أدرك العالم والليبيون بشكل خاص صحة الجملة الساخرة "القذافي فكرة.. والأفكار لا تموت"، وهي جملة اعتاد رواد التواصل الاجتماعي كتابتها كجزء من التنكيت على أغرب الحوادث والأفعال المجنونة. ومنها ما رآه المحللون من أن إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أمس، انقلابه على المؤسسات المنتخبة والاعترافات الدولية في قذيفة واحدة (رئيس وبرلمان طبرق وطرابلس واتفاق برعاية الأممالمتحدة)، وتنصيب نفسه رئيسا يقبل التفويض، أشبه بفكرة "إسراطين" التي قذفها القذافي يوما لحل المشكلة العربية مع الاحتلال أو بكتابه "الأخضر"، الأقدس برأيه من كتاب الله، ومقابل ذلك يستعين حفتر ب"مانيفستو" جدول الانقلاب، الذي صدّره الإماراتيون له. القذافي الصغير المحلل الأردني ياسر الزعاترة استغرب من إعلان حفتر قبوله "تفويض" الشعب الليبي لإدارة البلاد، وألمح إلى سيناريو قريب من انقلاب 3 يوليو الذي استخدم فيه العسكر القوة المميتة في سرقة التجربة الديمقراطية التي ولدتها ثورة 25 يناير. وقال الزعاترة: "كان في حاجة إلى مظاهرة كبيرة، مع الاستعانة بمخرج يجعلها 10 أضعاف.. القذافي الصغير (تلميذ ال"CIA") يلهث لأجل حلم طال انتظاره". واعتبر أن الوضع على كل الأصعدة يمثل "مرحلة بائسة لا بد أن تنجلي ومعها رموزها"، وأن الأمّة تستحق حياة أفضل. حفتر يعلن قبوله "تفويض" الشعب الليبي لإدارة البلاد!! هذا ما قاله قبل قليل. كان في حاجة إلى مظاهرة كبيرة، مع الاستعانة بمخرج يجعلها 10 أضعاف!!! القذافي الصغير (تلميذ ال"CIA") يلهث لأجل حلم طال انتظاره!! هي مرحلة بائسة لا بد أن تنجلي؛ ومعها رموزها. هذه أمّة تستحق حياة أفضل. — ياسر الزعاترة (@YZaatreh) April 27, 2020 السيناريو الأخطر لم يصدر تعليق رسمي من المجلس الرئاسي الليبي ورئيسه فائز السراج، أو المجلس الأعلى للدولة ورئيسه خالد المشري، على تصريحات حفتر لا الحالية أو طلبه التفويض قبل يومين. وهو ما فسره مراقبون بأن مهاترات حفتر لا تتوقف، ولكن العبرة هو بالمعلن من المواقف المحيطة بالشأن الليبي، وأن تعليقات المتابعين للشأن الليبي لا تبدي قلقًا من انقلاب حفتر ودعوته لإسقاط الشرعية بناء على ترهات "السوشيال ميديا" للجان المصرية والذباب الإماراتي. ورجح مراقبون أن تبدأ الجهات الرسمية للحكومة الشرعية الانطلاق إذا وجد القذافي الصغير خليفة حفتر عونا أوروبيا واضحا، ومتوقعا إذا كان قويا بما يكفي ليسير على خطى الديكتاتوريين العرب كما فعل السيسي بدمويته. تقرير فورين بوليسي الأخير تحدث عن أدوار قذرة في ليبيا لم يستثن منها الدور الإماراتي والفرنسي، واعتبرهما أقذر من الدور الروسي الذي يمد حفتر بالمرتزقة ويدعمه بالسلاح وإدارة إعلامه، كما أشار إلى ضعف حفتر كبناء ديكتاتوري في أن ينال الرضا الغربي الصريح مستغربا الدعم الفرنسي العسكري والدبلوماسي له.
