كان من القلائل الذين لديهم قناعة ورضا بالمكتوب، بالرغم من إعلان غلق الصحيفة التي يعمل بها وهي جريدة الخميس، لظروف مالية شأنها في ذلك شأن العديد من الصحف الخاصة والحزبية، بعد الانقلاب العسكري الأسود في 30 يونيو 2013، والتي تشهد فيها الصحف فترة غير مسبوقة في تدني التوزيع والإعلانات. ولم يكن محمود رياض -41 سنة- الصحفي بجريدة الخميس وعضو نقابة الصحفيين، الذي توفي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا المستجد القاتل منذ أيام مجرد رقم في مهنة الصحافة بل كان محبوبا بدرجة كبيرة لكل من يعرفه، كما كان من السهل عليه التعرف على الآخرين بسهولة بمجرد الجلوس معهم منذ الوهلة الأولى. وتوفي "رياض" متأثرا بإصابته قبل أسبوعين بفيروس كورونا، وقد نعى وفاته العديد من الزملاء الصحفيين عبر الفيس بوك، ويقطن الزميل الراحل الشاب في بيت العائلة في مدينة أوسيم التابعة لمحافظة الجيزة. ومكث رياض نحو 10 أيام في المنزل قبل أن يتوجه لمستشفى حميات إمبابة ويقضي 5 أيام تم نقله بعدها لمستشفى العزل في العجوزة؛ حيث فاضت روحه بعد ظهر الإثنين وفق ما ذكره الكاتب الصحفي هشام يونس عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. معاناة الصحفيين من جهتها، وصفت الصحفية والحقوقية الأمريكية ميليسا تيرنر، ما يقوم به السفيه السيسي ب"قمة العبث والسخرية"، حيث إنه "يرسل الإمدادات والمساعدات الطبية إلى دول في الخارج، بينما ليس لدى بلده ما يكفي لرعاية وسد احتياجات العاملين في مجال القطاع الصحي والمواطنين خلال جائحة (كوفيد-19)". وأضافت: "لقد تسببت ديكتاتورية الجنرال السيسي بالفعل في إلحاق ضرر كبير بصحة ورفاهية الشعب المصري الذي يواجه الفقر والاضطهاد والقمع تحت القبضة الحديدية للنظام العسكري المستبد". وأشارت الحقوقية الأمريكية إلى أن "هذا الوقت ليس هو المناسب على الإطلاق للجنرال السيسي كي يقوم بتجميل صورته أمام العالم، لأنه من الواجب عليه أن يسعى أكثر من أي وقت مضى لاحترام حقوق الإنسان وتوفير الاحتياجات والمطالب الأساسية للشعب المصري". وكان "رياض" رحمه الله يحصل شأنه شأن غالبية الصحفيين علي بدل بطالة شهريا من النقابة وهو لا يكفي المعاش ومتطلبات الحياة بشكل او باخر خاصة انه متزوج ويعول اطفال ولكنه كان لديه قناعة غريبة ورضا بقبول الامر الواقع وكان عفيفا لا يسأل الناس شيء ولم يسعي لنفاق احد من اصحاب المناصب الكبيرة حتي يحصل علي مكانه او وظيفة كبيرة تدر عليه عائد يساعده علي العيش بعد توقف صحيفته الخاصة. وعمل رئيسا لقسم الرياضة وحصل علي تكريم نقابة الصحفيين لافضل مقال صحفي رياضي لمدة دورات متتالية، وجوائز رابطة الصحفيين الرياضيين، وهو خريج اداب فلسفة، ويعد من المحللين السياسيين البارعين بشهادة الكثيرين، ولكنه لم يكن يهتم بنشر اراءه السياسية منعا للمشاكل مع عصابة الانقلاب، ويكتفي فقط بنشر اعماله الصحفية في الرياضة فقط وكذلك في كتابة المقالات وكان دمس الخلق وعلي درجة عالية من التدين.والاخلاق والتواضع . وعندما أصيبت البلاد والعالم بفيروس كورونا المستجد شعر محمود بالتعب الشديد وظهرت عليه أعراض الفيروس اللعين الذي اختاره بجانب الآلاف من الأشخاص لكي يودعوا العالم بكل مساوئه وشروره ومحاسنه، ويعد محمود العائل الوحيد للأسرة، فهو متزوج ولديه أربعة أبناء ومنهم طفل حديث الولادة منذ بضعة أشهر، وحينما تتقابل مع محمود تشعر وكأنه لا يحتاج شيئا ولديه رضاء بكل ما يأتي به الخالق عز وجل وكثيرا ما جمعتنا جلسات في النقابة نحتسي القهوة معا ونتحدث في أمور الحياة والصحفيين. كلام فارغ شعر "رياض" قبيل وفاته، كما يقول في البوست الذي نشره على صفحته ب"فيس بوك" قبل وفاته بأيام، بتعب متواصل وحرارة مرتفعة جدا وجسمه نار لمدة 14 يوما، وخلال تلك الفترة تواصل مع وزارة الصحة في حكومة الانقلاب من خلال الرقم المعلن 105، من أجل الذهاب للعلاج أو انتظار التعليمات في البيت، ولكنه اكتشف الحقيقة المُرّة وهي عدم استجابة من الوزارة ووجد أنا "كلام فارغ"، علي حد قوله في البوست المكتوب. ولم يهتم احد في جمهورية العسكر الشقيقة بالصحفي المدني، بالرغم