في معركة الوعي ضد زيف وأكاذيب الآلة الإعلامية للعسكر، لا بد من التنويه المستمر بأن هناك قطعة عزيزة من أرض مصر لا تزل محتلة حتى اليوم، هي أم الرشراش التي احتلها الصهاينة سنة 1949م وأطلقوا عليها اسم “إيلات”، ولا بد من تعليم أبنائنا باستمرار أن الطاغية جمال عبدالناصر تنازل عن “أم الرشراش” للصهاينة، كما أثبتت ذلك وثائق بريطانية تم عرضها سنة 2000م. وتكتسب أم الرشراش التي تبلغ مساحتها 1500 كم مربع أهميتها بأنها حبل الاتصال البري المباشر لمصر مع كل من الأردن والسعودية، لكن الأكثر خطورة أنها اليوم تمثل الميناء البحري الوحيد للصهاينة على البحر الأحمر؛ معنى ذلك أن تحريرها يمنع الاحتلال من أن يكون لهم وجود على البحر الأحمر وخليج العقبة.
احتلال أم الرشراش كانت “أم الرشراش” تحت الحكم المصري حتى نهاية القرن التاسع عشر وأثناء حكم الطولونيين، وفي عام 1906 وبسبب وجود مصر تحت الاحتلال البريطاني قامت القوات العثمانية باحتلال أم الرشراش، ووقعت أزمة عالمية وقتها قامت على إثرها بريطانيا بالضغط على إسطنبول، وانسحبت القوات العثمانية وعادة أم الرشراش لمصر بفرمان عثماني. مع نهاية حرب فلسطين كان يقيم بها حوالي 350 فردا من جنود وضباط الشرطة المصرية حتى يوم 10 مارس 1949 عندما هاجمتها إحدى وحدات العصابات العسكرية الصهيونية مستغلة في ذلك انسحاب الحامية الأردنية والتي كانت تحت إمرة قائد انجليزي, وقتلت كل من فيها واحتلتها غدرا بقيادة إسحاق رابين، الذي تولى رئاسة وزراء إسرائيل لاحقا، ولأن القوات المصرية كانت ملتزمة بعدم إطلاق النار بحسب اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل لإنهاء حرب 1948، فلم تطلق الشرطة المصرية طلقة واحدة، أما اليهود فقد كسروا الاتفاقية وقاموا بمذبحة قتل فيها جميع أفراد الشرطة المصرية واحتلوا أم الرشراش وحولوها إلى ميناء إيلات 1952. كيف تواطأ العسكر؟ في ستينيات القرن الماضي، عرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية على مصر كوبري علوي فوق “أم الرشراش” يربطها بالأردن والسعودية لكن عبدالناصر رفض، ورد على ذلك “كيف نستبدل أرضنا بكوبري ممكن أن تنسفه إسرائيل في أي وقت ولأي سبب؟” لكن وثائق بريطانية ظهرت سنة 2000 تؤكد أن الطاغية جمال عبدالناصر تنازل فعليا عن “أم الرشراش” للصهاينة، فالكوبري كان اقتراحًا من الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد كيندي والذي كانت تربطه علاقة طيبة بعبد الناصر. ربما يكون عبدالناصر رفض الكوبرى، لكنه بكل تأكيد لم يبذل أي جهد من أجل استرداد “أم الرشراش”، بل تسبب بكبره وعناده وغروره في إلحاق أكبر هزيمة بمصر والأمة العربية في يونيو 1967م، والتي أدت إلى تمكين الصهاينة من القدس وكل فلسطينوسيناء والجولان السورية. وما يؤكد خيانة العسكر وتفريطهم، أنه في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، تمنى استرداد “أم الرشراش” لكنه منح الاولوية لطابا في قضية التحكيم الدولي ورغم أن “أم الرشراش” تم إدراجها في ملف التحكيم الدولي الذي رفعته مصر بشأن طابا، إلا أن السادات لم يهتم. نفس الأمر تكرر مع مبارك، بل إنه لم يتطرق لملف “أم الرشراش” إلا في مناسبتين: الأولى في حوار له مع جريدة العربي سنة 1996م، مؤكدا أن “أم الرشراش” مصرية. والثانية تصريح له في برنامج “صباح الخير يا مصر” بمناسبة ذكرى تحرير سيناء سنة 1997م وجدد التأكيد على مصرية “أم