اتفاق مع القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، ولكن المحتجين رفضوا الاتفاق، فضلا عن أي شراكة مع العنصر العسكري. بموجب هذا الاتفاق، كان من المفترض أن يتولى حمدوك قيادة حكومة من التكنوقراط إلى حين إجراء الانتخابات في أوائل العام 2024. وكان البرهان، وهو أيضا رئيس مجلس السيادة السوداني، قد أعلن في 20 يناير عن تشكيل حكومة "كفاءات وطنية مستقلة" تضم 15 وزيرا انتقاليا، لكنه لم يقم بتعيين رئيس وزراء خلفا لحمدوك، وتعهد البرهان بالدخول في حوار وطني شامل لحل الأزمة السياسية. ومنذ الانقلاب، خرج المحتجون إلى الشوارع أسبوعيا، مطالبين الجيش بتسليم السلطة إلى المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين خلال المظاهرات. ويقول مسعفون متحالفون مع جماعات مؤيدة للديمقراطية إن "أكثر من 80 شخصا قتلوا في الاشتباكات مع الأجهزة الأمنية منذ الانقلاب". وفي الوقت الذي لا يزال من غير الواضح فيه ما إذا كان الجيش مستعدا للتخلي عن السلطة ، فقد صعدت قوات الأمن في الآونة الأخيرة حملة من الاعتقالات ضد السياسيين والناشطين الذين يرفضون الحكم العسكري، وسط تقارير تفيد بأن أكثر من 100 شخص قد اعتقلوا بسبب مناصبهم السياسية. في غضون ذلك ، أطلقت بعثة الأممالمتحدة الخاصة في السودان في يناير مبادرة تهدف إلى إنقاذ المسار الديمقراطي في البلاد ، عبر إطلاق حوار بين مختلف الأحزاب السياسية والجيش بهدف إيجاد نقاط إجماع واختلاف في مسعى لتسوية الأزمة، وحظيت المبادرة بدعم دولي واسع النطاق، بما في ذلك من الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وتقول مصر التي تدعم مبادرة الأممالمتحدة إن "تفعيل الحوار بين الأحزاب السياسية، سيحل الأزمة الحالية ويمنعها من التحول إلى فوضى". وأعربت الجماعات المؤيدة للديمقراطية ، عن قلقها من أن مبادرة الأممالمتحدة ستضفي الشرعية على موقف الجيش بعد الانقلاب ، وفي الوقت نفسه، يصر قادة الجيش على أن الأممالمتحدة ، ينبغي أن تلعب دور الميسر للعملية السياسية، لا دور الوسيط. وقال ميرغني إن "مصر مؤهلة الآن للقيام بوساطة لتسوية الأزمة نظرا لعلاقاتها القوية مع جميع الأطراف السودانية ، لعبت مصر تاريخيا دورا مباشرا في مساعدة القوى السياسية السودانية على التوحد في مواجهة المشاكل الخطيرة ، وإذا توحدت القوى المدنية، فسوف تظل الفرصة سانحة أمام السودان لتجنب السيناريوهات الفوضوية". وتعرضت مصر لانتقادات واسعة لفشلها في إدانة الانقلاب العسكري صراحة ، حيث عزا البعض ذلك إلى علاقاتها الوثيقة مع قادة الجيش السوداني ، حتى إن بعض زعماء المعارضة السودانية ، ذهبوا إلى حد الزعم بأن مصر أعطت الضوء الأخضر لبرهان للإطاحة بالحكومة المدنية. لكن السيسي نفى هذه المزاعم في 13 يناير، وأكد في مؤتمر صحفي في منتجع شرم الشيخ الذي يقع على البحر الأحمر ، أن حكومته لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، وقال السيسي إن "الأمن والاستقرار القومي للسودان مهمان للغاية بالنسبة لمصر". وقال مصطفى إن "أي مبادرة مصرية ستواجه صعوبات، لأن القوى المدنية تعتقد اعتقادا جازما ، بأن القاهرة تدعم حليفها البرهان بقوة". بيد أن مرغني يعتقد أن من ينتقد مصر بسبب علاقاتها مع العنصر العسكري يسيء فهم موقفها بوضوح ، وأشار إلى أن القاهرة تدرك جيدا هشاشة الوضع الأمني في السودان ، وتخشى من أن يزداد الوضع سوءا ، حيث إن مصر ستكون أول من يدفع الثمن لأن أمنها القومي مرتبط بالأمن القومي السوداني". وأضاف ، تبذل مصر جهودا للتواصل مع المكونات السياسية المدنية السودانية للتغلب على الأزمة ، وإلى أن يتحقق ذلك ، سيبقى العنصر العسكري نقطة محورية لضمان سلامة الأمن القومي السوداني، وكذا ضمان أمن مصر. ويطرح دخول القاهرة على خط الأزمة السودانية، رغم تردد أولي، تساؤلا حول التوقيت، إذ يأتي في أعقاب زيارة مفاجئة قام بها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو، المعروف أيضا باسم حميدتي، إلى إثيوبيا للقاء رئيس الوزراء آبي أحمد في 22 يناير. في مقال نشرته صحيفة العرب اللندنية في 18 فبراير، دعا الكاتب المصري محمد أبو الفضل مصر إلى الإسراع بطرح رؤيتها للأزمة في السودان قبل أن تدخل أثيوبيا المعمعة مع تحسن العلاقات بين أديس أباباوالخرطوم ، وهذا من شأنه أن يمنح أثيوبيا الفرصة لتكرار تجربة الوساطة السابقة بعد الإطاحة بنظام البشير. وبعد الإطاحة بالبشير في السودان، رعت أديس أبابا، بالتنسيق والتعاون مع الاتحاد الأفريقي، عقد اجتماعات ومناقشات بين العنصرين العسكري والمدني، وأسفرت الاجتماعات عن وثيقة دستورية رسمت خارطة طريق للمرحلة الانتقالية التي انقلب عليها الجيش السوداني في وقت لاحق. أعلن السفير الإثيوبي في السودان، يبلطل إيميرو أليمو، يوم 9 فبراير استعداد بلاده لاستئناف الحوار بشأن القضايا المتنازع عليها مع الخرطوم. وأكد أن هناك تطورات إيجابية بين البلدين حول قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير والنزاع الحدودي ، دون أن يضيف مزيدا من التفاصيل. وتسعى مصر للحفاظ على علاقات وثيقة مع السودان ، لأن البلدين تربطهما مصلحة مشتركة وهدف مشترك لتسوية النزاع حول سد النهضة المثير للجدل الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق والذي تخشى الدولتان الواقعتان في المصب مصر والسودان ، من أن يؤثر على إمداداتهما من المياه العذبة. واختتم مصطفى كلامه قائلا "الطريق غير معبدة لكي تقود إثيوبيا وساطة جديدة ، فقد تم تشويه صورة أحمد بشكل كبير بعد الحرب الأهلية التي شنها ضد جبهة تحرير تيغري الشعبية وما تلاها من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى التوتر الحدودي بين إثيوبيا والسودان".