الرسالة الأهم من الحراك الشعبي في انتفاضة 20 سبتمبر 2020م، أن الغالبية الساحقة من المتظاهرين هم شباب يدور بين 15 إلى 30 سنة، ما يعني أن النظام في مأزق كبير لن يستطيع تجاوزه مهما طال الوقت. كما أن هذه الانتفاضة بتمددها وتوسعها وكثافة المشاركة فيها وصمود المحتجين أمام جحافل الأمن تقدم دفعة معنوية كبيرة للشعب وقوى المعارضة، وتسهم في تحطيم حواجز الخوف التي دشنها النظام بمذبحه وبطشه وظلمه على مدار سنوات مع بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، كما تمثل هذه الانتفاضة خصما من رصيد النظام لدى القلة التي تؤيده وتهز ثقته بذاته وتشكك في قدرته على الاستمرار والاستقرار خلال المرحلة المقبلة. مقدمة حراك أوسع واعتبر البعض أن الرسالة الأهم في الحراك الحالي أنه يمثل مقدمة لحراك أوسع وانتفاضة أعم تسترد ثورة يناير وتحرر البلاد من الاستبداد والطغيان، كما تحرر الوطن والجيش ومؤسسات الدولة من مافيا الحكم العسكري. فالسيسي عليه أن يقلق لأنه دخل في عداء مجنون ضد المجتمع المصري في أغلبيته العظمى عندما أقر تشريعا يلزم به المصريين بشراء بيوتهم أو إعادة شراء مساكنهم، ثم أقدم على جريمة هدم البيوت، وهدد بنزول الجيش إلى القرى للقيام بالإبادة تحت اسم قانون التصالح لمخالفات البناء. ومن ثم فإن إقدام نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، على جريمة جديدة بتنفيذ حكم الإعدام بحق 18 مصريا كانت أجهزته القضائية قد أجرت لهم محاكمات صورية مسيسة خلت من أي أدلة مادية تدينهم سوى تحريات الأمن الوطني وأجهزة السيسي الأمنية، يمثل رسالة تهديد ووعيد للشعب كله. وبحسب منظمات حقوقية فإن من تم تنفيذ الإعدام بحقهم بينهم اثنان في القضية الهزلية المعروفة إعلاميا ب"أحداث مكتبة الأسكندرية" (ياسر الأباصيري وياسر شكر). أما باقي الذين أعدموا فهم من المحكوم عليهم في القضية المعروفة إعلاميا ب"أجناد مصر 1" بالإضافة إلى 3 من الهزلية المعروفة باسم "قسم شرطة كرداسة".. الرسالة والدلالة ويمثل توقيت تنفيذ الإعدام بحق هؤلاء الضحايا رسالة تهديد ووعيد للشعب بالتزامن من الحراك الشعبي الذي انطلق ضمن انتفاضة 20 سبتمبر، فالسيسي مرعوب من الحراك الشعبي خصوصا في ظل تزايد معدلات الغضب الشعبي في أعقاب حمالات الإزالة التي نفذتها أجهزة السيسي الأمنية والحكومية لمئات المنازل بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون. تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء يأتي في إطار خطة أمنية ممنهجة تستهدف إعادة الخوف والرعب إلى نفوس المصريين بعد أن جرى رصد مئات المشاهد التي تؤكد أن الشعب بدأ بكسر جدران الخوف وبات يتجرأ لأول مرة ضد أجهزة السيسي الأمنية منذ انقلاب 3 يوليو 2013م. وتعتمد خطة السيسي من أجل إرهاب الشعب وتخويفه على عدة خطوات: أولاً، إعادة الانتشار الأمني ليجري حصار معظم القرى والمناطق التي شهدت مظاهرات ضد السيسي في جمعة الغضب الأولى 25 سبتمبر 2020م. ثانيًا، شن حملات اعتقال