عبد الرحمن الشاطر، عضو مجلس الدولة الأعلى، كتب على حسابه "على خطى الديكتاتوريين، يدعو حفتر تفويضه بإدارة أمور الدولة. الرجل لا يعيش العصر بقيمه ومعطياته الديمقراطية في تطبيق اختيار الحاكم عبر صناديق الاقتراع، وصلت رسالته بأنه ينهار ويعيش أيامه الأخيرة، سيترك فرحة الانتصار عليه وغصة في حلق المخدوعين فيه، دولا وأفرادا". وأضاف: “الدول الأوروبية تصر على أن يحكمنا ديكتاتور دموي، قراءتها للوضع في ليبيا خاطئة وتداعياتها وخيمة عليها، هؤلاء الذين يقودون أوروبا بهذا التفكير المصلحي يفقدونها هيبتها ويمرغون قيمهم الحضارية في الوحل، فوضوه ليحكمكم إن كنتم ترونه أهلا للحكم، أما نحن فلا". نصائح "بن زايد" والسيسي الطريف أن "الزعيم" خليفة حفتر لا يملك إلا مسرحا صغيرا شرق البلاد، دشنه له الإماراتيون قبل يومين، وسانده السيسي بكتابه خطاب الانقلاب، ومن قبله دبر له إعلان تفويض، إلا أن حفتر لم تجتمع له شراذم التحرير كالتي ركبها أمناء الشرطة في 30 يونيو، أما في طبرق فكانت مظاهرة إلكترونية ضمن وسم أطلقه أعضاء اللجان المصرية للشئون المعنوية والذباب الإلكتروني الإماراتي والسعودي بعنوان "نعم لتفويض القوات المسلحة لقيادة البلاد"، على إثر خطاب خليفة حفتر، دعا فيه الليبيين للعمل على إسقاط المجلس الرئاسي وتفويض الجهة التي يرونها مناسبة لإمساك زمام السلطة في البلاد. التفويض الجديد من نوعه، شبيه ب"الإرهاب المحتمل" الذي ادعاه السيسي في يوليو 2013، ولكنه وجد سخرية واسعة من قبل الليبيين على منصات التواصل الاجتماعي، وأطلق الناشطون وسما مضادا بعنوان "لا لتفويض مجرم الحرب حفتر"، واعتبر عدد كبير من رواد المنصات بيان حفتر إعلانا لهزيمته وفشله في دخول طرابلس، وفشل الحل العسكري الذي انتهجه برفقة داعميه في البلاد. نكتة مكتملة خليفة حفتر دعا الليبيين إلى الخروج لإسقاط المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الذي يقوده فايز السراج، مبررا ذلك بارتكاب المجلس “جرائم ترتقي إلى الخيانة العظمى والتفريط في سيادة البلاد”، كما دعا لإسقاط اتفاق الصخيرات و"تفويض المؤسسة المؤهلّة (تحت قيادة قواته) لقيادة المرحلة القادمة وفق إعلان دستوري يمهد لبناء الدولة المدنية التي يتطلع إليها الليبيون". مساندة السيسي وابن زايد وأذرعهما الإعلامية، جاءت أيضا من خلال احتفاء إعلام الإمارات والانقلابيين في مصر ب"تفويض" حفتر، ونشرت أخبارا تتحدث عن خروج مظاهرات مؤيدة لحفتر في مناطق عدة من ليبيا، كما تحدثت عن إعلان بعض المناطق والقبائل الليبية “تفويضها” لحفتر لقيادة المرحلة المقبلة. مصطفى بكري، تداخل في المشهد الليبي في ضوء السيناريو المخابراتي المرسوم، ليزعم أن خطوة خليفة حفتر بإسقاط الاتفاق السياسي (الصخيرات الذي رعته الأممالمتحدة)، انتظرها الليبيون". أول الرافضين وفي مواقع تمركز حفتر شرق ليبيا، أعلنت لجنة إدارة أزمة بنغازي عن أن حفتر هو أحد أدوات الثورة المضادة للالتفاف على إرادة الشعوب، وأن التفويض الذي طالب به أكذوبة. وطالبت إدارة أزمة بنغازي برص الصفوف والتعامل بحزم وجدية لسحب النفط من بين أيدي المتمردين، مؤكدين لأهالي المنطقة الشرقية أن حفتر إلى زوال في أقرب الآجال، وفق تعبيرهم. وحذرت من سيناريو للفوضى المتوقعة، وقال البيان إن مشروع حفتر انكشفت نواياه منذ أعلن انقلابه في فبراير 2014، وأن شرفاء المنطقة الشرقية حاربوه حينها أعوامًا خسروا فيها أبناءهم وممتلكاتهم، ودمرت كذلك فيها معالم المدن. وأضافت أن قليلا من شركاء الوطن في المنطقة الغربية صدقوا تحذيراتهم من مشروع حفتر الذي يعتزم حينها الانقلاب على كامل التراب الليبي. وأكدت لجنة أزمة بنغازي أنها لن تفرط في تضحيات أبنائها منذ انطلاق ثورة السابع عشر من فبراير وأثناء التصدي لما يعرف بعملية الكرامة.