بمقدار التآكل الحاد لشعبية رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي ونظام العسكر كله، تنشط الآلة الإعلامية من أجل ترميم هذه الشعبية بتكثيف الأغاني والإعلانات الممولة والمشاهد التمثيلية المفتعلة؛ من أجل إقناع المشاهد بمدى إنسانية أشد البشر خسة ووضاعة وإجراما. السيسي الذي غدر بالرئيس الذي عينه وخان الأمانة من أجل تحقيق أطماعه في السلطة، فدبر انقلابًا عسكريًا، واعتقل الرئيس المنتخب والآلاف من أنصاره وحكومته المنتخبة، ثم قتله بعد 6 سنوات من الاعتقال والانتهاكات، وحرمانه من أبسط حقوقه كيف يكون إنسانا؟ ألم ير العالم كله كيف قتل السيسي آلاف الأبرياء في ساعات قليلة من نهار 14 أغسطس 2013م؟ ألم تبث أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث على الهواء مباشرة ورآها الناس رأي العين؟ ألم يسيطر على الحكم ويكره الناس على ما يريد إكراها بالحديد والنار بعد أن اعتقل أكثر من مائة ألف مصري من أنصار ثورة 25 يناير؟ فكيف يكون إنسانا؟ المشاهد المفتعلة لا تمنح الطغاة إنسانية زائفة وأمام تجرد السيسي من كل فضيلة وانكشاف أمره أمام العالمين، يسعى بكل همة ونشاط من أجل ستر عورته بعد أن بات أمام الناس عريانا؛ ومن هذه المشاهد المفتعلة ما جرى أول من أمس. فهو مشهد تمثيلي فضحه وجود الكاميرات والميكرفونات.. عندما أوقف السيسي موكبه للاطمئنان على شاب أصيب في حادث. الغريب في المقطع أن الكاميرات كانت حاضرة وموجودة، مع أنه يفترض أن السيسي كان في الشارع لا في مؤتمر صحفي. وقد ظهر السيسي وهو داخل سيارته يحيط به الحرس الرئاسي، بينما يقف الشاب الذي يفترض أنه وقع عن دراجته وهو يضع كمامة، ويقف بعيدا عدة أمتار عن السيسي، دون أن تظهر عليه أي علامات للإصابة، بخلاف أن المكان الذي تم التصوير فيه كان خاليا من المارة والناس والسيارات باستثناء موكب السيسي؛ فكيف تقع حادثة في مثل هذا المكان؟ وبدون أن يترجل من سيارته، سأل السيسي الشاب ضاحكا "ها أنت كويس، مش لابسين خوذ ليه"، ثم سأله عن زميله الذي كان يقود الدراجة، والذي ظهر أيضا وهو يرتدي كمامة ولا تظهر عليه أي علامة إصابة أو سقوط. وما أثار سخرية النشطاء، عدا عن وجود الكاميرا والميكرفونات، هو وجود طبيب في نفس الموقف، والذي أجاب أيضا على أسئلة السيسي حول وضع الشاب. ويؤكد الحقوقي بهي الدين حسن، أن مثل هذه المقاطع المصطنعة لا تعيد الثقة المتداعية حسب قوله، فغرد "دليل قلق كبير يتوهم أن الإفراط في مثل هذه المشاهد المصنوعة يساعد على تحسين ثقة المصريين المتداعية فيه، وفي أصعب لحظة يمرون بها خلال سنواته السبع الماضية، حيث تتجسد أمامهم مدى مرارة وقسوة الحصاد في الصحة والاقتصاد والمياه قبل السياسة". قصة مرسي مع عم محمود بائع الفول على عكس مواقف السيسي المفتعلة والمشاهد المسرحية المصطنعة لترميم شعبيته المتداعية، كانت مواقف الرئيس الشهيد محمد مرسي شديدة الصدق والتأثير؛ الحكاية يرويها عم محمود بنفسه، والذي كان يبلغ من العمر وقتها في عام 2012م، 65 سنة. يقول عم محمود: "قبل الانتخابات الرئاسية بكثير، ومنذ أن سكن الدكتور محمد مرسي بالقاهرة الجديدة، وأنا أراه يوميا وهو ذاهب لصلاة الفجر، بحكم عملى الذي يبدأ مبكرا منذ الفجر، متوكلا على الله أن يرزقني برزق أولادي الثلاثة، وبحكم وقوفي قرب المسجد القريب من سكن الدكتور مرسي. ويضيف عم محمود: "كان الدكتور مرسي يشتري مني الفول بنفسه، وهو راجع من صلاة الفجر، إلى أن جاءت فترة ولم أره لفترة طويلة، علمت بعدها أنه ترشح للرئاسة". ويكمل صاحب عربة الفول: "مرت الأيام، وعلمت أنه أصبح رئيسا، وبعد أن فاز بالرئاسة، قررت عدم الوقوف في ذلك المكان مرة أخرى، وذهبت إلى مكان آخر يبتعد عن منزل الرئيس". ويشدد عم محمود "يعلم الله أن معظم من تعودوا على الشراء منى فى ذلك المكان لم أرهم مرة أخرى"، في إشارة إلى تراجع رزقه وانخفاض دخله؛ بسبب ابتعاده عن مكانه الأصلي الذي تعود الناس عليه. فماذا حدث بعد ذلك؟ يروي صاحب عربة الفول: "مضت الأيام على هذا النحو، إلى أن جاء يوم ووجدت شخصا يلبس جلبابا أبيض، ويتجه نحوي، وكان ذلك قبل صلاة الفجر، ويقف أمامي يتساءل في هدوء وحنان: "بقى كده يا عم محمود.. تمشينى المشوار ده كله؟" فأصيب عم محمود بالمفاجأة التي أصابته بالذهول، فلم يستطع ردا؛ لأنه كان الرئيس مرسي بنفسه بدون حراسة ولا أي حد. يضيف عم محمود: "قال الرئيس: بص.. أنا رايح أصلي الفجر وهبعتلك 2 يساعدوك في نقل العربية للمكان اللي كنت واقف فيه.. وإياك تسيبه تاني.. يرضيك الناس اللي بتصلى معايا تقوللي مش لاقيين فول؟ ثم ابتسم ومضى إلى صلاته". ويتابع صاحب عربة الفول: "فعلا.. حدث ما قاله الرئيس، وجاءني شخصان ساعداني في نقل العربة إلى المكان الأول، ومن يومها وأنا أدعو الله أن يوفق الرئيس مرسي وينصره بحق ما فعله معي". وهو نفس الموقف الذي تكرر مع صاحب عربة فول أخرى يدعى هاني، الذي أكد لكاميرا "الحرية والعدالة" وقتها أن الرئيس مرسي رفض إبعاد صاحب عربة الفول من أمام بيته وأمر حرسه أن يتركوا الناس "تاكل عيش". وهو ما صوره الزميل معتز ودنان، المعتقل حاليا بسبب حواره مع المستشار هشام جنينة، عندما كان يعمل قبل الانقلاب في صحيفة "الحرية والعدالة".