تعمّدت صحف وقنوات الانقلاب الإعلامية تجهيل الجهات الإعلامية التي يعمل بها عدد من مجهولي الجنسية، وصفتهم صحف الانقلاب ب”المراسلين الأجانب للصحف والفضائيات”، وذلك أثناء افتتاح مهرجان صغير لسياحة السجون، يتضمن فقرات التطبيل والرقص مدفوع الأجر للعسكر. ونقلت صحيفة “اليوم السابع” وثيقة الصلة بمخابرات السفيه السيسي، عن تقدير “المراسلين الأجانب” لوزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، دون الإشارة إلى جنسية أحد منهم، وعليك عزيزي المواطن أن تذهب إلى استعلامات الوزارة وتسأل بنفسك، ولكن حريتك وكرامتك بل وحياتك نفسها ستكون على مسئوليتك حتى ترجع إلى بيتك!. ونقلت الصحيفة عن مجهولي الجنسية هؤلاء، زعمهم بأن سجون السفيه السيسي هى من طراز ال5 نجوم كاملة الترفيه، وأنها ترسخ قيم حقوق الإنسان، وتطبق أعلى المعايير الدولية مع المعتقلين والمساجين، وذلك على خلفية زيارة سجن النساء بالقناطر الخيرية. أنا سعيدة! ونقلت صحيفة اللواء عباس كامل، مدير المخابرات، عن مراسلة قالت إنها تدعى “سينزيا كوكوكلا”، وتعمل بإحدى القنوات الأجنبية والتي يعتبر اسمها سرا حربيا، قولها: “أنا سعيدة باتاحة الفرصة لي لزيارة هذا المكان، بالتأكيد أنا متأثرة به جدا، فكل شيء هنا رائع، والأروع أن أطّلع على حالة السجون في مصر، فالصورة إيجابية أكثر مما توقعت”!. وعلى طريقة دعاية زيوت تساقط الشعر وعقاقير التخسيس على قناة ناشيونال جيوجرافيك، قال شخص ادعت الصحيفة إن اسمه “أوزال خان”، وفي نفس الوقت قال مراسل إحدى القنوات الأجنبية، دون الإفصاح عن اسم القناة: “قبل اليوم سمعت أشياء سيئة عن السجون في مصر، لكن اليوم رؤيتي تغيرت تماما، هذا ليس سجنًا وإنما هو مركز تأهيل، ويجب على الإعلام الدولي أن يأتوا إلى هنا ليروا بأنفسهم حقيقة ما يحدث”، على حد قوله. ولو بحث هؤلاء الأجانب مجهولو الجنسية، الذين وصفتهم اليوم السابع ب”المراسلين الأجانب”، حالة واحدة من السيدات اللاتي قتلن بالتعذيب ولتكن حالة الشهيدة “مريم سالم”، والتي كانت في مطلع الثلاثينيات من عمرها، لوجدوا أنها أحدث ضحايا عصابة السفيه السيسي بالإهمال الطبي داخل السجون، بعد إصابتها بتليف الكبد، وأول امرأة تلقى ذلك المصير منذ الانقلاب العسكري. ولو حاولت “سينزيا كوكوكلا” وصديقها المدعو “أوزال خان”، البحث للشهيدة “مريم” عن صورة معروفة، لن يعثروا إلا في ملفات سجن النساء الذي يتحاكون عن روعته، لأنها بالكاد تجمعت بعض خيوط قصتها الحزينة بعد مصرعها مطلع أواخر عام 2019. شهيدة الرفاهية! “مريم” شهيدة من سيناء، ويلف قصتها التعتيم كما يلف سيناء منذ 2013، لكن تقول معتقلات سابقات رافقن الشهيدة “مريم” بالسجن القناطر: “إن عائلتها رفضت التهجير القسري الذي يمارسه الجيش المصري على أهالي شمال سيناء تحت حجب كثيفة من التعتيم”، ويضفن: “وأدّى موقف العائلة إلى اعتقال والد مريم وإخفاء أخيها قسريًّا”. ولا يعرف تاريخ اعتقال الشهيدة “مريم” بالتحديد، لكنها وأمها وخالتها حكم عليهن وفق ناشطين حقوقيين بالسجن عشر سنوات في قضية عسكرية، واعتقلت الشهيدة “مريم” وهي حامل، تاركة خلفها ثلاثة أطفال آخرين، وضعت صغيرها عبد الرحمن في السجن، وبعد فطامه انتزع منها وأودع دارا للأيتام. ويتساءل ناشطون بعد استشهادها عمن يمكنه استلام طفلها، أو عن مصير إخوته، ووفق ناشطين سيناويين تمتلئ السجون العسكرية بالكثيرين من سكان سيناء، لا يعرف عنهم أحد شيئا وتجري تصفية بعضهم في مواجهات أمنية