فيما تتخذ الدولة التونسية احتياطات أمنية، وتتحسب من احتمالات انعكاس الوضع في ليبيا على الأوضاع الأمنية الهشة في تونس، يرى عدد من الخبراء التونسيين أن ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا بعد ما يصفه البعض ب"غزوة حفتر لتطهير البلاد"، هو نتاج مصالح داخلية تستهدف إزاحة الإسلاميين عن السلطة بإيعاز خارجي. وبعد الصعود الملحوظ للإسلاميين للحكم في دول "الربيع العربي"، يقر الخبراء، في حديثهم لوكالة الأناضول، أن الإسلاميين في ليبيا لم يستطيعوا استيعاب الدرس من تجربة الإخوان في مصر، ووقعوا في خطأ رفض الحوار والتفاوض. وتعيش مدينة بنغازي الليبية ، منذ الجمعة الماضية، على وقع اشتباكات مسلحة بين قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر ومقاتلين من الثوار والإسلاميين، يتبعون رئاسة الأركان بالجيش الليبي، في محاولة للسيطرة على المدينة، أطلق عليها حفتر "كرامة ليبيا" لتطهيرها من الإرهاب، وتراها الحكومة الليبية "محاولة انقلاب". وأدت العمليات العسكرية التي يقودها حفتر، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى، لانقسام كبير بين القادة العسكريين، حيث انضمت وحدات تابعة للجيش الليبي، لقوات لحفتر، فيما شددت أخري على تمسكها بالمسار الديمقراطي والمؤسسات الشرعية . المنصف وناس، الباحث التونسي المختص في سوسيولوجيا الدولة والمجتمع المدني والنخبة الثقافية والسياسية والاقتصادية يقرأ الوضع في ليبيا وفقا لثلاث معطيات يقول إنها أساسية. ويوضح وناس للأناضول "هناك أولا وضع داخلي، الانتخابات الليبية في يوليو/تموز 2012 التي أفضت لغلبة نسبية للتيار الديمقراطي بقيادة محمود جبريل على حساب الإسلاميين، وتدريجيا عكس الإسلاميون المعادلة وأصبحوا المسيطرين على البرلمان (المؤتمر العام الوطني الليبي)، وتم تهميش الليبراليين، وعملوا على إصدار قانون العزل السياسي والمقصود به هو جبريل كونه عمل مع نظام القذافي وكان المشرف على مشروع ليبيا الغد لتوريث الحكم لسيف الإسلام (نجل معمر القذافي) ‘'. ويتابع ‘'الانقسام الحاد داخل البرلمان الليبي لم يُحل بالحوار ولا بالمفاوضات لأن الإسلاميين المتشددين رفضوا الحوار ولم يستفيدوا من تجربة الإخوان في مصر، وهذا ما ولد تباعا انقساما حادا وتصفية لحسابات وعداوة بين الإسلاميين وجبريل وما يحدث اليوم هو حسم لهذا الصراع". أما المعطى الثاني، فيصنفه وناس، قيأتي في خانة نظرية علم الاتصال السياسي "المؤمراة"، ويقول هناك دول عربية تعمل على إخراج قطر من ليبيا، هي 4 دول تحديدا السعودية والإمارات ومصر والجزائر، وتعمل هذه الدول على أن الوجود القطري في المنطقة لا سبيل إليه، وتم استعمال حفتر كونه ممثل السلطة العسكرية لتنفيذ مسعاها". ويعتبر الباحث السياسي أنه "من المستحيل كذلك تصديق أن ما يقوم به حفتر دون دعم خارجي ودون موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية عليه". وينحصر المعطى الثالث، فيما يصفه وناس، ب ‘'الخطة الأمريكية لتوريط الإسلاميين في الحكم ثم الانقضاض