يمثل ضلوع الموساد الصهيوني والأمريكان في مقتل العالمة المصرية سميرة موسى أول عالمة ذرة مصرية، كانت قادرة على إدخال مصر بقوة في مجالات الاسلحة النووية والاستخدامات النووية المدنية والطبية منذ خمسينيات القرن الماضي، جريمة ممتدة وغير قابلة للتقادم او النسيان، كاشفة عن حقيقة الصراع الصهيوني العربي، والمصري، الذي قلب معادلاته المنقلب عبد الفتاح السيسي، الذي حول مصر لأرض رخوة للصهاينة يعيثون فيها فسادا وإفسادا وقتلا لمستقبل المصريين سياسيا وعلميا واقتصاديا واجتماعيا، بل وإنسانيا. حيث حرص الصهاينة منذ البدايات على حرمان مصر من مصادر قوتها العلمية والانسانية والسياسية والاقتصادية، بقتل العلماء وتتبعهم في كل أرجاء المعمورة لحرمان بلادهم من علمهم، واليوم يمارس الصهاينة نفس الدور بمشاركة السيسي والانقلابيين العرب في الامارات والسعودية، من أجل تجفيف منابع العلم والمعرفة في مصر وفي غيرها من البلدان العربية، عبر تدمير الاقتصاد المصري عبر افشال الشركات العامة والشركات الكبرى الرابحة التي يبتلعها الصهاينة وأعوانهم الإماراتيون تحت شعار الاستثمار، وتحويل مصر لدولة تابعة للغرب والصهاينة، عبر إشكالات السياسة والاقتصاد وتأزيم الأوضاع الامنية والسياسية والاجتماعية بمصر، ما يترتب عليه توجيه الإنفاق العام نحو شراء أسلحة وتكنولوجيات عسكرية لا قيمة لها لدولة كمصر، مقابل تقليص الإنفاق على العلم والتعليم والصحة بمصر، ما يوفر بيئة خصبة من استمرار تبعية مصرر لإسرائيل والغرب. وتكشف قصة العالمة المصرية سميرة موسى جانبًا من تلك الاستراتيجية الصهيونية والتي يغذيها بقوة عبد الفتاح السيسي، الذي تعهد منذ انقلابه بحماية الأمن الصهيوني، موفرا لهم كافة ما يطلبونه من أمن وأراض استراتيجية في سيناء يجري اختراقها يوميا، وتعديل في مناهج التعليم المختلفة بما يضمن للصهاينة أمنهم واعترافا وشرعية من قبل أجيال مصر المتعددة والقادمة. من الغربية للقاهرة في 3 مارس 1917، وفي قرية صغيرة بمحافظة الغربية تدعى “سنبو الكبرى”، ولدت سميرة موسى عام 1917، لأب متوسط الحال، وتلقت تعليمها الأساسي بقريتها، وأظهرت براعة في تعلم وحفظ القرآن. كانت الابنة الرابعة لوالدها، الذي أصرَّ على ألا يفرّق في التعليم بين بناته السبع وأبنائه الذكور، ولكن ما ستحققه ابنته لم يكن أبدًا في الحسبان. توفيت والدتها في سن مبكرة ما دفع والدها لاصطحاب ابنته، والانتقال بها إلى العاصمة القاهرة. أقام هو وابنته في حي «الحسين»، والتحقت بالمدرسة الابتدائية، وبعدها الإعدادية، وأظهرت نبوغاً مبكرا، وتفوقا غير مسبوق. حصلت عام 1935 على الترتيب الأول بين المتخرجات في شهادة التوجيهية على مستوى الجمهورية، وهو الأمر الذي لم يكن شائعا بين الفتيات في تلك الحقبة. في عامها الأول بالدراسة الثانوية، كان لها إسهام مباشر وهي لا تزال فتاة صغيرة، إذ استطاعت أن تعيد صياغة أحد الكتب الدراسية المقررة على الطالبات في مادة «الجبر»، وقامت بمساعدة والدها بطباعة الكتاب المعاد صياغته على زميلات صفها. كما كان لها دور رئيسي في إنشاء معمل للعلوم في مدرستها، التي كانت تديرها وقتها شخصية نسائية مصرية رائدة هي «نبوية موسى»، التي كانت أول فتاة تحصل على شهادة دراسية في مصر، وأسهمت بعد ذلك