مزعومة. وتوسع الانقلاب العسكري في اعتقال السيدات على نحو غير مسبوق، ونشرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان تقريرًا مفصلًا عما تتعرض له المعتقلات بسجن القناطر، من انتهاكات جسيمة، وذلك بالتزامن مع إعلان عدد منهن الإضراب عن الطعام، وفق التقارير تتعرض السجينات لعقوبات استباقية، وإهمال طبي أدى لتدهور صحة الكثيرات منهن. وتحت هاشتاج “السيسي قتل مريم”، تفاعل نشطاء مصريون وحملوا الجنرال القاتل مسئولية استشهاد “مريم”، مذكرين بأنها ليست المرأة الأولى التي يقتلها العسكر، لكنها الأولى التي تموت في السجون نتيجة الإهمال الطبي. واقع ضد التطبيل ووثقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، اعتقال 34 امرأة من بين 220 متظاهرا خلال انتفاضة 20/9/ 2020، على خلفية مشاركتهنّ في المظاهرات المطالبة برحيل السفيه السيسي. ووفق المنظمة، احتلت القاهرة النسبة الأولى من عدد المعتقلين، وهي 160، بينما اعتقل 11 في الإسكندرية، ومثلهم في الغربية، وتسعة في الدقهلية، وخمسة في القليوبية. وفي خلال تلك الأحداث هدد الفنان والمقاول محمد علي، السفيه السيسي، بأنه سيقوم بما لا يتوقعه، مطالبا بسرعة الإفراج عن إحدى الفتيات التي كانت تتواصل معه، وتدعى رضوى محمد. وقال علي، في مقطع فيديو تم تداوله بصورة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه كان خارج منزله، وعند العودة وجد عدة رسائل صوتية من رضوى تؤكد له أن قوات الأمن الوطني والأمن المركزي اقتحموا منزلها. ونشر الرسالة الصوتية، التي قالت فيها الفتاة وهي تتحدث بصوت منخفض: “الأمن المركزي في منزلي، أنا خائفة جدا”، وأوضح علي أن الفتاة لم تسرق ولم تأكل أموال أيتام، منوها إلى أنه من الممكن أن يقبل على نفسه أن يتهم ب”الخيانة العظمى” وغيرها من التهم التي توجه إليه، أما هذه الفتاة البريئة فلا تستحق أن تعامل مثل هذه المعاملة. و”رضوى محمد” معارضة مصرية نشرت عدة مقاطع مسجلة هاجمت فيها انتصار السيسي زوجة الجنرال، مؤكدة أن انتصار تشارك في تحمل جميع جرائمه وانتهاكاته للشعب، وأنها هي وزوجها السبب في خراب البلاد، وأنها ليست “زوجة مصرية أصيلة تنصح زوجها بتحمل مسؤولية الشعب واحترامه”. وهاجمت في مقاطع أخرى فشل السفيه السيسي في إدارة البلاد، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وانتقدت أيضًا “فيلم زيارة السجون المفبركة” التي نظمتها الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، مؤكدة أن السفيه السيسي وعصابته مرعوبون من محمد علي ويحاولون تلميع صورتهم بأي طريقة. واستهجن حقوقيون وسياسيون توسع سلطات الانقلاب بمصر في اعتقال الفتيات، في ظاهرة عكست استخفاف النظام بكل عادات وتقاليد المجتمع، وكسر الخطوط الحمراء بإخفائهن قسريا، وانتهاك حقوقهن، والتعدي عليهن داخل السجون. قهر المرأة وندًّدت الصحفية والمتحدثة باسم حركة نساء ضد الانقلاب، أسماء شكر، بنهج السلطات المصرية في اعتقال الفتيات والسيدات، قائلة: “منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013 واستهداف النساء والفتيات هو هدف أساسي لنظام السيسي؛ واستراتيجية معتمدة على مدار الست سنوات الأخيرة.”