رفض إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، استعمال مصطلح "مترو حماس" الذي تطلقه إسرائيل على شبكة الأنفاق التي أسستها المقاومة تحت الأرض في قطاع غزة من أجل مواجهة أي عدوان إسرائيل والتصدي لأي هجوم بري عدواني. وفضَّل هنية استخدام "المدينة الجهادية" مؤكدا أنها سليمة ولم يمسسها أي سوء جراء العدوان الأخير على غزة. وأضاف في حواره مع قناة الجزيرة الإخبارية يوم الأربعاء 26 مايو 2021م أن المقاومة الفلسطينية قد تمكنت من إفشال خطة إسرائيل للنيل من قدراتها وشبكات الأنفاق تحت القطاع. مؤكداً أن إسرائيل لم تجرؤ على القيام باجتياح بري للقطاع، لأنها كانت تعلم حجم الخسائر التي ستتكبدها. وزاد بهذا الخصوص قائلاً: "ما قامت به المقاومة فاجأ الصديق كما فاجأ العدو في الأداء والمزاوجة بين التحرك السياسي والعسكري" واصفاً الأداء العسكري لفصائل المقاومة ب'المشرف" بعد أن فرض معادلات جديدة. في ذات السياق، يؤكد يحيى السنوار، رئيس حماس بقطاع غزة، أن المقاومة تستطيع إطلاق مئات الصواريخ (باتجاه إسرائيل) في الدقيقة الواحدة بمدى 200 كم. وأضاف أن إسرائيل فشلت (خلال الحرب) في توجيه ضربة للصف القيادي السياسي والعسكري والأمني لحركة حماس، وغرف التحكم والسيطرة. موضحا أن جيش الاحتلال حاول اغتيال 500 من مقاتلي النخبة تحت خدعة الاجتياح البري، لكنها فشلت". وكشف السنوار أن لدى حماس 500 كم من الأنفاق تحت الأرض، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تُلحق ضرراً إلا ب5% منها. في إشارة إلى المدينة الجهادية التي أسستها حماس تحت الأرض. وحول خسائر المقاومة أشار إلى أن إسرائيل اغتالت نحو 57 من عناصر القسام و22 من سرايا القدس". حصن صهيون تصريحات هنية والسنوار تدفعنا إلى المقارنة بين "المدينة الجهادية" التي أسستها المقاومة و"حصن صهيون" الذي يتباهى به الاحتلال، ورغم الإمكانات المهولة التي يمتلكها حصن صهيون إلا أن المدينة الجهادية للمقاومة وبأدوات بسيطة وإمكانات متواضعة للغاية تمكنت من هزيمة "حصن صهيون" وأذاقته صنوف المذلة والهوان. و"حصن صهيون" هو موقع قيادة جديد للجيش الإسرائيلي في أعماق الأرض تحت مقره في قلب تل أبيب. وهو مصمم لقيادة نوع الحروب الجوية عالية التقنية التي حلَّت محل الغزوات البرية التي تُخاض بالدبابات وكتائب المشاة، بعد أن أصبح الجيش الإسرائيلي يتجنب خوض معارك برية بعد خسائره في حرب 2014. واستغرق تصميم موقع حصن صهيون 10 سنوات. وحُفِر على عمق كبير تحت الأرض، وهو حصن محمي من مجموعة متنوعة من التهديدات، بما في ذلك الهجمات النووية. ولديه ما يكفي من الطاقة والغذاء والماء للعمل حتى لو لم يتمكن شاغلوه من الخروج إلى سطح الأرض لفترة طويلة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية. خلال الأوقات العادية، يعمل ما بين 300 و400 جندي على مدار الساعة في حصن صهيون، وفقا لما ورد في تقرير The New York Times. لكن عندما قرر الاحتلال شن عدوانه الجوي على غزة، انضم الآلاف من المقار العسكرية فوق الأرض إلى المخبأ. وكان من بين الحاضرين أيضاً أعضاء من وكالات المخابرات مثل الموساد والشين بيت- وكالة المخابرات الداخلية الإسرائيلية- وممثلي وزارة الخارجية والشرطة. وعلى مدار 10 أيام، قاد هؤلاء العمليات من داخل الوكر، ونادراً ما غادره معظمهم. وداخل مركز القيادة، حُشِد نحو 70 شخصاً على مستويات مختلفة حتى يتمكن الجميع من رؤية الشاشات على الحائط. كان معظمهم يرتدون زياً عسكرياً وكانوا تحت سن 25 عاماً، بينما كان معظم من لا يرتدون الزي العسكري أكبر سناً. وشهد العدوان الأخير مع الفلسطينيين استخدام "حصن صهيون" المنشأة المترامية الأطراف للمرة الأولى في زمن الحرب. وكانت أيضاً المرة الأولى التي يسمح فيها الجيش الإسرائيلي للصحفيين الأجانب بدخول واحدة من أكثر المنشآت تحصيناً وسرية في البلاد؛ في محاولة لإبراز براعة إسرائيل العسكرية والتكنولوجية وفي الوقت نفسه مواجهة الانتقادات بشأن الخسائر في صفوف المدنيين، حسب تقرير The New York Times . ومن داخل حصن صهيون، أشرف جيش الاحتلال الإسرائيلي على آلاف الاعتداءات على قطاع غزة، معظمها من الجو، لكن شملت أيضاً