طالت مئات المواطنين من الذين شاركوا في الانتفاضة الشعبية. ثالثًا، في سبيل تحقيق أعلى صور الإرهاب للشعب قتلت أجهزة السيسي الأمنية 4 مواطنين خلال شهر سبتمبر الماضي وهم عيسى الراوي ابن محافظة قنا الذي قتله ضابط لرفضه صفع الضابط لأبيه فرد الصفعة بصفعة مماثلة فأطلق عليه الضابط النار وأرداه قتيلا في الحال، كما جرى قتل الشاب إسلام الأسترالي ابن منطقة المنيب بالتعذيب على يد ضباط قسم الشرطة. كما أطلقت أجهزة السيسي الأمنية الرصاص الحي على المتظاهرين بقرية البليدة بمركز العياط بمحافظة الجيزة ما أسفر عن مقتل الشابين سامي وجدي سيد بشير(25 سنة) رضا محمد حامد أبو إمام "22 سنة"، وإصابة بالغة للطفل محمد ناصر حمدي "13 سنة"، بخلاف إصابة 17 آخرين برصاصات مطاطية بقرى الكداية والرقة القبلية والعطف والشوبك الشرقي والبليدة. رابعًا، تكميم الأفواه ومنع جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية من تغطية الانتفاضة الشعبية واعتقال أي صوت يعارض نظام الطغاة وقد اعتقلت أجهزة السيسي الأمنية صباح السبت 3 أكتوبر الصحفية بسمة مصطفى، أثناء عملها على تغطية ميدانية لجريمة قتل عيسى الراوي على يد ضابط شرطة في محافظة الأقصر بصعيد مصر، بحسب موقع المنصة الإخباري الذي تعمل الصحفية لصالحه. كما اعتقلت أجهزة السيسي المحامي طارق جميل سعيد لبثه مقطع فيديو على حسابه بمواقع التواصل الاجماعي يفضح فيه حجم الرشاوى الباهظة لشراء مقاعد البرلمان المقبل، مؤكدا أن من جرى اختيارهم على قوائم حزب مستقبل وطن الذي تشرف عليه الأجهزة الأمنية هو لمامة الناس وأكثرهم فسادا وانحطاطان وأن المعيار الوحيد لاختيارهم هو قدرتهم على دفع عشرات الملايين كرشاوى لقادة الأجهزة الأمنية. الدوافع والأسباب أسباب التصعيد الإجرامي من جانب السيسي وأجهزته هو حالة الرعب التي يعيشون فيها والخوف من اندلاع ثورة شعبية تعصف بالنظام والمافيا العسكرية الحاكمة التي اختطفت الجيش والوطن لحسابها وحسابها رعاتها الإقليميين والدوليين لضمان المصالح الأمريكية والصهيونية في مصر والمنطقة. وقد مثل خروج المصريين بهذه الكثافة الكبيرة في انتفاضة 20 سبتمبر2020م، رسالة جليّة إلى النظام، مفادها أنهم يرفضون طريقة إدارته للبلاد على مدار السنوات السبع الماضية ويطالبونه بالرحيل. ورغم وضوح الرسالة، يبدو أن النظام يرفض استقبالها على النحو المفهوم منها، وهو من يمكن تلمسه عبر وسائل الإعلام الناطقة بهوى النظام. كما أن توسع الحراك حمل رسالة من الشعب تؤكد أنه رغم القبضة الأمنية ما زال قادرا على النزول إلى الشارع للاحتجاج ولا يزال يملك الأمل في إطاحة الاستبداد حتى يحيا بكرامة في وطنه في ظل نظم منتخبة من الشعب وتعمل لمصالحه وليس لمصالح مافيا الحكم ورعاته الإقليميين والدوليين. لهذه الأسباب عجل النظام بتنفيذ أحكام الإعدام وسفك دماء المزيد من الأبرياء واعتقال كل صوت يفضح النظام وأجهزته وأن مصر حاليا تدار بمنطق العصابة وليس بطرق إدارة الدول ونظم الحكم الرشيدة.