. مضيفة أن “استمرار حملات التنكيل بالسيدات والنساء، وآخرها فتيات قضية تحالف الأمل هو نتيجة لعدم محاسبة النظام على ما فعله بحق نساء مصر على مدار ست سنوات”، مشيرة إلى أن “اعتقال الزميلة الصحفية آية علاء أثناء زيارتها لزوجة الرئيس محمد مرسي لتقديم واجب العزاء أكبر دليل على أن النظام يزيف الاتهامات لسيدات ونساء مصر”. وأوضحت أن “آية علاء، التي أخلي سبيلها بعد عدة شهور، نموذج مشرف في مجالها الصحفي وكزوجة معتقل سابق كانت داعمة له حتى تحرره؛ ومع ذلك لم يشفع النظام لها ما عانته هي وبناتها خلال اعتقال الزوج الذي اتهم بقضايا كيدية أيضا نظرا لأنه صحفي حر، ولكن السياسة الحرة في عهد السيسي تعد جريمة”. وأكدت شكر أن “ما كشفته المعتقلة عبير الصفتي من جرائم وانتهاكات في حقها من قبل النظام؛ يضيف إلى تاريخ العار لنظام السيسي الذي اتبع مع المرأة والفتاة المصرية أساليب مخزية لا تليق أن تصدر إلا من عصابات وليست حكومات”. واتهم الحقوقي والباحث بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أحمد العطار، سلطات الانقلاب بعدم التمييز بين النساء والرجال بعد اعتقالهم، قائلا: “كانت هناك مقولة مغلوطة منتشرة تقول إن الفتيات والنساء في مصر خط أحمر”، مشيرا إلى “فضيحة كشوف العذرية التي وقعت إبان ثورة 25 يناير تحت إشراف عبد الفتاح السيسي، عندما كان مديرا للمخابرات”. وأضاف: “توالت الانتهاكات والاعتقالات في عهد عبد الفتاح السيسي، وصدر بحقهن أحكام بالإعدام والسجن المؤبد؛ إذا أصبح موضوع أن الفتيات خط أحمر ليس له محل من الإعراب، وبالتالي فإن هذه الانتهاكات ليست وليدة الصدفة، ولكنها سياسة ممنهجة”. وفيما يتعلق بالانتهاكات التي وقعت بحق المرأة، أشار إلى أن “المرأة المصرية تعرضت للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، والإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي، وأقرب مثال على ذلك مع حدث مع الصحفية عبير الصفتي التي تقدمت عبر محاميها ببلاغ للنائب العام بتعرضها لواقعة تحرش جنسي في اللحظات الأولى لدخولها سجن النساء للقناطر”. وتابع العطار: “إلى جانب الانتهاكات الأخرى والمتعلقة بالمنع من الزيارات، كما في حالة سمية ناصف، وهدى عبد المنعم، والحبس الانفرادي كما في حالة عائشة الشاطر، وعلا القرضاوي لفترات طويلة مخالفة بذلك الدستور واللائحة الداخلية للسجون”. وقبل أكثر من عام اعتقلت عصابة الانقلاب السيدة عائشة الشاطر، ابنة المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والمحامية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقًا، هدى عبد المنعم، في إطار حملة اعتقالات شملت 31 مصرياً، وما زالتا معتقلتين حتى الآن. وأدرجت الشاطر وعبد المنعم، في قضية تضم 8 آخرين؛ بتهم بينها الانضمام إلى جماعة محظورة، وتلقي تمويل بغرض إرهابي، ومعهما في نفس القضية، زوج عائشة الشاطر ومحاميها، محمد أبو هريرة، وبهاء عودة، شقيق وزير التموين الأسبق، باسم عودة، والشقيقان أحمد ومحمد الهضيبى، وإبراهيم السيد، وسحر صلاح، بالإضافة إلى مروة مدبولي وسمية ناصف اللتان أخلي سبيلهما بعد اعتقال طويل. وفي 18 أغسطس 2019، بدأت عائشة الشاطر إضرابًا مفتوحًا عن الطعام داخل محبسها في سجن القناطر، احتجاجًا على الانتهاكات التي تتعرض لها، إذ تحتجز في زنزانة انفرادية منذ اليوم الأول، بدون إضاءة أو تهوية. وفضت الشاطر إضرابها عن الطعام، بعد 14 يومًا من بدايته بعد وعود من إدارة السجن بتحسين ظروف اعتقالها، ولكن ذلك لم يحدث، وما زالت في الحبس الانفرادي في زنزانة صغيرة المساحة بلا حمام، ولا تتوافر فيها أدنى المعايير الإنسانية، كما منعت عائلتها ومحاميها من زياراتها، فقررت الدخول في موجة ثانية من الإضراب عن الطعام.