اعتداءات من البحر والبر. ويقول القادة الإسرائيليون إنهم ألحقوا أضراراً جسيمة بحركة حماس التي تسيطر على غزة، بينما يتهم السياسيون الإسرائيليون رئيس الوزراء الإسرائيلي بالفشل في هذه الحرب. وحصن صهيون مكان يُقَاس فيه الناس بعدد الأهداف المُعتمَدَة- من مستودعات وأنفاق وأسلحة يمكن للجيش الإسرائيلي مهاجمتها. وعندما يوافق أحد كبار الضباط على واحدة من هذه الأهداف، يُضَاف إلى "دفتر الأهداف" الذي يراجعه رئيس الأركان مرة واحدة شهرياً، حسب تقرير The New York Times. فشل استخباراتي ورغم الدعاية الإسرائيلية لهذا المركز الذي يعتمد على المعلومات الاستخباراتية بالأساس، فإن أغلب المحللين الإسرائيليين يرجعون "فشل" جيش الاحتلال في حرب غزة إلى الأداء السيئ للموساد والمخابرات العسكرية في توفير معلومات دقيقة عن استعدادات حماس العسكرية. فحتى قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار والذي دخل حيز التنفيذ فجر الجمعة 21 مايو، كان هناك شبه إجماع داخل الدوائر الإعلامية والسياسية والعسكرية في إسرائيل على أن حماس قد انتصرت بالفعل في هذه الحرب، التي استمرت 11 يوماً، والتي سعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إطالة أمدها على أمل تحقيق انتصار ما، لكنه فشل ورضخ في النهاية للقبول بوقف إطلاق النار. مما يظهر فشل إسرائيل الاستخباراتي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي فوجئ بقدرات الصواريخ لدى المقاومة الفلسطينية، حتى إنه لم يكن يعلم أن "حماس" لديها صاروخ يمكن أن يصل إلى منطقة إيلات حتى يتم استخدامه، حسبما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن خبيري الصواريخ عوزي روبين، وتال إنبار. وتعرّض جهاز الاستخبارات الخارجي في إسرائيل، أو الموساد، إلى حملة عنيفة من الانتقادات والسخرية بسبب الفشل في تقديم صورة دقيقة عن القدرات العسكرية التي تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية– وبخاصة سرايا القسام الجناح العسكري لحركة حماس- من تطويرها وامتلاكها منذ الحرب الأخيرة على القطاع المحاصر تماماً عام 2014. ويأمل الإسرائيليون أن يعالج رئيس الموساد القادم ديفيد برنيع، هذا الفشل عندما يتولى منصبه خلفاً ليوسي كوهين، الرئيس الحالي للموساد، الذي تنتهي ولايته بنهاية مايو الجاري. كيف نجحت المقاومة؟ بحسب صحيفة The New York Times فمن الواضح أن المقاومة الفلسطينية اعتمدت على مزيج من الأدوات لإضعاف قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على رصدها منها النظام الأمني الصارم، والحرص في استخدام الأجهزة الإلكترونية أو تجنبها، وعمليات تمويه، وإخفاء، ونظام أمني صارم لمحاولة تقليل الاختراقات. ورغم محاولات الدعاية الإسرائيلية إظهار الجيش الإسرائيلي أنه يحاول تقليل الخسائر المدنية، إلا أن الواقع يشير إلى أن جزءا كبيرا من القصف الإسرائيلي كان بلا جدوى عسكرية، بل كان أحياناً تنفيساً عن الغضب، رغم كل التكنولوجيا المتوفرة داخل حص صهيون. وقد كشف طيار حربي إسرائيلي، أن تدمير الأبراج السكنية خلال العدوان على قطاع غزة كان طريقاً للتنفيس عن إحباط الجيش، بعد فشله في وقف إطلاق الصواريخ من القطاع على المدن المُحتلة، والذي شكّل ضغطاً على جيش الاحتلال وحكومته. ولكن رغم كل هذه التحضيرات العملاقة في حصن صهيون، فإن الفصائل الفلسطينية أطلقت نحو 4 آلاف صاروخ تجاه المستوطنات الواقعة جنوبي إسرائيل، وكذلك على عدد من المُدن المُحتلة في وسط البلاد، بحسب بيان سابق لجيش الاحتلال، وأدى القصف إلى مقتل 12 إسرائيليا وإصابة نحو 330 آخرين، بحسب قناة "كان" الرسمية. ويعد معدل إطلاق الصواريخ هذا مرتفع للغاية مقارنة بحرب عام 2014، والتي استمرت لفترة أطول بكثير، كما أدى إطلاق الرشقات الصاروخية من قطاع غزة إلى إدخال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ ووقف حركة القطارات بين مدن وسط وجنوب البلاد، وتعليق هبوط وإقلاع الرحلات الجوية لفترات بمطار بن جوريون الدولي بتل أبيب، واستمر إطلاق الصواريخ من القطاع حتى وقف إطلاق النار. الأمر الذي يمثل هزيمة مرة لإسرائيل وحصنها الصهيوني الذي تهاوى أمام ضربات المقاومة الفولاذية.