تظاهر عشرات آلاف السودانيين في الخرطوم، من أجل الانتقال إلى الديموقراطية بقيادة مدنية، ونقلت "فرانس برس" عن شهود عيان قولهم إن "قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع، أمس، ما أسفر عن إصابة العديد من الأشخاص، بينما كان نشطاء في القصر الرئاسي في الخرطوم يرددون شعارات ضد قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي قاد الانقلاب في 25 أكتوبر". وهتف المتظاهرون "الشعب يريد إسقاط البرهان" فيما تم نشر قوات أمن إضافية لتطويق الحشود المتزايدة. وقام جنرالات السودان في الحكومة الانتقالية بانقلابهم قبل شهرين تقريبا، وأبقوا رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية الفعلية لأسابيع، ولكنهم أعادوه إلى الحكم في 21 نوفمبر. وقد أدت هذه الخطوة إلى تنفير العديد من أنصار حمدوك من مؤيدي الديمقراطية، الذين رفضوا تلك الخطوة، معتبرين أنها توفر غطاء من الشرعية لانقلاب البرهان. وقال متظاهر في العشرينات من عمره لوكالة الصحافة الفرنسية بينما كان الآلاف يلوحون بالأعلام السودانية يمشون بجواره إن "أي انقلاب، حتى بعد إعادة حمدوك ، غير مقبول، وإن ثورتنا المجيدة في ديسمبر تسعى إلى إنشاء مؤسسات مدنية، وليس أفرادا معينين".
انزلاق نحو الهاوية وحذر حمدوك الذي دعا إلى تجنب المزيد من سفك الدماء ومن "انزلاق البلاد نحو الهاوية" داعيا المتظاهرين إلى ضبط النفس. وأضاف "نحن اليوم أمام تراجع كبير في مسار ثورتنا التي تهدد أمن الوطن ووحدته واستقراره". بيد أن منظمي الاحتجاجات تعهدوا، في شعار رئيسي، بأنهم يريدون "لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية" للقيادة الحالية. وقال متظاهر آخر في مطلع الثلاثينات من العمر وهو ملفوف بعلم سوداني، خرجت اليوم رفضا قاطعا للاتفاق السياسي، هذه الصفقة لا تمثل الشعب، لدينا طلب واحد وهو حكومة مدنية وليس حكومة ينتهي بها المطاف تحت سيطرة الجيش. وقد تم تفريق الاحتجاجات السابقة ضد الاستيلاء العسكري بالقوة. وذكرت لجنة الأطباء المستقلة أن ما لا يقل عن 45 شخصا لقوا مصرعهم، وأصيب عشرات آخرون في جميع أنحاء البلاد. وكانت السلطات قد أغلقت يوم الأحد جسورا تربط العاصمة بمدينتها أم درمان التوأم، إلا أن حشدا كبيرا من الناس ما زال محتشدا. وقال أحد الأشخاص الذين شهدوا الاحتجاجات في أم درمان "الأعداد هائلة ولا يمكن لقوات الأمن السيطرة عليها".
كافة السيناريوهات مطروحة إن تاريخ 19 ديسمبر له صدى خاص في التاريخ السوداني، ولم يكن ذلك اليوم فقط في عام 2018 عندما أطلق الآلاف احتجاجات جماهيرية انتهت بعد أشهر من حكم البشير الذي استمر ثلاثة عقود، بل كان أيضا اليوم الذي أعلن فيه المشرعون السودانيون استقلالهم عن الحكم الاستعماري البريطاني في عام 1955. وبعد الانقلاب على البشير، تسلمت السلطة حكومة انتقالية عسكرية مدنية مشتركة، لكن هذا التحالف المضطرب، تحطم بسبب سيطرة البرهان على السلطة. وقال مدير تحرير صحيفة الجريدة المستقلة أشرف عبد العزيز لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الانقلاب وضع عقبات أمام التحول الديمقراطي ومنح الجيش سيطرة كاملة على السياسة والاقتصاد". ويهيمن الجيش السوداني على شركات مربحة في قطاعات من الزراعة إلى البنية التحتية. وقال رئيس الوزراء العام الماضي إن "80 في المئة من موارد الدولة خارج سيطرة وزارة المالية". وقال عبد العزيز إن "الأجهزة الأمنية انتصرت على المؤسسات السياسية". وقال الوزير خالد عمر إن "الانقلاب كان كارثة، ولكنه كان أيضا فرصة لتصحيح عيوب الترتيبات السياسية السابقة مع الجيش". وحذر من أن أي شيء يمكن أن يحدث خلال الأشهر القليلة المقبلة مع بقاء الجيش في السلطة بقوة. وقال عمر "إذا لم تتكاتف القوى السياسية الفاعلة، ولم تنأى المؤسسة العسكرية بنفسها عن السياسة ، فإن جميع السيناريوهات مطروحة على الطاولة، كما حدد اتفاق 21 نوفمبر 2023 موعدا لإجراء انتخابات جديدة". وقال حمدوك إنه "كان شريكا للجيش في وقف إراقة الدماء التي نتجت عن حملته على الاحتجاجات، وحتى لا يبدد مكاسب العامين الماضيين".