بقوة في مجال تعليم المرأة. أينشتاين العرب وبعدما تخرجت بتفوق من المحلة الثانوية، اختارت «سميرة موسى» كلية العلوم، بخلاف ما كان شائعا عن اختيار الفتيات الأول، وهو كلية الآداب. وكانت تلك بداية خطواتها نحو مسيرة غير مسبوقة في مجال العلوم، الأمر الذي بدأ فعليا بعد أن لفت تميزها، وتفوقها نظر عبقري آخر، وواحد من أقطاب العلوم المصريين، وعميد الكلية آنذاك، الفيزيائي العربي الكبير مصطفى مشرفة الملقب ب”آينشتاين العرب”، الذي تنبأ لها بمستقبل باهر. وفي عام 1938 حصلت سميرة موسى على شهادة بكالوريوس العلوم بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة، وتحديداً في فرع الأشعة السينية «أشعة إكس»، وأثرها على المواد المختلفة. وكانت تلك خطوة أخرى قادها خلالها أستاذها «مصطفى مشرفة»، إذ رأى أنها أجدر من غيرها بالتعيين للتدريس في الكُلية. وكان إصرار «مشرفة» على نبوغ سميرة موسى هو السبب الرئيسي وراء تعيينها مُدرسا مُساعدا بالكلية، ثم توجيهها إلى الحصول على درجتى الماجستير في «التواصل الحراري للغازات» عام 1939. ثم سافرت بعد ذلك إلى لندن لدراسة النشاط الإشعاعي، ومن هناك حصلت على درجة الدكتوراه في الإشعاع الذري. أنجزت رسالة الدكتوراه في سنتين وقضت السنة الثالثة في أبحاث متصلة وصلت من خلالها إلي معادلة هامة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم تستخدم في صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع، ولكن لم تدون الكتب العلمية هذه الأبحاث التي توصلت إليها د. سميرة موسى. بعد حصولها على الدكتوراه قامت بالعديد من الأبحاث التي لم تلق رواجا كبيرا في الأوساط العلمية وقتها، من أهمها بحث حول إمكانية تفتيت أنوية الذرة في معدن النحاس بطرق غير مُكلفة، بعكس الانشطار الذري المُكلف باستخدام المواد المشعة مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم؛ ما يعني إنتاج طاقة نووية أرخص بكثير مما كان شائعا وقتها. كما تطوَّعت بنفسها للإشراف على العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان في عدد من المستشفيات، خاصة أنه كان أحد أسباب فقدانها أمها في سنٍّ مبكرة. كارثة القنابل الذرية انفجار القنبلة الذرية الأمريكية على مدينتي “هيروشيما” و”ناغازاكي” عام 1945، كان حدث جلل هزَّ العالم أجمع آنذاك، وكان لتلك الكارثة أثر خاص على سميرة موسى، فتبنت مبادرة عالمية شهيرة آنذاك، عُرفت باسم “الذرة من أجل السلام”. ودعت إلى مؤتمر دولي، يحضره العديد من العلماء المشاهير في مجال الدراسات النووية، وشكَّلت لجنة للتوعية من أخطار الأسلحة الذرية وآثارها. وبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر على حرب فلسطين وبدء الاحتلال الإسرائيلي، أسست سميرة موسى هيئة الطاقة الذرية المصرية، وبدأت أبحاثًا أخرى حول تسخير الطاقة الذرية، وخبراتها في مجال الإشعاع الذري لعلاج الأمراض الخبيثة، أي عندما رأى العالم انشطار الذرة بمثابة سلاح فتاك، ضامن للسيطرة، كانت سميرة موسى ترى تطبيقات الذرة والإشعاع الذري بوابة لتسخير قوى العلم في أغراض نبيلة، نفعية للبشرية، بدلاً من تدميرها. في المنشأة النووية الأمريكية! وكانت المنحة الأمريكية Fulbright Atomic Programالموجهة لسميرة موسى عام 