من كونه صحفي وعضو نقابة الصحفيين ورئيس قسم الرياضة بجريدة الخميس، التي توقفت مؤخرا ، الا انه لم يجد مفر من الذهاب الي مستشفي الحميات هو واسرته بالعباسية، لكي يستطلع حقيقة الأمر ليتواصل العذاب والمرض معه بشكل كبير، على حد قوله. ويحكي "رياض" قبل وفاته أنه مضى يوما كاملا في التحليل لعمل مسح علي حالته، وقضي هناك 48 ساعة حتي خرجت نتيجة التحليل بالرغم من أن التحليل في كل دول العالم ربع ساعة فقط، فجاءت نتيجة التحليل خطأ! وربما تكون العدوى قد انتقلت إلى الصحفي "رياض" من مستشفى العباسية، ثم يفاجأ هو وأسرته بعد ذلك بطلب مسؤلي مستشفى الحميات بطلب عمل مسح جديد بعد 3 أيام، لمعرفة إذا كان تحليلا إيجابيا أم سلبيا، ثم حجزه لمعرفة نتيجة التحليل بعد 48 ساعة أي يومين متواصلين، وهو في مستشفى العزل بالحميات؛ ما يعني أن "رياض" رحمه الله قضي 7 أيام من العذاب والإهمال والخطأ في الحميات، من أجل الكشف والتحليل وهو أسبوع كاف لموت أي شخص علي حد وصف محمود في البوست الأخير! فوق الأربعين ولم يتم أي تنفيذ خطوات جادة في علاج محمود لمدة أسبوع من الكشف والتحليل والخطأ والانتظار والعزل أسبوعا من العذاب دون خطوات جادة في العلاج، حتي شعر محمود بالتعب الشديد والمتزايد، وعدم القدرة علي النطق والكلام والرد على هاتفه المحمول، ودرجة حرارته وصلت فوق الأربعين، ثم فقدان النطق والتعب وعدم القدرة علي التنفس ..فخرجت روحه الي خالقها. مات "رياض" في هدوء بعد أن ذاق عذاب الكشف والتحليل في مستشفى الحميات، فكان من الصحفيين ضحايا كورونا وضحايا تدني المنظومة الصحية في مصر، وكتب بوست قبل وفاته بساعات قائلا فيه: "يا أحبابي وأصحابي، محدش يتصل بي انا مش قادر ارد، كل اللي يعزيني يدعو لي " ..! وانتقد مراقبون قيام عصابة الانقلاب بإرسال شحنات مساعدات طبية إلى الصين وإيطاليا وبريطانيا، والولايات المتحدةالأمريكية، لمواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد، واصفين تلك الخطوة ب"الرشاوى" التي يقدمها جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي لمحاولة التغطية على ما وصفوه بجرائمه وانتهاكات لحقوق الإنسان، وبهدف تجميل صورته في الخارج. وقال بيان مشترك لعدد من المعارضين في الخارج: "يتبرع السيسي بجميع المعدات الطبية المتوفرة لفيروس كورونا إلى دول مختلفة في الخارج، في حين أن النظام الصحي بأكمله في البلاد في ظروف بائسة تماما، مما يثير احتمالات وقوع كارثة في مصر قد تمتد إلى دول أخرى في الشرق الأوسط". وقال عضو مبادرة وطن للجميع، محمد إسماعيل إن "ما يقدمه السيسي لبعض كبرى دول العالم من مساعدات طبية هي رشاوى مقنعة من أجل تحقيق هدفين الأول التغطية على جرائمه وانتهاكاته وفشله في إدارة أزمة كورونا بمصر، والثاني محاولة وضع قدم جديد بالساحة الدولية بعدما فقد الكثير من مصداقيته وشرعيته في ظل الانتقادات الواسعة التي توجه له من قَبِل العديد من المنظمات والجهات الدولية، فضلا عن محاولته إعادة تموضع نفسه بشكل مختلف في مرحلة ما بعد كورونا". وأشار إسماعيل، إلى أن مصر في أمس الحاجة لكل تلك المساعدات الطبية التي أرسلها السيسي للخارج، خاصة في ظل شكاوى الكثير من الأطقم الطبية في مصر من غياب المستلزمات الطبية الأساسية والمطلوبة لمواجهة فيروس كورونا. وشدّد عضو مبادرة "وطن للجميع" على أن "الرشاوى المقنعة التي يقدمها السيسي لمن هم ليسوا في حاجة لها مثلما يحتاج لها الشعب المصري هي على حساب حياة وصحة آلاف المصريين، إلا أن السيسي لا يعبأ تماما بحياة شعبه؛ فكل ما يهمه هو شراء مصداقيته وشرعيته مرة أخرى خاصة بعد أن كاد أن يصبح بمثابة كارت محروق لبعض الدول الغربية". وخلال الأيام الماضية، بعثت عصابة الانقلاب شحنات مساعدات طبية إلى الصين وإيطاليا وبريطانيا، وأمريكا، لمواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد، وتُعد هذه هي المرة الأولى التي ترسل فيها عصابة العسكر مساعدات إلى أمريكا، حيث أن العصابة لا تزال تعتمد بشكل دائم على المساعدات الأمريكية التي تبلغ 2.1 مليار دولار، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.