مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل "2020"م، يمثل انحياز المستبدين العرب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب واليمين المتطرف في الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم عدائه الشديد للإسلام والمسلمين لغزا يحتاج إلى تفسير. فقائد الانقلاب في مصر الطاغية عبدالفتاح السيسي مغرم بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب درجة العشق الحرام؛ في الوقت الذي يبدي فيه مشاعر جافة تجاه منافسه جو بايدن الديمقراطي. فالسيسي لا يعنيه كثيرا عداء ترامب للإسلام والمسلمين؛ لأن السيسي نفسه يبدي ذات الدرجة من العداوة والاحتقار للإسلام والمسلمين بخلاف الطقوس التي تتم من أجل الشو الإعلامي ولزوم أدر دور الرئيس؛ ويكفي أن تقارن بين بشاشة السيسي داخل الكنيسة وفي مقابلاته مع الوفود اليهودية في الوقت الذي يبدي فيه صرامة وتجهما في لقاءاته مع الأزهر ومشايخه ودعاته. وبرهان آخر على عداء السيسي للإسلام؛ هو تدمير وهدم عشرات المساجد وتبرير ذلك بأنها أقيمت بالمخالفة للقانون؛ رغم أن السيسي سن قانونا خاصا بتقنين أوضاع الكنائس المخالفة؛ فلماذا تعامل بالبلدورزات وأدوات التدمير مع المساجد في الوقت الذي يتعامل فيه بقدر كبير من السماحة والتجاوب في تقنين الكنائس المخالفة؟ ويكفي أن السيسي خصص نحو 100 مليون دولار لترميم بعض المعابد اليهودية في مصر رغم أن الجالية اليهودية كلها في مصر لا تزيد عن 6 نسوة؛ ما يعني عدم إقامة صلاة في المعبد لعدم توافر النصاب القانوني من الرجال اللازمين لأدائها! وبرهان ثالث على عداء السيسي للإسلام يتمثل في المذابح الجماعية التي نفذها بحق آلاف المسلمين في أعقاب انقلابه المشئوم الذي دبرته عصابة ومافيا نافذة اختطفت الجيش والدولة لحساب مصالحهم الخاصة ومصالح رعاتهم الإقليميين والدوليين؛ فقد قتل السيسي أكثر من ألف مسلم في رابعة والنهضة في يوم واحد؛ ولو أن هذه المذبحة جرت لأصحاب ديانة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد؛ ولجرى تحويل السيسي إلى محاكمة دولية بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية. ويبدو أن العداء الذي يبديه السيسي للإسلام مستمد في جوهره وحقيقته من التزلف والنفاق للإدارة الإمريكية التي تنتمي إلى اليمين المتطرف؛ وهو تيار ديني متشدد شديد العداء للإسلام والمسلمين؛ ويكفي الاطلاع على تصريحات ترامب المعادية للإسلام والمسلمين قبل انتخابات الرئاسة في نوفمبر 2016م، والتي دائما ما اتهم فيها الإسلام بالإرهاب والتطرف وهي ذات الأفكار التي رددها زعيم الانقلاب في مصر في حضور قيادات المؤسسة الدينية من الأزهر والإفتاء والأوقاف؛ حتى اتهم المسلمين جميعا بالعدوانية رغم أنهم مضطهدون وبلادهم محتلة. هدف السيسي هو كسب الدعم الواسع من اليمين المتطرف لنظام حكمه الذي اغتصب السلطة بانقلاب عسكري، وضمان بقاء نظامه واستمراره؛ لإدرام السيسي أن قواعد اللعبة تتحكم فيها واشنطن؛ اتساقا مع تصريحات سابقة للرئيس الراحل أنور السادات الذي كان يردد في خطبه أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا؛ الأمر الذي دفع الشيخ عبدالحميد كشك ، عليه رحمة الله، بانتقاد هذه التصورات متسائلا: «ماذا تبقى إذا لله لكي يدير كونه وخلقه؟ وهو سؤال استنكاري يعصف بالأسس العقائدية الهشة التي تسيطر على عقول حكام مصر من جنرالات العسكر. السيسي إذا يرى في بقاء ترامب بقاء للدعم الأمريكي لنظامه، وفوز بايدن يمثل خسارة لأكبر داعم لنظامه في البيت الأبيض؛ وقد ناقشت الإذاعة الألمانية "DW" أسباب انحياز السيسي والحكام العرب لترامب في تقرير لها استشهدت فيه بعبارة «أين ديكتاتوري المفضل؟".. التي وصف بها ترامب عبدالفتاح السيسي على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، 2019م، واعتبرت ذلك تجسيدا كوميديا يُظهر متانة العلاقة بين ترامب والمستبدين العرب.. وفي إشارة إلى دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في انقلاب 3 يوليو 2013م ونفوذها الواسع في تعيين واختيار الحكام العرب؛ تقول الإذاعة الألمانية إن السياسة الخارجية الأمريكية تلعب دورا نشطا في تنصيب والإطاحة بالزعماء بمنطقة الشرق الأوسط، وأن ولع ترامب بالزعماء المستبدين جرت ترجمته في السياسة الخارجية الأمريكية إلى تساهل متزايد مع انتهاكات حقوق الإنسان، خاصةً في مصر والمملكة العربية السعودية. وتنقل الإذاعة الألمانية عن عمرو مجدي من منظمة هيومن رايتس ووتش: "الزعماء العرب مثل السيسي تُسعدهم بشدة رؤية قوة عالمية مثل الولاياتالمتحدة يقودها رئيسٌ يُهاجم الصحافة علناً، ويتجاهل حقوق الإنسان، ويحكم بأجندةٍ شعبوية. ولا عجب في أنّ الكثير من الحكومات العربية دعمت ترامب عام 2016، وهم يدعمونه الآن". وأردف مجدي: "باختصار، فوز ترامب بفترةٍ رئاسية أخرى سيعني انتصاراً للزعماء المستبدين مثل السيسي، ومساحةً أكبر لسحق حقوق الإنسان"، لكن السيسي ليس المستبد العربي الوحيد الذي يستمتع بدعم غير محدود تقريباً من الرئيس الأمريكي. وبخلاف ما جاء في تقرير الإذاعة الألمانية، كان "بايدن" قد وجه انتقادات لاذعة لرئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي، وتهديداته الصريحة بأن إدارته لن تمنح دكتاتور ترامب المفضل شيكا على بياض، وهي الانتقادات التي مثلت رسالة واضحة المغزى والدلالة؛ وشدد في تغريدة له يوم 12 يوليو 2020م على أن انتهاكات نظام السيسي المتكررة لحقوق الإنسان لن تقابلها إدارته بالتجاهل والصمت كما تفعل إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. وجاءت تغريدة بايدن الحادة في لغتها وطبيعتها، بمناسبة عودة المواطن الأميركي ذي الأصول المصرية محمد عماشة إلى مطار دالاس بولاية فيرجينا، بعد اعتقاله لأكثر من عام في القاهرة، بسبب حمل لافتة في ميدان التحرير مكتوب عليها "الحرية لجميع السجناء"، طبقا لبيان من مؤسسة مبادرة الحرية بواشنطن.كما أبدى "بايدن" تعاطفه مع عائلة الشهيد المصري مصطفى قاسم الذي وافته المنية في سجون السيسي في يناير 2020م. من ناحية أخرى، وعد أنتوني بلينكن مستشار حملة بايدن للسياسة الخارجية -خلال محادثة بالفيديو مع نشطاء الجالية العربية الأميركية- بالتزام إدارة بايدن بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في تعاملها مع الدول العربية، خاصة السعودية ومصر". وقال بلينكن "إن ترامب يفعل الكثير لتقويض مكانتنا الأخلاقية على مستوى العالم وقدرتنا على القيادة، ولنتذكر أنه يطلق على السيسي لقب: دكتاتوري المفضل". وتعهد بلينكن -الذي سبق أن عمل نائبا لمستشار الأمن القومي في إدارة باراك أوباما- "بأن علاقات الولاياتالمتحدة مع السعودية ومصر تحت حكم بايدن ستبدو مختلفة تماما عما هي عليه الآن".