في الوقت الذي جددت فيه إثيوبيا تهديداتها باستخدام القوة حيال حماية سد النهضة مما اعتبرته الأخطار التي تهدده، وقال قائد القوات الجوية الإثيوبية: "بلادنا قادرة على منع أي هجوم على سد النهضة"، وصفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الموقف الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة بالمتلاعب، مُعتبرة أنه وطالما ظل السد أداة في يد إثيوبيا للسيطرة على النيل الأزرق، فإن المفاوضات محكوم عليها بالفشل". وحذر يلما مرديسا القائد العسكري لقوات الجو الاثيوبية من أن قواته "تمتلك قوة ضاربة ومتطورة ولا يسمح بالاقتراب من المجال الجوي للسد". تصريحات "مرديسا" جاءت مباشرة لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، وهو ما يعني موقفا عاما وليس مجرد تصريح طائش على وسائل التواصل، معززا لها بأن "قواته ترصد المجال الجوي القريب من سد النهضة، وأن المنطقة تحت مراقبة مشددة، ولا يسمح بالاقتراب من المجال الجوي للسد". وأعلن مرديسا في مارس الماضي استعداد بلاده لأي هجوم، وذلك في سياق تصعيد إعلامية إثيوبي عقب انسحاب أديس أبابا من المفاوضات مع مصر والسودان برعاية أميركية، مؤكدة حقها في مياه النيل، وأنه لا توجد قوة تمنعها من استغلال مواردها في التنمية، وهو ما رفضته القاهرة واعتبرته تصعيدا غير مبرر. ولسد النهضة تأثير سلبي على مصر حيث سيؤثر على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، كما أن له تأثيرات سلبية على السودان الذي يحصل فقط على 18.5 مليار متر مكعب من المياه. وتفيد أرقام تحليل الصور وقياساتها بأن المساحة الكلية للبحيرة تضاعفت 5 مرات بعد الملء لتبلغ 255 كيلومترا مربعا بسعة تقدر بما يزيد على 5 مليارات متر مكعب. النيل الأزرق وفي تحليل للدكتور محمد هلال، الأستاذ الزائر بكلية الحقوق في جامعة هارفارد الأمريكية، عبر فورين بوليسي أشار إلى التفاوض بين مصر وإثيوبيا الممتد عبر عقد من الزمان ولم يتمخّض عن اتفاق. واعتبر أن مئات الاجتماعات ورزم التقارير الفنية والبيانات والوسطاء والمراقبين دوليين، لم يُقدّم سوى القليل-باستثناء إعلان المبادئ الموقّع عام 2015، والذي قدّم إطارًا قانونيًا لتنظيم المفاوضات-في ظل هذا الاضطراب الدبلوماسي. واستردك لاحقا أن موقف مصر مبدئيًا وواقعيًا يُقِرّ بحق إثيوبيا غير القابل للتصرف في التمتع بفوائد النيل الأزرق والاضطلاع بمشاريع التنمية المستقبلية. ومع ذلك، تعتقد مصر أن القانون الدولي يجب أن يحكم أي مشاريع مستقبلية على النيل الأزرق. علاوة على ذلك، تدرك مصر أنه سيكون من المستحيل، في هذه المفاوضات، التغلب على عقود من الخلافات حول البنية التحتية القانونية والمؤسسية التي تحكم حوض النيل. مشكلة للمصب وقال هلال إن "التوفيق بين احتياجات إثيوبيا التنموية وحتمية بقاء مصر ليس تحديًا يستعصي على المقاومة، ومع ذلك، فإن المأزق يكمن في أن تطورات المنبع تؤثر دائمًا على دول المصب، ويمكن أن تُعرّض ملايين الأشخاص لتداعيات مُدمّرة جراء نقص المياه المُحتمل" ولكنه حذر من التهديد يصبح حادًا بشكل خاص في أزمة سد النهضة، والذي عند اكتمال بنائه، سيكون أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا بسعة تخزين تزيد على ضعف سعة سد هوفر بالولايات المتحدة. وإذا تم ملؤه وتشغيله دون اتفاق مع مصر والسودان، فقد يكون له آثار كارثية على معيشة مجتمعات المصب. واعتبر أن ما حدث في السودان بشأن اضطرابات أنظمة امدادات مياه الشرب يعود لخطوة اثيوبيا المنفردة ب "ملء السد في يوليو عن طريق حجز ما يقرب من 5 مليارات متر مكعب من المياه بسرعة"، موضحا أن ذلك دليل على القلق المتزايد بشأن قرار إثيوبيا لملء السد وعدم إحراز تقدم في المفاوضات. دوافع إثيوبيا وأوضح الخبير المصري أن المفاوضات بالنسبة لإثيوبيا هي أكثر بكثير من مجرد سد النهضة وقيمته الاقتصادية. في الواقع يعتبر السد أداة في محاولة إثيوبيا لممارسة سيطرة غير مُقيّدة على النيل الأزرق؛ لتحرير نفسها من قيود القانون الدولي التي تنطبق على جميع الدول المشاطئة التي تشترك في مجاري المياه الدولية، ولإجبار مصر والسودان على تقسيم مياه النيل الأزرق ومياه النيل بشروط إثيوبيا، بحسب التحليل المنشور على الموقع الإلكتروني للمجلة الأمريكية. وكشف أن الدوافع الإثيوبية الخفيّة تنعكس في مقترحات مفاوض أديس أبابا طوال المحادثات التي جرت هذا العام، بما في ذلك مثل النص الذي أرسلته إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يونيو. وتُظهر هذه المقترحات، وفق التحليل، عدم رغبة إثيوبيا في إبرام اتفاق ملزم قانونًا -بل إنها رفضت تسمية الصك الذي يجري التفاوض بشأنه ب"اتفاقية". مضيفا أن اديس ابابا رفضت إدراج أي آلية ملزمة لتسوية المنازعات واقترحت بدلاً من ذلك حل الخلافات من خلال التفاوض والوساطة، وبالنسبة لإثيوبيا، فإن هذه المفاوضات تدور حول أكثر بكثير من سد النهضة وقيمته الاقتصادية. مماطلة وجدل ومقابل ما تقوم به إثيوبيا فعليا من إجراءات على الأرض، تطالب –بحسب المجلة- الحكومة الإثيوبية مصر والسودان بالتوقيع على وثيقة تمنحها الحق في تعديل شروط اتفاق بشأن السد من جانب واحد. وتُصر على أن أي اتفاقية من هذا القبيل يجب أن تمنح إثيوبيا الحق المطلق في القيام بمزيد من مشاريع التنمية وتعديل اتفاقية سد النهضة لاستيعاب محطات المياه الجديدة في المستقبل. ومع ذلك، فإن ذلك سيتطلب فعليًا من مصر والسودان التخلي عن حقوقهما على ضفاف النهر وتحويل نفسيهما إلى رهائن هيدرولوجيين لإثيوبيا. وأضافت أن إثيوبيا تجادل بأنه يجب على مصر والسودان الانضمام إلى اتفاقية الإطار التعاوني، وهي معاهدة غير فعالة ومثيرة للانقسام تم تصميمها قبل عقد من الزمان لإدارة مياه النيل، لكنها افتقرت منذ ذلك الحين إلى الدعم اللازم لتدخل حيز التنفيذ. وخلص التقرير إلى أن إثيوبيا تسعى إلى إنشاء جدول هيدرولوجي من خلال إملاء توزيع مياه النهر وتجاهل حقائق الجغرافيا التي جعلت بقاء مصر لفترة طويلة معتمدةً على النيل.