أعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية ، العقيد تامر الرفاعي ، عن نتائج الحوار الذي رعاه "الجيش المصري" بين القوى "السياسية" الليبية ، والذي أداره الفريق أركان حرب محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري ، والتقى فيه حسب البيان رئيس البرلمان الليبي "برلمان طبرق" ، ورئيس المجلس الرئاسي المعترف به دوليا في طرابلس ، كما التقى المشير خليفة حفتر قائد الجيش التابع لبرلمان طبرق في شرق ليبيا ، وقال البيان أن اللقاءات التي أدارها رئيس أركان الجيش المصري شملت إعلاميين ليبيين ومثقفين ونشطاء وأعيانا وممثلين للمجتمع المدني وغيرهم ، وأن هذه اللقاءات انتهت إلى أسس لا تقبل التنازل ، حسب بيان الجيش المصري ، وهي حسب نص البيان : التأكيد على حرمة الدم، والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمي للسلطة والتوافق وقبول الآخر، ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء لأي طرف من الأطراف الليبية، وتعزيز المصالحة الوطنية . استعصى علي استيعاب أن يقوم "الجيش" بإدارة حوار "سياسي" مع القوى والأحزاب والإعلاميين والبرلمانيين والمثقفين والمجتمع المدني الليبي ، وهل هذا يدخل في دور الجيش ومسئولياته وخبراته ، هل الجيش ينسق حوار المثقفين والمجتمع المدني والبرلمانيين ، وهل الدولة المصرية لا يوجد فيها أي قيادة سياسية يمكن أن توكل إليه إدارة هذا الحوار ، هل القضية في ليبيا عسكرية أم قضية اجتماعية وسياسية وثقافية وثورية ، هذا فضلا عن أن المبادئ التي وصفت الأساسية في الاتفاق "حرمة الدم والدولة المدنية والديمقراطية وتداول سلمي للسلطة وقبول الآخر والتوافق ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء لأي طرف والمصالحة الوطنية" ، هي معاني نحن أولى بها في مصر من الليبيين ، كما أن التحديات السياسية والظروف التي تمر بها مصر طوال السنوات الأربع الماضية لا تسمح لمصر أن تقدم نصائح "سياسية" مقنعة للآخرين في هذه الجوانب . وفي البيان الذي أعلنه "الجيش" المصري ، تم الاتفاق على إنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا بموعد أقصاه فبراير من العام المقبل 2018 ، مع العمل على تعديل بعض بنود اتفاق الصخيرات الذي دشن الشرعية السياسية الحالية في ليبيا ، وتحديد منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية واختصاصاته ، وبعض التعديلات الدستورية التي وصفت بالمحدودة . هذا الاتفاق تبقى مشكلته الأساسية أنه لا يمثل عموم الشعب الليبي وقواه السياسية والعسكرية ، فالأخطاء التي ارتكبتها الإدارة المصرية طوال السنوات الماضية وانحيازها العلني والمتكرر للجنرال الدموي خليفة حفتر أفسد كل شيء ، وأصبحت النوايا غير مأمونة ، وعبر ليبيبون عن ذلك علنا ، كما أن القاهرة تحتضن فعاليات ليبية سياسية وإعلامية من أنصار القذافي ونظامه إضافة إلى خصوم القوى الثورية في ليبيا يجاهرون بالعداء والتآمر ، كما أن الموقف المتوتر في مصر تجاه الإخوان المسلمين وأنصارهم ينعكس بديهيا على الوضع في ليبيا ، لأن الإخوان أحد أعمدة التوازن السياسي هناك ، وتجاهلهم أو الصدام معهم أو تهميشهم لن يستقيم مع المبادئ المعلنة أمس : التداول السلمي للسلطة وعدم الإقصاء والمصالحة الوطنية . أضف إلى ذلك أن القاصي والداني في ليبيا وخارجها يعرف أن الجنرال حفتر هو العقبة الرئيسية أمام أي تحول ديمقراطي سلمي في ليبيا ، فهو يرى نفسه فوق الجميع ، أشخاصا ومؤسسات ، وأنه وارث عرش القذافي ، فهو القائد والموجه وأمل ليبيا ، وأعلن أن الشعب الليبي فوضه في قيادة البلاد لحرب الإرهاب ، رغم أنه حليف لقوى إرهابية ، وهو يحتقر أي مؤسسة أو وضع سياسي بما فيه برلمان طبرق الذي يتمسح فيه ، ولا يجرؤ رئيس برلمان طبرق ولا أعضاؤه أن يقضوا أمرا بدون موافقة "المشير" ، بل إن أحدهم لا يملك أن يغادر طبرق أو أن يعود إليها إلا بتصريح من "المشير" ، لأنه هو وحده الذي يملك السلاح في الشرق ، ومشروع حفتر لم يتعثر في ليبيا إلا لأن ثوار 17 فبراير لم يتخلوا عن سلاحهم الذي أسقطوا به القذافي ، ويصرون على إسقاط أي قذافي آخر ، وهناك إجماع دولي الآن على أن الحل العسكري مستحيل في ليبيا رغم كل الدعم السخي الذي تلقاه حفتر من الإمارات "وغيرها"، كما أنه من حيث الواقع العملي هناك جيشان في ليبيا ، جيش في الشرق بقيادة حفتر ، وجيش في الغرب وطرابلس بقيادة أخرى ويتبع المجلس الرئاسي ، وأوربا وأمريكا تعاونتا مع جيش الغرب وقوات البنيان المرصوص المعبرة عن ثوار ليبيا في دحر إرهاب داعش في سرت ، مما عزز شرعيتها السياسية والعسكرية دوليا ، وهو ما أحرج حفتر وحلفاءه الإقليميين بما فيهم مصر ، والتي اقتنعت أخيرا بأنه عاجز عن الحسم ، وأن مصر نفسها يتم استنزافها في ليبيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وأمنيا انتظارا لوعود لا يمكن تحقيقها عبر خليفة حفتر ، وهو ما دفع مصر في النهاية إلى الرضوخ لحسابات الواقع ، وفتح قنوات الاتصال مع قوى أخرى كانت ترفضها لعب دور الوسيط ، وهو ما أفزع حفتر وأقلقه ، لكنه لا يستطيع أن يتمرد على الإرادة المصرية . صلب أزمة ليبيا اليوم هي سلاح خليفة حفتر وميلشياته وشهوته المجنونة للسلطة ووراثة القذافي ، وأول خيوط الحل ومنتهاها في ليبيا في تفكيك تلك المنظومة ووضع حفتر تحت السيطرة السياسية أو إبعاده نهائيا ، وهيكلة الجيش الليبي بما يضمن منع أي نزق لحفتر أو غيره في استخدام الجيش للاستيلاء على السلطة ، فإذا تم تفكيك تلك العقدة ، فكل الأمور بعد ذلك سهلة ، ويستطيع الليبيون بعدها أن يصوغوا مستقبلهم السياسي بدون أي تدخل أو رعاية من مصر أو غيرها . https://www.facebook.com/gamalsoultan1/