بيان النيابة العامة التابعة لحكومة الانقلاب في مصر أمس الثلاثاء 6 أكتوبر 2020م، والذي يبرئ الضابط المتورط في قتل الموطن عويس الرواي داخل منزله بمنطقة العوامية بمحافظة الأقصر يوم 30 سبتمبر 2020م، يمثل ترجمة حرفية لتوجيهات وأوامر قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بعدم محاكمة أي ضابط يتسبب في قتل أو إصابة أي مواطن. وكان زعيم الانقلاب قد تعهد في مقطع فيديو جرى تسريبه وبثته شبكة"رصد" في أكتوبر 2013م، بحصور عدد من قيادات الجيش، بعدم محاكمة أو مساءلة أي ضابط في الجيش أو الشرطة يتسبب في قتل أو إصابة أي مواطن. وقال السيسي، إن ما تم تجاه الشرطة خلال العامين الماضيين قد أفرز مناخا جديدا، وأكد أن الضابط الذي سيتسبب في قتل متظاهر أو إصابته في عينيه، بإطلاق قنابل الغاز أو الخرطوش، لن يُحاكم، مشيرا إلى إدراك المتظاهرين لذلك. وهو المقطع الذي جرى تداوله على نطاق واسع في أواخر 2013م. وبالتالي فإن بيان النيابة يمثل ترجمة حرفية لتوجهات وأوامر السيسي التي تستهدف فرض حالة من الإرهاب والتخويف في صفوف الشعب وإدارة البلاد بأدوات القمع والبطش والطغيان. وكان اللواء مجدي أبو قمر مدير أمن البحيرة السابق قد وصف الشعب المصري بالعبيد وأنهم "الجيش والشرطة" أسياده، وأسياد البلد كلها، قائلا: "إحنا أسيادهم واللى يمد إيده على سيده ينضرب بالجزمة". وهو المقطع الذي جرى تداوله في فبراير 2011م في أعقاب خلع مبارك بأسبوعين فقط. ما يؤكد أن الشرطة كانت تعادي ثورة يناير من اليوم الأول وحتى بعد سقوط مبارك وعملت على الدوام من أجل إثارة الفوضى لتمهيد الأجواء لانقلاب الجيش والسيطرة من جديد على جميع مفاصل الدولة ومواصلة سياسات القمع والبطش واستعباد الناس. ويمكن رصد الملاحظات الآتية في بيان نيابة الانقلاب: أولا: الهدف من البيان هو تبرئة ساحة الداخلية والضابط المجرم الذي أطلق الرصاص على عيسى الراوي بعدما صفع والده فأخذته النخوة ورد الصفعة للضابط الذي لم يتردد في إطلاق ثلاث رصاصات قاتلة على رأس الراوي فأردته قتيلا في الحال وسط ذهول الأسرة. ولذلك وصف بيان نيابة الانقلاب الشهيد "عيسى الراوي" بالإرهابي المطلوب على ذمة قضايا إرهابية وفق تحريات الأمن الوطني؛ وهي ديباجة معلبة لتبرير كل جرائم الشرطة التي تزايدة بصورة غير مسبوقة في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م. ثانيا: من أجل تحقيق الهدف من البيان وتبرئة ساحة الداخلية من دماء الرواي يدعي بيان النيابة أن الراوي قاوم السلطات وقاوم الحملة الأمنية التي توجهت إلى مسكنه لتنفيذ إذن النيابة بضبطه وضبط عدد من ذويه وأقاربه على ذمة ما وصفتها بقضايا إرهابية. مدعية أن عثر بحوزته على سلاح آلي ناري بجوار جثمانه! وهي الرواية المفبركة التي يستهدف النظام تسويقها لمواجهة الرواية الحقيقية التي تؤكد أن الضباط المسئول عن الحملة صفع والد الراوي فأخذت الابن النخوة ورد الصفعة للضابط الذي لم يتردد وأطلق ثلاث رصاصات على رأس الضحية فأرداه قتيلا في الحال. ثالثا: وفي محاولة يائسة للحد من انتشار الرواية الحقيقية، طالبت نيابة الانقلاب وسائل الإعلام إلى الالتزام بما تصدره وحدها من بيانات، دون غيرها، بشأن تلك الواقعة، وغيرها من الوقائع، وتجنب ما وصفتها بالشائعات، والأخبار الكاذبة التي تضر حتماً بالسلم العام، وتؤثر سلباً على سلامة التحقيقات". وهي بذلك تعتبر الرواية الحقيقة شائعات وأخبار كاذبة بهدف تبيض صورة الداخلية التي تورطت في سفك دماء الرواي وقبله إسلام الأسترالي في المنيب والآلاف غيرهم في سجون ومقرات الاحتجاز التابعة للداخلية. رابعا: فرضت أجهزة السيسي الأمنية حصارا مشددا على قرية العوامية في أعقاب مقتل الرواي وخروج مظاهرات عارمة رفضا لجريمة ضباط الشرطة والداخلية كلها التي باتت منذ الانقلاب تسترخص حياة المصريين ولا تكترث بسفك دمائهم بشتى الوسائل دون خوف من محاكمة أو حساب. خصوصا وأن المظاهرات التي شارك فيها جميع أبناء القرية هتفت برحيل قائد الانقلاب الطاغية عبدالفتاح السيسي باعتباره المجرم الأول الذي يبث الفتنة في المجتمع وتقود سياساته الأوضاع إلى انفجار وربما حرب أهلية وصدامات دموية لا يمكن التنبؤ بانتشارها وتوقيتها ومداها. خامسا: أدركت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذه الحقائق كلها وأن من يقف وراء هذه الجرائم بحق الشعب المصري هو النظام نفسه وذلك أصدرت بيانا أمس الثلاثاء، قالت فيه ن استخدام الشرطة للتعذيب ينتشر في مصر على نطاق واسع ونادرا ما يجري محاسبة الضباط المتورطين في هذه الجرائم. ونشرت صحيفة "البايس" الإسبانية، الإثنين، تقريرا تحدثت فيه عن توثيق تقرير إحدى منظمات حقوق الإنسان المحلية المصرية حالات الاختفاء اليومية التي أصبحت ممارسة منهجية على مدى السنوات الماضية في البلاد.