عليهم'‘، وما يحدث في ليبيا ينساق في هذا الاتجاه، لأن "الإسلاميين ليس لهم الاستعداد للتعلم من أخطاء الآخرين" . الخلافات الداخلية بين الإسلاميين والليبراليين، كان لها تأثير واضح على سير عمل الدولة مما أدى إلى فشل ثلاث رؤساء وزراء على الحكومة الليبية بعد ثورة 17 فبراير، "لم ينجحوا كلهم بداية من عبد الرحيم الكيب وعلي زيدان وعبد الله الثني إذ تم إفشالهم على خلفية خلاف حاد مع الإسلاميين بتعيين كل من عبد الحكيم بالحاج وزيرا للداخلية وخالد الشريف وزيرا للدفاع وهو ما لم يوافق عليه رؤساء الوزراء"، يوضح وناس. عملية إقصاء جيش نظام القذافي نهائيا وتتبعهم هو من بين الأسباب التي تفسر التجمع السريع لضباط الجيش السابق والانضمام لقوات حفتر بغاية تجميع القوة من جديد وهذا مرده تخوف من أنه سيتم القضاء عليهم. ويخلص وناس إلى أن "ما يقوم به حفتر غايته إحداث رجة سياسية كبيرة بالأساس للإسلاميين وإجبارهم على قبول التفاوض أو التخلي عن الحكم ". من جانبه يقول البشير الجويني، الباحث في الشأن الليبي، أن "ما يحدث في ليبيا هو ليس ببعيد عن ما حدث في مصر واليمن وتونس والجزائر، هي سلسلة من الأحداث المتصلة بعضها البعض، القوى الإقليمية ترى أن من يمسك السلطة في ليبيا لا يخدم مصالحها الاستراتجية ‘'. ويؤكد الباحث التونسي، في حديثه لوكالة الأناضول، أن "الإنقلاب" الذي حصل في ليبيا مرده أطماع دول إقليمية وغربية في المخزون النفطي في ليبيا. وفي تعليقه على الموقف المصري تجاه ليبيا بيّن الجويني أن "الحدود الشرقية الليبية هي امتداد لقبائل لها عمق في مصر، والتدخل المصري غايته الجانب الحيوي تحت ذريعة محاربة الإرهاب والجريمة بغطاء دولي لأن هناك توازنات داخلية في ليبيا قد لا تسمح بهذا التدخل". كانت وزارة الخارجية المصرية قد أدانت، الاثنين، ما أسمته "محاولات البعض داخل وخارج ليبيا للزج بمصر فى التطورات الجارية هناك". وقالت الوزارة، في بيان لها، إن مصر تؤكد على تأييدها "حكومةً وشعبًا إنهاء الانقسام الجارى على الساحة الليبية وحقن دماء الأشقاء الليبيين". المولدي الأحمر، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية والباحث المختص في الشؤون الليبية، يحلل الصراع في ليبيا استنادا لتواجد قوى "تقدمية " وأخرى "لا تؤمن بمفهوم الدولة ولا بمؤسساتها". ويقول للأناضول إن "المجموعات الدينية المتشددة في ليبيا ليس لها مفهوم الدولة ومفهوم الحرية وغير منخرطة في الحداثة السياسية وتصرفها بعد سقوط نظام القذافي نفر منه الليبيون، وهذا ما سمح لقوى ومجموعات أخرى أن تستغل هذا الفشل الذريع وتعمل على السيطرة على أجهزة الدولة التي بدت جد ضعيفة". ويوضح "الصراع الدائر في ليبيا بين مجموعتين، الأولى متشددة دينيا وقوية عسكريا وأخرى تقدمية تتبنى فكرة مؤسسات الدولة وضعيفة عسكريا". واعتبر الأحمر أن "هناك قوى تعمل على إخراج المتشددين من الحلبة السياسية لأنها لا تحمل أفكارا تقدمية والأكيد أن هناك دول خارجية تؤطر وتساند هذا الوضع لأن لها مصالح استراتجية اقتصادية بالأساس".