1952 واحدة من الأمور التي تدعو للفخر، في أوقات كانت الفتيات على قدر ضئيل من التنوير والحرية. تلك المنحة التي جاءتها من جامعة كاليفورنيا لدراسة المنشآت الذرية الأمريكية كجزء من البرنامج الدراسي، نظراً لإسهاماتها على المستوى العالمي في أبحاث الذرة. ورغم أن الإعلام الغربي لم يذكر الكثير حول سميرة موسى، فإن مجلة Physics today الأمريكية الشهيرة خصَّصت لها صفحة مُبسطة، تخليدًا لذكراها، وإقرارًا بريادتها، وحتى إنها ذكرت أنها المواطنة غير الأمريكية الوحيدة وقتها، التي تمكنت من الدخول إلى منشأة نووية أمريكية، وهو الأمر الذي أثار الجدل آنذاك داخل أمريكا. كما عرضت السلطات الأمريكية عليها إقامة، وجنسية أمريكية للبقاء واستكمال أبحاثها الرائدة في مجال الذرة لحساب الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أن سميرة موسى ردت ردها الشهير: “عندي وطني العزيز مصر، بانتظاري”. بين الموساد والأمريكان وفي صباح يوم الخامس عشر من أغسطس، انقلبت السيارة التي كانت تحملها من فوق تلال «كاليفورنيا» الوعرة، ولقيت مصرعها في سن 35 عاما، وكانت آخر رسائلها لوالدها هي: “استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسوف أخدم قضية السلام”. مصرع سميرة موسى كان ولا يزال واحدًا من أكثر الحوادث التي حامت حولها شبهات الاغتيال، ما بين تهم موجهة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد، الذي اعتبر سميرة موسى «خطرًا عربيًا» كبيرا يجب التخلص منه، أو الأمريكيين الذين رأوا أنه ليس من مصلحة قوة عظمى أن تترك لمصر عالمة بقدرات سميرة موسى. ففي 15 أغسطس عام 1952، وعلى طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع، ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادٍ عميق. وظهرت على مر السنوات العديد من التحقيقات الصحفية التي اتهمت الموساد الإسرائيلي باغتيال موسى بمعاونة الممثلة المصرية اليهودية “راقية إبراهيم”، التي تركت مصر وسافرت إلى أميركا عام 1954، وكانت على صداقة حميمة بالعالمة. وفقا لمذاكرات راقية إبراهيم الشخصية، التي نشرتها حفيدتها في أميركا، فإن الممثلة المصرية علمت بموعد إحدى زيارات سميرة موسى إلى أحد المفاعلات النووية في الولاياتالمتحدة، فقامت بإبلاغ الموساد الإسرائيلي، ليتم اغتيالها في حادث يوم 15 أغسطس عام 1952. وحتى اليوم ما زالت الشكوك تحوم حول اختفاء سائق سيارة سميرة موسى المحطمة، وهو زميل دراسة لها، هندي الجنسية. إذ لم يُعثَر في السيارة المهشمة سوى على جثة “سميرة موسى” فقط. أعيدت بعدها جثتها إلى مصر، وكُرمت من قبل الجيش المصري عام 1953، وحصلت على وسام الدولة للعلوم والفنون عام 1981 من قبل الرئيس أنور السادات، كما أطلق اسمها على إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم بقريتها، وتقرر إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها في قريتها عام 1998 ورغم ذلك يستمر السيسي وانقلابه في تسليم مصر “على المفتاح” للصهاينة، على كافة الأصعدة العلمية والسياسية والاقتصادية، ضامنا تفوق إسرائيل العلمي والسياسي والعسكري في مواجهة مصر والعرب، ومحققا أحلام الصهاينة عبر صفقة القرن التي بمقتضاها ستبقى إسرائيل كيانا متقدما على الصعيد العربي.