كانت خطوة جيدة أمس أن تصدر وزارة الخارجية المصرية بيانا تدين فيه القصف الجوي الذي حدث لمدينة درنة الليبية القريبة من الحدود المصرية ، والمشكلة الوحيدة في بيان الخارجية أنه أتى متأخرا للغاية ، وصدر قرابة السابعة ليلا بعد حوالي عشرين ساعة من وقوع الجريمة ، وبعد أن أدانتها دول عديدة وأدانتها الأممالمتحدة في بيان رسمي ، وكان أولى أن تكون أول إدانة من مصر ، الجارة التي تقول أنها راعية المصالحة الليبية والوسيط المحايد ، لكن على كل حال أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي . جنازة الشهداء والأطفال الليبيين الذين راحوا ضحية هذا القصف الوحشي الجبان ، والذي لم يجرؤ أحد على الاعتراف به حتى الآن ، كما هو الحال في العمليات الإرهابية الخسيسة التي يهرب حتى الإرهابيون من تحمل خستها ، تلك الجنازة تحولت مع الأسف إلى مظاهرة شعبية كبيرة تهتف ضد مصر ، وتندد بالرئيس المصري وبالجنرال خليفة حفتر ، كما أصدرت جهات ليبية عديدة منها مجلس مجاهدي درنة الذي يمثل السلطة القائمة في المدينة واتهم رسميا مصر بالمسئولية عن الهجوم ، وهو ما سبق وحذرنا من خطورته على مدار الشهور الماضية ، من أن مصر تخاطر بخسارة الشعب الليبي واختلاق عداوة معه من أجل دعم "عسكري" ليبي متغطرس ووحشي وطامع في وراثة عرش القذافي ، ولا يريد أن يفهم أن ليبيا بعد كسر القذافي ونظامه وجبروته لن تكون ليبيا التي كانت قبله ، ولا يريد أصحاب القرار في مصر أيضا أن يستوعبوا تلك الحقيقة حتى الآن ، ولذلك تحول الجرح الليبي إلى نزيف مصري ، وليس ليبيا فقط ، بفعل الانحياز الكامل لحفتر وأطماعه . الليبيون تساءلوا أمس : لماذا يكون القصف الجوي "المجهول" دائما ضد المدن والمواقع الليبية التي تعادي خليفة حفتر وتعوق هيمنته ، لماذا لا يحدث هذا القصف المجهول ، ولو مرة واحدة ضد قوات حفتر أو المدن التي يسيطر عليها ، والإجابة معروفة للجميع ، ثم ها هو حفتر ينشر الخراب والخوف والدم في شرق ليبيا ، وفي عاصمة الشرق والثورة ، بنغازي ، وقد كان حفتر يتذرع بوجود كتائب من مجلس ثوار بنغازي في المدينة التي أعلن عليها الحرب لمدة عامين لإخضاعها لسلطته ونجح بفعل الدعم المصري والإماراتي بإخراجهم من المدينة ، واستتب له الأمر ، فتحولت المدينة إلى غابة من الوحشية والقتل والاغتيال اليومي ، ومعظم الضحايا من خصوم الجنرال حفتر ، واستبيحت بيوت وأحرقت بيوت ومزارع ودمرت ممتلكات وقطعت رقاب ونبشت قبور ووقعت عمليات إعدام جماعية مصورة ، وهو الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى إصدار قرارات اعتقال لقيادات من ميليشيات حفتر بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، وما زال حفتر يتستر عليهم ويخفيهم ، وقبل يومين اكتشفت مذبحة مروعة شرق بنغازي في المنطقة التي كان يسيطر عليها حفتر دائما ، ستة وثلاثون جثة لمدنيين قتلوا بوحشية ، وبتوالي تلك الجرائم خسر حفتر الكثير من سمعته حتى في المناطق الليبية التي كانت تؤيده ، وأصبح هناك خوف كبير من توجهات هذا الجنرال الوحشية ورفض واسع لتمكينه في ليبيا ، لكن البعص في مصر مع الأسف ما زال يصر عليه ، ويراهن عليه ، ولو خسرت مصر الشعب الليبي كله . لمصر مصالح حيوية في ليبيا ، الدولة الجار ، والشعب الجار ، الجغرافيا والتاريخ والماضي والمستقبل ، هي مصالح تختلف جذريا عن مصالح الإمارات في ليبيا ، وبالتالي لا يصح أن ترتبط مصر بحسابات الإمارات في البلد الشقيق ، ولا يصح أن تكون هناك شراكة من أي نوع ، عسكرية أو سياسية بين مصر والإمارات في ليبيا ، لأن هذه الشراكة ستتحمل نتائجها السلبية مصر وحدها ، وميراث الكراهية وتوابعه ستتحمله مصر "الجارة " وحدها ، وكل ما سوف تخسره الإمارات في مغامرتها هناك ، حفنة من المال ، لكن مصر ستخسر الكثير في ليبيا إن استمرت تلك الرؤية المراهنة على الجنرال الطائش والجاهل والطامع في وراثة نظام القذافي . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1