الرشراش”، لكنه عمليا سمح بعمل سينمائي ضخم موله الجيش والمخابرات سنة 1993م تحت اسم “الطريق إلى إيلات” وليس الطريق إلى “أم الرشراش”؛ ما يؤكد التنازل عن المدينة المصرية ذات الأهمية السياسية والعسكرية والاستراتيجية للصهاينة. وعمليا أيضا سمح مبارك لوزير خارجيته المشبوه والمثير للجدل أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية حاليا، والذي أدلى بتصريحات مستفزة في 2008 يبرر بها خيانة نظام مبارك العسكري، مدعيًا أن “أم الرشراش” ليست أرضا مصرية وفقا لاتفاقيتي عامي 1906 و 1922، زاعما أنها كانت ضمن الأراضي المعطاة للدولة الفلسطينية، وفقا لقرار الأممالمتحدة 181 في نوفمبر عام 1947 وأن إسرائيل دخلت إلى هذه القرية بالعدوان على حقوق الفلسطينيين وكل ما يثار من مطالب مصرية في هذا الشأن هدفه إثارة المشاكل بين مصر وإسرائيل! شريان إسرائيل لميناء “أم الرشراش” أهمية عظيمة للكيان الصهيوني، بل هو من أهم موانئ الاحتلال حاليا، ولولا احتلاله ما كان للصهاينة وجود على البحر الأحمر وخليج العقبة، ولانعدمت فرصة الصهاينة في النفاذ إلى شرق إفريقية والتحالف مع إريتريا وإثيوبيا وكينيا، كما أن تحرير “أم الرشراش” سيمنع الاحتلال من المرور المباشر إلى الهند، فميناء أم الرشراش سمح للصهاينة بمد نفوذهم نحو المحيط الهادي ويمر عبر أم الرشراش نحو 40% من صادراته ووارداته. ولولا ميناء أم الرشراش لبقي البحر الأحمر عربيا خالصا بعيدا عن الاختراق الصهيوني. بل إن احتلال “أم الرشراش” سمح للصهاينة بتهديد مصر دائما بإقامة ممر مائي من أم الرشراش إلى البحر الميت إلى البحر المتوسط لمنافسة قناة السويس، كما أن هناك خط سكة حديد لهذا الهدف وهو ما يضر بالأمن القومي المصري ويهدد بتقليص أهمية قناة السويس. محاولات استعادة الأرض منذ 15 عاما تأسست الجبهة الشعبية المصرية لاستعادة أم الرشراش، وتضم باحثين وحقوقيين وأساتذة قانون دولي وصحفيين وجغرافيين وجميعهم يؤكدون مصرية أم الرشراش وفي مفاوضات تحرير طابا صرخ أسامة الباز لعزرا فايتسما وقال له إذا كنت تجادل في تحرير طابا فأعطنا أم الرشراش، كما نسب بيان للباز أكد أنه أدلى بتصريحات أعلن فيها أن بلاده “سوف تلجأ إلى استخدام ذات الأساليب التي حررت بها طابا لاستعادة أم الرشراش، لأنها من بين القضايا المعلقة بين مصر وإسرائيل. ويؤكد الكثير من السياسيين والخبراء العسكريين والاستراتيجيين أن أم الرشراش هي أرض مصرية، ومن هؤلاء اللواء صلاح سليم أحد أبطال حرب أكتوبر ومدير أحد مراكز الأبحاث القومية الاستراتيجية في مصر؛ حيث قال في إحدى الندوات: “إن هناك أرضا مصرية ما زالت محتلة وهى منطقة أو قرية تسمى “أم الرشراش” ، والتي أصبح اسمها فيما بعد وفي غفلة منا أو من الزمان “إيلات” وذكر اللواء عددا من الأدلة التاريخية التي تؤكد أن إيلات مصرية منها وجود استراحة للملك فاروق هناك وقلعة السلطان الغوري. بعد نجاح ثورة 25 يناير تحرك ملف أم الرشراش مجددا؛ حيث تقدم رئيس حزب الأمة، وعلي أيوب المحامي، بدعوى ضد كل من رئيس الوزراء السابق وزير الخارجية السابق ورئيس مجلس الشعب السابق والسفير الإسرائيلي في مصر بصفتهم؛ لامتناعهم عن عمد عن إصدار قرار بتحويل قضية استعادة أم الرشراش المعروفة إسرائيليا باسم “إيلات” للتحكيم الدولي وأعلنت هيئة المفوضين بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة استئناف الدعوى لكن نظام السيسي أجهض هذه المساعي.