الخبر الذي شغل المنطقة العربية بعد أحداث سوريا والتهديدات الغربية بحملة تأديب ضد بشار الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي مجددا في قصف شعبه وقتل الأطفال والنساء ، كان ما تسرب من أنباء عن الحالة المرضية الطارئة للقائد العسكري الليبي المثير للجدل خليفة حفتر ، الذي يقود ميليشيات وكتائب مسلحة في الشرق الليبي ويسيطر على عدد من المدن في الشرق ، ويفرض سيطرته على البرلمان المنتهية ولايته في مدينة طبرق ، وأحد الأطراف الرئيسية للصراع الدموي والمفتوح في ليبيا على وراثة نظام القذافي . التقارير التي تأكدت عبر وكالات أنباء عالمية ومراسلين ، أن خليفة حفتر خمسة وسبعون عاما أصيب بجلطة دماغية خطيرة ، نقل على إثرها بطائرة إلى الأردن ومنها إلى فرنسا حيث أدخل إلى العناية المركزة في أحد مستشفياتها ، وقالت بعض المصادر الإعلامية المهمة أنه يعاني من نزيف في المخ وأن حالته خطيرة ، وبشكل عام ، فإن الإصابة بالجلطة الدماغية في تلك المرحلة المتقدمة من العمر يصعب أو يستحيل أن يعود منها المصاب إلى سابق عهده في كمال وعيه ونشاطه وتركيزه وقدرته على الحركة ، وغالبا ما تخلف مشكلة صحية كبيرة ، وهذه الحقائق ربما تشير إلى أن صفحة خليفة حفتر في ليبيا قد طويت ، وأن هناك مرحلة جديدة أصبحت تفرض حساباتها وتوازناتها هناك . عندما زار الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي مصر قبل يومين في زيارة مفاجئة ولم يعلن عنها مسبقا ، لمقابلة الرئيس السيسي ، كانت الأفكار تتجه ربط ذلك مباشرة بملف خليفة حفتر وأخبار مرضه ونقله إلى العناية المركزة ، لأن حفتر هو أهم استثمار إماراتي في شمال أفريقيا على الإطلاق ، وهو الرهان الذي تضعه للهيمنة على القرار الليبي أو فرض حساباتها ومصالحها من خلاله على مستقبل ليبيا ، سياسيا واقتصاديا وأمنيا ، ولهذا تدعم الإمارات حفتر بسخاء غير عادي ، كما تحتضن عددا من رجاله الاقتصاديين والديبلوماسيين فضلا عن دعمها القوي لعدد كبير من الصحف والقنوات الفضائية الداعمة لمشروعه ، وقد شاركت الإمارات مباشرة في معارك حفتر في بنغازي وغيرها عبر طيرانها الحربي ، وبالتالي فغياب حفتر يعني انهيار المشروع الإماراتي في ليبيا ، خاصة وأنه لا يبدو أن ثمة وريثا لحفتر هناك ، وابنه ما زال ضابط صغيرا لا يمكنه أن يملأ الفراغ العسكري الذي يخلفه غياب والده . مصر معنية أيضا بمصير حفتر وبالوضع الليبي من بعده ، لأن مصر تضع ثقلها كله وراء مشروع حفتر أيضا في ليبيا ، وترى فيه النموذج للقائد العسكري الذي يمكن أن يحكم ليبيا بقبضة حديدة صارمة ، ولم يتردد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أن يعلن أكثر من مرة دعمه له ، سواء كجزء من شراكة مصرية إماراتية في ليبيا ، أو على أساس أن القيادة المصرية تنظر إلى حفتر على أنه يمثل "الجيش الوطني الليبي" ، وهو تعبير غامض وفضفاض ، خاصة عندما نتذكر أن هناك جيشا ليبيا يتبع حكومة الوفاق الليبية في العاصمة طرابلس وهي الحكومة المعترف بها دوليا ، وهو على خلاف شديد وعنيف مع حفتر بل إن كثيرا من قادة الجيش الليبي في الغرب يعتبرون حفتر مجرم حرب ، خاصة بعد ارتكاب قواته جرائم وحشية في شرق ليبيا ، وصلت إلى حد تشكيل إعدامات ميدانية جماعية ونبش قبور قادة الثوار المدنيين ، وهو الأمر الذي دعا محكمة جرائم الحرب الدولية إلى طلب اعتقال الرائد محمود الورفلي أحد أهم قادة خليفة حفتر ، وهو المختفي حتى الآن عن الأنظار . غياب حفتر ، وانهيار المشروع الإماراتي في ليبيا ، يمكن أن يمثل انفراجة تاريخية لأزمة هذا البلد الشقيق الذي عانى من التدخلات الأجنبية بعد نجاح ثورة 17 فبراير في إسقاط الطاغية معمر القذافي ، ودفع ثمن تلك التدخلات من دماء أبنائه ومن قوت الشعب وميراثه النفطي الكبير ، ولا شك أن غياب حفتر سيسرع من وتيرة توحيد ليبيا وتوحيد جيشها أيضا ، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تعددية تمتلك كل الإمكانات المؤهلة لكي تنهض بالبلد وتقدم نموذجا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا مبهرا . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1